يبدو المشهد للوهلة الأولى كأنه حدث عادي
لا يختلف كثيرا عن المناسبات السعيدة التي تنظم عبر ربوع الجزائر التي لا تتميز عن
بعضها إلا في بعض التفاصيل والترتيبات.وجهت الدعوة وكانت التلبية ممزوجة بكثير من
الفضول لحضور عرس جماعي بمدينة ورقلة المتموقعة وسط الصحراء الشاسعة.عرس ليس ككل
الأعراس الأخرى دأبت هذه المنطقة على تنظيمه لاعتبارات عدة، لكن هذه المرة ومن أجل
تأكيد الانتماء إلى الوطن ورص الصفوف ونبذ الفرقة تناغمت عروش وبطون أهل ورقلة بمن
فيهم الأقلية الإباضية في رمزية قلما نجدها تتكرر في الزمان يحدوهم في ذلك »بعث
رسالة قوية المعاني للأخوة الفرقاء في غرداية بغية إطفاء نار الفتنة«، وشعارهم في
ذلك »وحدة العقيدة والمصير المشترك« فكان العرس الذي جمع 172 عريسا يمثلون بلدية
ورقلة وحدها عنوانا للتضامن والتآخي.
إباضي يؤم المالكية
● رمزية العرس الجماعي بدأت يوم 22 مارس المنصرم حيث التقت كل أطياف ورقلة
بالمسرح بالبلدي لتنظيم احتفالية جمعت عرسان المنطقة المقدر عددهم بـ 172 عريسا
أشرفت على إكمال نصف دينهم 6 جمعيات تمثل أحياء البلدية وهي جمعية القصر للإصلاح
والثقافة وجمعية الوفاق التي تمثل الإباضية وجمعية البيت السعيد لعرش المخادمة
وجمعية سيدي بن سعيد لبني ثور وكذا جمعيتا التوعية الاجتماعية لحي بوعمار ووسيط
الخير لحي بامنديل.وجاءت المبادرة الأولى من نوعها هذه والتي جمعت عرسان المنطقة
كإشارة ورسالة وصفها أستاذ الشريعة وعضو جمعية البيت السعيد عبد الرحمان نعيمي بـ »
القوية « إلى الإخوة الفرقاء في غرداية لنبذ الفرقة وتوحيد الصف وتجاوز الخلافات
التي قال أن الكثير من المتخاصمين من الإباضيين والمالكيين في غرداية لا يحبذونها
وفي هذا السياق جاءت مداخلات الذين تدالوا على الكلمة في العرس الرمزي الذي أقيم
بالمسرح بالبلدي أو الأعراس الجماعية الأخرى التي باشرت في تنظيمها الجمعيات
المعنية بعد هذا اللقاء.ومن رمزية المناسبة التي أردها المنظمون لتأكيد »وحدة
العقيدة والمصير المشترك« وفي جو الاحتفال صادف وأن حل وقت صلاة المغرب وبحكم
الأعراف فإن المذهب صاحب الأغلبية هو من يؤم الناس في الصلاة لكن ومن أجل تهدئة
النفوس يذكر أن الإمام المالكي قدم على نفسه واحدا من شيوخ الإباضية لإمامة الناس
في صلاة المغرب وهي الرسالة التي استحسنا كل من شهد المناسبة.وقد اعتبر أحد
المتدخلين »هذا التفضيل لشيخ الإباضية من باب رفع اللبس عن ما يقال في خلاف
المذهبين اللذان يلتقيان في التوحيد واجتمع عليه المسلمون من أركان الدين وأسس
السنة النبوية الشريفة«.
من ''وعدة سيدي الشيخ إلى التأسيس لفعل الخير
وفي سياق الدعوة التي وجهت لنا لحضور هذا الحدث وللوقوف على خلفية تنظيم
الأعراس الجماعية مرتين خلال السنة ذكر أستاذ الشريعة عبد الرحمان نعيمي أن الوليمة
الجماعية أصبحت مع الوقت سنة حميدة فرضتها الظروف الاجتماعية من غلاء لتكاليف العرس
الذي دفع بالشباب إلى العزوف عن الزواج وكذا العمل على القضاء على العنوسة إلى جانب
السعي للقضاء على مختلف الآفات الاجتماعية والدفع نحو إصلاح المجتمع وفقا لتعاليم
الدين الإسلامي الحنيف وإن كانت الصيغة الجماعية عند البعض ارتبطت بالحاجة والحرمان
في بدايات التجربة فهي اليوم حسب محدثنا حدث ينتظره الجميع سواء من المنطقة أو
خارجها وذلك بالنظر إلى البعد الاجتماعي والديني والثقافي الذي أصبحت تتميز به ثم
إن المناسبة كانت سببا في القضاء على كثير من المظاهر التي كانت تحسب على »التقاليد
البالية« كزيارة الأضرحة على غرار زاوية »سيدي الشيخ« نسبة لزعيم المقاومة الشعبية
»الأبيض سيدي الشيخ« بمنطقة مخادمة أين تحولت الخيران الموجهة لـ »وعدة سيدي الشيخ«
لدعم الفرحة الجماعية لأهل المنطقة.ثم إن الوعي الجماعي بضرورة مكافحة الفساد
والدعوة إلى فعل الخير وبعث روح التضامن بين أفراد المجتمع الواحد كان الخلفية
الرئيسية التي أسست لمثل هذا الفعل.
