لى وقع أصواتِ المطارق في
سوق “الصفارين”، بمدينةِ فاس العتيقة، شمالي المغرب، يتلمّسُ الزائر تفاصيل المهنة
التي ترفض الاندثار، ضجيج المطارق وهي تضرب بخفة ودقة على آنية من نحاس، أو فضة
مزركشة، محدثة سمفونية فريدة يصعب تأليفها أو عزفها من طرف أمهر الموسيقيين.
وبإحدى البيوت الضيقة بقلب المدينة العتيقة، شباب وكهول كل في عمله، أصوات ضجيج
المطارق والآلات لا تتوقف، قبل تعريضها للنار من أجل معالجتها.
ما إن تحدثنا إلى محمد الشاب الذي أتم عقده الثاني، بعدما استأذناه في أخذ دقيقة
للدردشة معه حول عمله، حتى أجابنا بعفوية تنم عن رحابة صدر أهل فاس “عملنا بسيط
للغاية، ولا يستغرق أكثر من ربع ساعة لصناعة قالب البراد (أبريق شاي)، ليس لدينا
رقم محدد لعدد القوالب التي نصنعها في اليوم، نشتغل منذ الصباح إلى المساء وهكذا
دواليك”.
في نفس الزقاق وبإحدى البيوت المجاورة يتكرر المشهد، يتوزع شباب ونسوة على ثلاث غرف
ضيقة، كل مجموعة منشغلة بعملها كخلية نحل، بعضهم يصبغ البراد بمادة سوداء، والبعض
الآخر يقوم بغطس الأواني النحاسية داخل أحواض ماء بها مواد كيماوية، ونساء في
الجانب الآخر من الغرفة يمررن نشارة الخشب على الأواني النحاسية بعدما يقوم
بتنشيفها شاب في العشرين من عمره بواسطة أنبوب هواء.
يقول “لشهب محمد”، شاب في الثلاثينيات من عمره وهو المسؤول عن الورشة في حديث مع
وكالة الأناضول: “هنا في الورشة عمالي مكلفون بـ التشلال (أي منح الأواني لونا
فضيا). نشتغل اليوم كله في تشلال الأواني النحاسية، نستقبلها من زبنائنا لنقوم نحن
بمنحها اللون الفضي”.
ويضيف عارضا تفاصيل عمله: “المواد التي نستعملها في التشلال كيماوية، نعلم بخطورة
الأمر لكن ما باليد حيلة، هي مهنة ورثناها عن أجدادنا ولا محيص عنها”.
ومن مدينة فاس تتوزع الأباريق الفضية على مختلف متاجر المدن المغربية، التي تستقطب
زبناء يفضلون صب الشاي المنعنع يوم العيد من برادمغربي تقليدي، يحمل بصمة صناع فاس.