اختفت حبات المعدن الثمين، ولم
يبق لـ "الحب الحر" أو الخرز، سوى ذكرى أو بقايا متوارثة لدى أسر معدودة. فالصناعات
الحديثة اخترعت أشكالا مختلفة من أقراط الزينة. وحتى تلك الكرات البلورية التي تصنع
من خام الأحجار المتناثرة في الصحراء قذفتها المصانع الصينية هي الأخرى.
لكن هذه المرة ظهرت بشكل مواد بلاستيكية تبهر الناظرين، وتستفز حقائب النساء،
اللواتي يبحثن عن معدن لم يعثرن على نسخته الأصلية.
انكبت النساء على تجارته مصنوعا على الطريقة الآسيوية في نسخته الجديدة، التي أضفت
عليها أنامل الصناع مواد وألوانا تشبه إلى حد بعيد ذلك المعدن الثمين الآيل
للاندثار..قامت إحدى التاجرات بحمل بعض القطع إلى الصين لتقليدها، فالموجود من
"الأصل" لم يعد قادرا على استيعاب طلبات السوق النسوية.
تحرص المرأة الموريتانية على انتقاء هذه الأحجار، التي هي في الحقيقة غير مصنفة ضمن
الأحجار الكريمة المعروفة عالميا، مع أنها استطاعت أن تصمد بألوانها وأشكالها مدة
طويلة، تتوارثها النساء جيلا بعد جيل.
قطع بألوان مختلفة بعضها وحيد اللون.. بقيتها تتداخل فيها الألوان القزحية بطريقة
ساحرة وجذابة، حسب مراقبي السوق.
هذه الأحجار كانت تستخرج من مناطق معينة في موريتانيا، على شكل حجارة خام، يُـقطعها
الصناع على أشكال مختلفة، إما بتدويرها أو تربيعها وثقبها، لتتشكل منها حلي
تستخدمها النساء للزينة.
تتفاضل الأحجار في جمالها وقيمتها، كما تتميز بالتفاوت والاختلاف، كل عقد مصنوع
منها يختلف عن الآخر ليكون خاصا بصاحبته.
تتوارث الأسرة حبات من هذه الأحجار خاصة بنسائها، وتحتفظ حبة منها بشكل خاص
يَسِمُها عن الأخريات، حتى لو وضعتها بين الآلاف من حبات الخرز فإن التعرف عليها
يصبح أمرا سهلا بالنسبة صاحبتها، لذلك كانت الأحجار من مظاهر الكمال لدى عدد من
الأسر والقبائل.
مع اختفاء هذه الأحجار أصبح ما يعرف ب "الحب الحر" من وسائل البذخ والترف عند
الموريتانيات، ووصل سعر الواحدة لأكثر من مليون أوقية.
صيحات الموضة وتطوراتها طالت هذه الحلي التقليدية، في الأسواق المحلية توجد تاجرات
متخصصات في بيعها موادا خام، وللصناع التقليديين دور في صناعتها، فهم يقومون بصياغة
أشكال معينة من الذهب، تمزجها التاجرات بعد ذلك بالأحجار وفق طرق متعارف عليها.
الإقبال على هذه الأحجار واقتناؤها بهذه الأسعار المرتفعة يواكبه حذر كبير من تراجع
قيمة هذه الثروة المقتناة.. ففي أية لحظة قد تكتشف أن مادتها الجيولوجية غير نفيسة،
أو يتراجع الطلب عليها خاصة أن المنافسين في الأسواق الخارجية ينتجون ملايين القطع
الشبيهة في الدقيقة.
أحجار نادرة، مدت بها الطبيعة هذا البلد الفقير، هي أشبه ما تكون بعملة في أيدي
النساء في فترة لم يكن للمرأة من عمل تستقل به عن الرجل سوى حبات الخرز.
اليوم تأمل العاملات في الحقل أن تتطور معدات فحص "الأحجار"، ليكشف المعدن الحقيقي
لهذه الأحجار، فربما - تقول إحدى السيدات- يكون معدنا ثمينا قابلا للتصدير للخارج.
وبما أن التقاط الحجر الأصلي للخرز لم يعد ممكنا، إلا أن ذلك برأي بعض المهتمين
بالصناعة التقليدية، لا يمنع أن يقام بمسوح من شأنها أن تكتشف ثروة نادرة قد تكون
موردا اقتصاديا جديدا للبلد.
صحراء ميديا