العرس في ورقلة والألم في غرداية
وفي سياق العرس الجماعي الرمزي عاد الأستاذ نعيمي إليه بشيء من التفصيل إذ
أوضح أن فكرة تنظيمه لأول مرة في ورقلة جاء على خلفية الأحداث التي شهدتها منطقة
غرداية الأيام الماضية وبهدف تنسيق الجهود والوصول إلى توافق بين مختلف أطياف
المنطقة تم إنشاء تنسيقية جمعت الجمعيات الممثلة لأحياء ورقلة وبذلك ارتأت المجموعة
إقامة عرس جماعي موحد يضم عرسان البلدية من مالكية إباضية وباقي الأطياف الأخرى وفي
الحفل الذي نظم يوم 22 مارس المنصرم وحضرته السلطات الولائية والمحلية إلى جانب
الأعيان تم فيه التداول على الكلمة لبعث ،كما قال محدثنا،برسالة للأخوة في غرداية
فيه هذا الموعد ذكر أن المنظمين أطلقوا على سبيل الرمزية حمامتين بيضاوين كدليل على
السلام والأخوة والمحبة ومن محاسن الصدف أن تنطلق الحمامتين سويا في اتجاه واحد
وبعد الافتراق في الجو عادتا لتجتمعان على جانب من سور المصرح البلدي الذي أقيم في
فضائه هذا العرس.وهي الرمزية التي لقيت استحسانا من الحاضرين وصفقوا لها مطولا
عربونا على ما يجمع أطياف ورقلة في جو من التعايش والاستقرار.وقد اعتبر العضو
القيادي في جمعية » البيت السعيد« هذه الإشارة دليل على صفاء وصدق النوايا إلى جانب
كون العمل الإنساني الذي يقوم الجميع نابع من عقيدة راسخة لإصلاح ذات البين وبناء
مجتمع متماسك.وأشار الأستاذ نعيمي في سياق ذي صلة أن السلطات المحلية ساهمت هي
الأخرى في إنجاح العرس إلى جانب وعد قطعه والي الولاية لمنح كل عريس قطعة أرض
لإقامة مسكن خاص به أو مسكن و مبالغ مالية.
البيت السعيد والوفاق الإباضية في مشهد نادر
وكان لنا الحظ السعيد أن شاركنا في عرسين من هذه الأعراس الجماعية الأول من
تنظيم جمعية البيت السعيد لأصحابها المالكيين والثاني من تنظيم جمعية الوفاق التي
تمثل الإباضية و التي برمجت على التوالي في حي من أحياء البلدية وذلك لتمكين كل
جمعية من تنظيم فرحها وفق الطقوس والمراسيم التي تراها مناسبة لها.ففي عشية 26 مارس
2014 شهد عرش المخادمة أجواء احتفالية بهيجة تناغمت فيها فرق المهاري والخيالة وفرق
البارود إلى جانب المقرضين للشعر الشعبي الحامل بين أبياته مظاهر النخوة والأخوة
وحب الوطن وكذا نفحات من التاريخ الممجد للثورة ومنهم من ذهب إلى وصف معاناة
المجتمع مع لقمة العيش وعلاقة المرأة والرجل التي قدمت في شكل فكاهي أبدع فيه أهل
المخادمة الذين استعدوا على بكرة أبيهم للفرح مع 31 عريسا منهم من أصل 172 الذين
تضمهم البلدية فكان الكل مجندا للتنظيم والسهر على إنجاح الموعد.
