آمنة بنت بهية مديرة استديو التصوير العائدة من العراق
هاجرت إلى بلاد الرافدين منذ ما يقارب واحدا وثلاثين سنة، بعد زواجها من عراقي كان
يعمل دبلوماسيا في موريتانيا، وعادت إلى وطنها الأم منذ سنوات، وبدأت حياة أخرى، في
وسط عاصمة بلاد الرمال المتحركة.
شهدت آمنة بنت بهية، جل التطورات التي حدثت على أرض العراق، الأمر الذي جسد الصورة
في مخيلتها، فألهمتها الصور الإنسانية التي شاهدتها، للتعبير عن حكايات يعجز اللسان
عن شرحها...عشقت فن التصوير والصور.
،عاشت في العراق بسبب الرباط المقدس الذي جمعها مع ابن الفرات، لكن الحنين إلى
الوطن لم يفارقها، كانت موريتانيا راسخة في ذهنها طوال مدة مكوثها على أرض العراق
التي شهدت حالة حرب شبه دائمة منذ الثمانيات.
ترعرعت آمنة بين رمال الصحراء الموريتانية ونسيمها الهادئ، لتبدأ حياة جديدة لا عهد
لها بها.. إنها قصة رحلة تستحق الوقوف عندها.
بعد الغزو الأمريكي للعراق (2003)، أصبح هاجس نقص الأمن يكدر صفوها وأبناءها الذين
يحملون الجنسية العراقية، ولا تزال مشاهد من الحرب ماثلة أمام عينيها، الأمر الذي
دفعها مع عائلتها الصغيرة للعودة إلى مسقط رأسها موريتانيا، لتجد الأمن والأمان...
بعد أن دق ناقوس الخطر باب الأسرة الموريتانية المقيمة في العراق جراء العمليات
التي كان يقوم بها الجيش الأمريكي بعيد سيطرته على البلاد.
بعد فترة انتظار لانجلاء الغمة عن البلد دون جدوى، قررت السفر إلى انواكشوط ، لكن
"آمنة" بعد مقدمها إلى أرض الوطن، ونظرا للواقع الذي تعيشه المرأة الموريتانية
والأعمال التي تمارسها، اختارت أن تجسد إحساسها بالصورة على أرض الواقع، فبادرت إلى
فتح محل للتصوير، وهو يحتفل اليوم بأكثر من سبع سنوات من العمل. بعد أن وجدت أن
المرأة الموريتانية لا تقبل على هذه المهنة.
وتؤكد آمنة بنت بهية أن الهدف من تنفيذ هذه الفكرة هو إتاحة جو من الحرية للمرأة
الموريتانية التي تحب الصور، وتهتم بهذا المجال، لكن انفراد الرجل بهذه المهنة منذ
فترة من الزمن جعل الكثير من النساء لا يرغبن في الذهاب إلى المصور الذي ليس
"محرما" لهن، نتيجة القيم والعادات.
العديد من الفتيات الموريتانيات أصبحن يترددن على استديو التصوير الذي افتتحته بنت
بهية قرب "بوتيك كسكس" في مقاطعة تفرغ زينة، كما صرحت بذلك بضع فتيات يرتدن المحل
من أجل التقاط صور للأقارب والأخوة، وأكدت فاطمة إحدى زبونات المحل أنها تشعر
بالارتياح وحرية تامة أمام سيدة مثلها للتصوير، الأمر الذي شجعها بعد أن كانت
القطيعة بينها والصور منذ سنين خلت، كما أكدت أنه من الضروري للفتاة الموريتانية
الإقبال على مثل هذه الأعمال، التي قل أن تجد إحداهن تمارسها، بل قد لا توجد.
محل التصوير الذي تديره آمنة في تفرغ زينه بنواكشوط
لم تغب عن آمنة المصورة تلك المشاهد التي انطبعت في مخيلتها من العراق، وتقول :"لن
أنساها ولا تزال تلك الصور في ذاكرتي، وبمجرد التحدث عنها تنكأ الجروح التي لم
تندمل بعد بداخلي من مشاهد غير إنسانية".
وتؤكد وهي تتجول وسط محلها أنها تعتقد أنها بهذا العمل، قدمت خدمة للمجتمع الذي
تنتمي إليه، والذي وجدت أحضانه مفتوحة لها بعد فراق طويل.
بنات المصورة العائدة من غربتها يعملن معها داخل المحل، ويؤكدن أنهن يشعرن بالأمان
في وطنهن الثاني، كما أنهن لم يتركن الدراسة، لأن سبيل مواصلة المشوار وجد بعد قبول
المدارس الموريتانية لهن.
حكت آمنة تجربتها في بلاد الرافدين، و"بلاد الحروب"، بكل حسرة على الواقع الذي وصل
له العراق اليوم، على الرغم من أنها الآن تعيش في كنف أهلها ووطنها.
ورغم القصة الدرامية التي عاشتها، والتقلبات السياسية المضطربة، فإنها ظلت متمسكة
بفكرة أن تجسد الخبرة التي تعلمت خارج الوطن على الأرض، وهذا ما لاقى إعجاب الكثير
من الفتيات اليوم... فهل ينجب الشارع الموريتاني فتيات ينافسنها على المهنة التي لا
تزال تنفرد بها؟.