تتأهب بعض العائلات ميسورة الحال في بعض
مدن وأرياف الوطن لاستقبال شهر رمضان المعظم بإحيائها بعض التقاليد التضامنية
والتكافلية الجزائرية الأصيلة السائرة في طريق الزوال، ومن بين أشهر هذه العادات
والتي تمكّنت من الصمود لمئات السنين ومقاومة التغيير لتستطيع اختراق فضاء العاصمة
"الفرداني" وأجوائه، نجد "التويزة" أو كما يطلق عليها في بعض الولايات "السهمة"
و"الوزيعة"، وهو مصطلح أمازيغي يعني التضامن والتعاون، كما أنها عادة قديمة سنها
أعيان القرى والأرياف والأغنياء لمساعدة الفقراء بدون إحراجهم، وهي تعمل على تعزيز
روح التكافل والتضامن داخل أبناء الجماعة، ما دفعهم للتمسك بهذا الموروث الشعبي حتى
بعد مغادرتهم لولايتهم واستقرارهم في العاصمة.
ترتبط إقامة "التويزة" في الغالب بالمناسبات الدينية كحلول شهر رمضان المعظم
والمولد النبوي الشريف وعاشوراء وغيرها من الأعياد الدينية الهامة وببعض المواسم
الزراعية كجني الزيتون والحصاد، يقول "م. إسماعيل" 85 سنة، تاجر، يقيم في باش جراح،
وينحدر من ولاية جيجل، أن أعيان قريتهم أو ما يسمونهم بـ"الجماعة" يحرصون باستمرار
على إقامة "التويزة" ومساعدة الفقراء، يومها لم تكن هناك طبقية ولا حواجز فالكل
يحمل همَّ أخيه، مستطردا أنه وعائلته الكبيرة والتي غادرت الولاية قبل أكثر من 50
عاماً باتجاه العاصمة لازالوا يحرصون على إحيائها باستمرار في منزلهم العائلي
الكبير. وعن الطقوس والتحضيرات يقول الحاج "إسماعيل": "يقوم أحد الأعيان بإعلام
أعيان القرية عن رغبته في إقامة "التويزة" والتصدق على الفقراء، فيتشاور الأعيان
فيما بينهم حول المبلغ المراد تجميعُه وعدد الفقراء واليوم الذي ستقام فيه
"السهمة"، ثم تسند لأحدهم مسؤولية جمع مبلغ محدَّد من المال من جميع العائلات
ميسورة الحال ويُستثنى منها الفقراء فيشترون بقرة أو عجلاً وقد يكون أكثر حسب عدد
العائلات الفقيرة.
وفي يوم الذبح المتزامن مع يوم عطلة تساق الذبيحة البقرة أو العجل إلى منطقة بين
الأحراش ليتم نحرُها وسلخها أمام مرأى رجال وأطفال القرية ثم تقطيعها وتوزيعها على
شكل أسهم "حصص" على حسب عدد العائلات الفقيرة، وتُكتب أسماء هذه العائلات على قطع
من الورق ويضع الأطفال الأسماء على كل سهم من اللحم لينادوا بأسماء العائلات
المحتاجة لاستلام حصتها. ويستطرد الحاج "إسماعيل" قائلا: لقد كان يوم "التويزة"
بالنسبة للجماعة يوم عيد تحضر فيه النساء الطمينة والزيرير والكسكسى، ونختم يومنا
الشاق بالدعاء والابتهال لله عز وجل.
ورغم تغير الذهنيات وانتقالنا للعاصمة إلا أنني وعائلتي لازلنا نواظب على إقامة
"التويزة" قبل حلول شهر رمضان، فبعد وفاة والدي وشقيقي الأكبر أصبحت أنا المسئول
عليها وأحرص على إحيائها كل سنة، ومع أن سعر أصغر خروف هذه الأيام لا يقل عن 25 ألف
دينار والبقرة حدث ولا حرج، لكننا نعقد اجتماعات عائلية ونحاول جمع المبلغ في الوقت
المحدد وكل ذلك بغية مساعدة أكبر عددٍ من الفقراء والمساكين من أبناء عائلتنا
وجيراننا أيضا، ولو أن الطقوس في المدينة والأجواء تحمل نكهة وطابعاً مختلفين لكن
أواصر المحبة والتآزر والتكافل المترسِّخة بين أفراد العائلة الواحدة تجعلنا نتمنى
تكرارها دوماً.
ولأن الدين الإسلامي يدعو دوماً إلى التعاون وفعل الخير وإخراج الصدقات لقوله تعالى
في سورة التوبة "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم
وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل"، تسعى العديد من العائلات لترسيخ
هذا التقليد وتأصيله في المجتمع لحمايته من الاندثار.