وبخصوص التحضيرات للعرس الذي أشرفت عليه جمعية البيت السعيد ذكر عبد الرحمان نعيمي
أنها دامت أكثر من شهرين إذ سبقها الإعلان عن فتح التسجيلات للراغبين في الزواج من
شباب الحي ومن خارجه إلى جانب جمع الفاعلين من أعيان ومقاولين ورجال أعمال وغيرهم
للمساهمة في تحضير الوليمة.وأكد أن عملية التحضير تذهب إلى أدق التفاصيل بداية من
الملعقة إلى آخر شيء يمكن أن يندرج في مراسيم الحفل.وأشار إلى أن جديد الطبعة الـ
11 من الزواج الجماعي التي نظمت بالحي عرفت استحداث شكل جديد من الدعم حيث وجهت
الدعوة للعائلات القادرة على إهداء ما يعرف عند أهل الحي بـ »قصعة المواسية« وهي
قصعة من الكسكسي كمساعدة ومآزة وتعبير على التكافل الاجتماعي وتجسيدا لشعار هذا
العام والمتمثل في » الوحدة والأخوة« ،وقد تمكن خلالها المنظمون من استقبال 82 قصعة
مكنت من إطعام حوالي 5 آلاف مدعو في تلك الليلة.وهي العملية التي لم تتجاوز النصف
ساعة واشرف عليها 250 منظم من شباب الحي بالإضافة إلى وضع 50 حارسا خارجيا لتأمين
المحيط والسهر على سلامة السيارات والنظام العام في الدخول والخروج منة مكان
الوليمة.وما زاد الجو الاحتفالي روعة ما تقدت به فرقة »العنادل« للإنشاد الديني
والتي احتلت المراتب الأولى على المستوى الوطني في تخصصها.
رمزية ورسائل مشفرة تبحث عن صدى في غرداية
وتجسيدا لشعار احتفالية هذا العام قامت الجمعية بدعوة كل الجمعيات الموجودة
ببلدية ورقلة لتكريمها إلى جانب تكريم عريسين من عرسانها.وإن كان الدفعة السابقة
شهدت حسب محدثنا الأستاذ نعيمي تزويج 50 عريسا فان مجموع الدفعات المتزوجين خلال
الدفعات الـ 11 بلغ حوالي 205 عريس وهو ما يؤسس لظاهرة اجتماعية أصبحت موعدا ينتظره
الجميع بعد أن كان في البداية ينظر إليه أنه موعد للمعوزين من الشباب الراغب في
الزواج ليتحول إلى لقاء يتفاخر به المشاركون.ولم نفوت الفرصة لحضور مراسيم الزواج
الجماعي الآخر المنظم من طرف جمعية الوفاق الممثلة للمذهب الإباضي وإن كان الحضور
اقل بكثير من العرس السابق وعدد العرسان لا يتعدى 12 عريسا ،فان المشهد كان في غاية
الروعة والخشوع امتزجت فيه سلسلة من الرسائل المشفرة الداعية إلى التآخي ونبذ
الفرقة وفيه رفعت أكف الادعاء برفع الغبن ولم الشمل وما زاد الجو حركية صينيات
الكسكسي اللذيذ المقدم للمدعوين الذين اجتمعوا في مجموعات تتكون من 5 أفراد حتى
يسهل على المنظمين تقديم الطعام للجميع.كان الأكل شهيا بقدر ما كان المشهد نادرا
ولا يتكرر في الزمان عدة مرات، تجسدت فيه المعاني النبيلة للدين الإسلامي
الحنيف.ومن رمزيات العرس الإباضي بورقلة أن قدم المنظمون عن أنفسهم واحدا من
المدعوين من المالكية لإلقاء كلمة بالمناسبة والتي واعتبرت مشاركة في الفرحة
وعربونا على التعايش في المنطقة منذ عدة قرون خلت.تواصل تنظيم الأعراس الجماعية
خلال عطلة الربيع عبر أحياء ورقلة محدثتا جوا فريدا من نوعه فيما انتشر العرسان بعد
الحفل الجماعي لتنظيم ولائم عائلية خاصة بهم في سياق المراسيم المتعلقة بإحضار
العروس من بيت أهلها إذ انتشرت معها السيارات المزينة بالورود والألوان عبر كل
الأزقة والأحياء معلنة عن فرحة لا مكان فيها للحزن والأسى و بعيدا عن التشاحن ،فرحة
جمعت الكل ضاربة لهم الموعد في طبعات قادمة وعرسان جدد ولسان حال الجميع يدعو ويؤمن
من أجل تهدئة النفوس وإطفاء نار الفتنة في غرداية.
صوت الأحرار