مع حلول فصل الصّيف وموسم الأفراح
والمُناسبات في تونس، تعرفُ عديد الصّناعات التّقليديّة إقبالا كبيرا عليها،
فالجّبة مثلا تكاد تكون عنصرا رئيسا في العرس التّونسي التّقليدي وقد جرت العَادة
أن يرتديَ الرّجل هذا اللباس إمّا ليلة زفافه أو يوم عقد قرانه إذ لا تكتمل الأفراح
التّقليديّة دونه.
أمّا النّسوة فلهُن جبتهن الخاصة إذ تتزين المرْأة بهذا الزّي العريق في مختلف
المناسبات من أعراس وحفلات ختان وأعياد وترتديه كذلك في الأيام العاديّة كلباس
يومي.
وللجبّة التّونسيّة تاريخ عريق يَعود الى زمن الأندلسيين، لكن الحرفيّ التونسي أضفى
عليها صبغة خاصّة وجعلها مميزة عن غيرها من باقي الألبسة التّقليديّة، كما جعلها
تختلفُ حسب نوع القماش الذّي تُحاك منه فنجد منها “جبة الحرير” و”القمراية”
و”السكروتة” و”الصّوف” و”الملف”.
والجبّة التّونسية ليست زينة للرجال والنساء فحسب بل هي عنوان المدينة العتيقة
التّي تزدان بها أزقتها ودكاكينها القديمة، هناك حيث نشأت وابتُكرت وأبدع تزويقها
وحياكتها السكان الأوائلُ لرباط مدينة تونس.
وفي حديث لوكالة الأناضول، تقول الحرفية المتخصصة في صناعة الجبّة، ليلى الزّين،
والتّي التقيناها وهيَ بصدد وضع اللمسات الأولى على إحدى الأزياء التقليديّة “الجبة
تمثل أصالتنا وعراقتنا وهي تميزنا عن غيرنا كتونسيين، فلما ترى هذا الزّي وتتمّعنُ
فيه جيّدا تعرف أنه يختلف عن أمثاله سواء الزي المغربي او الخليجي.. فهي مروثنا وهي
حرفة أجدادنا”
وتتوزّع مراحل صناعة الجبة بحسب الحرفية الثانية، التي التقتها وكالة الأناضول،
وداد السّياري، بدءا من مرحلة اختيار صنف القماش إلى الفصالة والتطريز والظفرة
وصولا إلى مرحلة النّقش أو “الحرج” التّي تتطلب من صاحبها دقة ومجهودا فهو ابداع
وابتكار تنتج عنه في النّهاية قطعة تراثيّة متقنة ومحبوكة.
وعن مدى إقبال التونسي على هذه المنتوجات التّقليديّة تضيف، ليلى الزّين، أن هذه
الحرفة عرفت تراجعا في وقت ما بسبب اكتساح الألبسة الغربيّة الأسواقَ التونسيّةَ
سيما أنها كانت أقل تكلفة وأزهد ثمنا من الزي التّونسي الأصيل، وهو ما جعلها أيضا
إما لباسا مناسباتيّاً أو مقتصراً على الأعيان والأثرياء فقط.
ولتلك الأسباب، تضيف ليلى الزين، تم تطوير الجبة وجعلها متأقلمة مع اللباس اليومي
مع التقليل من مكوناتها، فبعد ان كانت تتكون من خمس قطع وهي “الصدرية والفرملة
والبدعيّة والمنتان والجبة” اصبحت تضم قطعتين فقط وذلك لتسهيل ارتدائها والدّفع نحو
الاقبال عليها.
ورغم أن هذه الصّناعة تنتعش في هذا الموسم الصّيفِي إلا أنّها تشكو تقَهقرا وتراجعا
كبيرا على مدار أشهر السّنة، فهي صناعة موسميّة ويعاني حرفيوها مشاكل وعراقيل
ماديّة كبيرة في باقِي الأشهُر.
وحول هذا تحدثت، ليلى الزّين، عن بعض المشاكل التّي تواجهها حرفة حياكة الجُبّة
ومنها تعرضها لاختراق كبير من قبل من أسمتهم بالدّخلاء على المهنة الذّين لا علاقة
لهم بالصناعات التقليديّة أساسا وهم من أخرجوا الجبة من طابعها الأصلي وجرّدوها من
روحها واعتمدوا في صناعتها على أقمشة لا تتلاءم معها.
لتصبح بذلك تجاريّة أكثر فلم تعد تلك الصناعة التّي تحمل من الخصوصيات ما يميزُها
عن غيرها، لكن “الحريف”، بحسب رأيها، أصبح يدرك الفرق بين الأصلي والمقلّد كما انه
اضحى واعيا بقيمة الصناعة التقليديّة وروحها.
ويشكو حرفيو الجبة وصناعها أيْضاً من مشاكل أخرَى لعل أبرزهاَ، التكاليف الباهضة
لهذه الصّناعة والتّي تتطلب استثمارات كبيرة وتمويلات طائلة على اعتبار غلاء
الموادّ الأوليّة من قماش وحرير وخيوط خاصّة بالتطريز والنّقوش إضافة إلى عدم وجود
تسهيلات ودعم من الدّولة لهم فهم يرون أن إجراءات منح القروض صعبة ومجحفة، ويدعون
في المقابل إلى مزيد الاهتمام بالمنتوج التّقليديّ ككل وجعله أولويّة لأنه يعبر عن
عراقة تونس وتاريخها وثقافتها.
ولعّل أبرز ما يلفت انتباه الزائر عند توجهه للأسواق التقليدية حيث تحاك الجبّة هو
أن هذه الصناعة ليست حكرا فقط على الرّجال بل حتّى أن النساء تتفنّن في حياكة ونقش
الجبة الرجالية وجعلها مميزة وجذّابة.
وكالة الاناضول توجّهت إلى الاتحاد التونسي للصّناعة والتّجارة والصناعات
التّقليدية المنظمة التّي تحتضن بالدّرجة الأولى مثل هذه الصناعات التّقليديّة
وتدعمها، والتقت َمسؤولة غرفة الصناعات التقليديّة هادية البرهومي.
البرهومي تحدثت لوكالة الأناضول قائلة “نحن يسرُنا الاهتمام الإعلامي بالمنتوجات
التّقليديّة التّونسيّة، كما نقوم بكلّ ما في وسعنا لإحياء التّراث لذلك لا بدّ من
تشجيع الحرفيين بمختلف أصنافهم وسيما منهم صغار الحرفييين لنجابه اندثار هذه
الصناعة”
وتابعت “هم يعانون مشاكل وصعوبات ماديّة كبيرَة، وعلى الرّغم من وجود تمويلات طائلة
تخصصها الدّولة للاهتمام أكثر بهذا القطاع إلا أنه هناك سوء كبير في توزيع هذه
الأموال، إضافة إلى وجود تعطيلات لدى منح القروض أو المُساعدات، ومنظمتنا تركز
كثيرا خلالَ هاته الفترة على هذا الموضوع من أجل تجاوزه بأسرع ما يمكن.