تعد أغنية الراي طابعا موسيقيا اشتهرت به
الجهة الغربية للجزائر، لكن ولادتها الحقيقية كانت بمدينة وهران (450 كلم غرب)،
لتشق بعد ذلك طريقها نحو العالمية، حيث عبر بها فنانون على غرار الشاب خالد ومامي،
الحدود الوطنية، لتصل إلى أوروبا وبالتحديد فرنسا كأوّل محطة.
بوحسون تشيكو، باحث في التراث الموسيقي لمدينة وهران، قال في حديث لوكالة الأناضول
إن “أغنية الراي هي سفير للتراث الموسيقي المتنوع الذي تزخر به بلادنا.. ووهران هي
التي احتضنت هذا الفن وطورته بفضل أبنائها الموسيقيين والمغنين، وفي مقدمتهم الشاب
خالد”.
وتابع تشيكو: “أغنية الراي جاءها المخاض في محافظة بلعباس (500 كلم غرب العاصمة)،
لكن رأت النور في وهران، مدينة الفن والفنانين”.
ومضى تشيكو قائلا: “الراي بقى مسجونا في الجزائر وكان يمارس عليه الحظر من طرف
الإذاعة والتلفزيون الحكوميين في الثمانينيات، واعتبرت أغانيه خادشة للحياء، لكن
المغني الشاب خالد استطاع في التسعينيات أن ينقله إلى ما وراء البحار”.
وتشير دراسات قام بها باحثون في التراث الموسيقي الجزائري ونشرتها الصحافة المحلية،
إلى أن أغنية ”الرأي”، هي في الأصل لغة عامية بدوية قريبة من العربية يتداولها أهل
الجهة الغربية للجزائر، حيث ظهر هذا الطابع الموسيقي في بدايته، في قالب الشعر
الملحون (قصائد شعرية بلهجة عامية قريبة من العربية)، إبان الاحتلال الفرنسي
للجزائر (1830-1962)، إذ كانت تعزف موسيقاها بآلات تقليدية على غرار الطبل والناي،
وحاكت هذه القصائد مآسي الجزائريين، الذين كانوا يرزحون تحت وطأة الاحتلال.
وبعد الاستقلال تنوعت المواضيع المعالجة بين اجتماعية وعاطفية.
أما الانطلاقة الفعلية لطابع الراي كانت في الثمانينيات من القرن العشرين، حسب
المغني الشاب مراد، في حديثه إلى “الأناضول”، على يد مغنيين أمثال الشيخة الرميتي”
والشيخ ”بلمو” وفرقة “راينا راي”، الذين أدخلوا على “الراي” آلات موسيقية عصرية،
منها ”الساكسوفون” و”السانتيتيزور”، ما جعلها تنفصل نهائيا عن الشعر الملحون، وتدخل
عالم العصرنة.
وأوضح مراد أن هؤلاء المغنين السالفي الذكر طوروا أغنية “الراي”، لكن الذي أوصلها
إلى العالمية في نظره هو الشاب خالد مع بداية التسعينيات من القرن الماضي، حين
حملها إلى فرنسا التي التقى فيها بمنتجين نشروها في كامل أوربا، لاسيما أغنية “دي
دي” وهي كلمة عامية جزائرية تعني “خُذ”، أخذت شهرة عالمية.
وجاء من بعد المغني خالد الملقب بـ”ملك الراي”، المغني “مامي” المعروف بـ”أمير
الراي”، والذي ساهم يقول مراد، هو الآخر بفضل أغانيه الناجحة في شهرة هذا الطابع
الموسيقي في أوربا، خاصة بعد تلك الأغاني الثنائية التي جمعته بفنانين مشهورين، على
غرار المغني الانجليزي “ستينغ” sting.
وتبقى أغنية “الراي” أكثر الطبوع الموسيقية جدلا في الجزائر، نظرا للانتقادات التي
باتت توجه في السنوات الأخيرة لمؤدي هذا الطابع الموسيقي، حيث يُتهم كثير منهم
بإفساد الذوق العام بكلمات هابطة وأحيانا خادشة للحياء، بعدما أضحى هؤلاء يفضلون
الغناء في النوادي الليلية، التي يعتبرونها مصدرا لجني الأموال الطائلة.