صناعة الخوص (سعف النخيل)، إحدى
الصناعات التقليدية التى اشتهر بها أهالى الواحات في مصر منذ القدم، وذلك للشهرة
الكبيرة التى تتمتع بها تلك الواحات الصحراوية فى زراعة النخيل وإنتاج التمر.
محافظة الوادى الجديد، جنوب غربي البلاد، والتي تتألف من مجموعة من الواحات، من
أشهر المحافظات المصرية في تلك الصناعة، وذلك لتميّزها بأنها تضم أكثر من مليون
ونصف المليون نخلة، وذلك على حسب الإحصائيات الرسمية لوزارة الزراعة.
وتحتل صناعة الخوص مكانة قديمة في المجتمعات الواحاتية، والتي شهدت تطورًا جعل لها
مساهمتها الواضحة في الإنتاج الصناعي خاصة مع دخولها في الصناعات التكميلية
واستيعابها لأعداد كبيرة من الصناع والحرفيين المهرة، إلا أن تجاهل الحكومة لتلك
الصناعات يهددها بالاندثار.
قرى وأسر بأكملها في الوحات تعيش علي منتجات النخيل حيث تقوم بتصنيع الخوص وتقتات
منه، زارت “الأناضول” إحدى هذه القرى لنقترب أكثر من هذه الصناعة التقليدية ونتعرف
على العقبات التي تواجه صناعها.
قرية “المنيرة” بواحة الخارجة، إحدى واحات الوادي الجديد، من أشهر القرى التي تصنع
الخوص، وتدرب الفتيات الراغبات في تعلم الحرفة اليدوية ومنهم منال محمد عبد الله
التي تقول إنها تعلمت الصناعة من جدتها قبل وفاتها.
وتضيف منال، في حديثها لوكالة الأناضول، أنها كانت تشاهد جدتها وهي تحضر السعف
وتشققه وتبلله في الماء ثم تضفره وتتركه تحت أشعة الشمس لفترة حتى يجف ثم تبدأ في
خياطته وتقوم بعدها بتضفيره لتصنيع القبعات والسلال والأطباق والمقاطف (أوعية كبيرة
من الخوص).
صناعة الخوص من الصناعات التي تتوافر كل مكوناتها في البيئة الطبيعية، خاصة
الواحات، وهي بشكل أساسي أشجار النخيل.
وحسب منال، فإن صناعة الخوص تناسب الفتيات أكثر من الشاب، لأنها تحتاج إلى تفرغ وفي
نفس الوقت غير مُرهِقة، وأصبحت الآن لها قيمة ويحرص الكثير من السياح على اقتناء
الكثير من منتجات الخوص.
وأشارت إلي أنه بالرغم من وجود كافة الإمكانيات بالواحات ووجود الخبرات والأيدى
العاملة إلا أن تلك الصناعة بدأت فى الا ندثار والاختفاء تدريجيًا، وذلك لعدم وجود
سوق حقيقي لها وعدم اهتمام المحافظة بها.
وألقت منال باللوم على المحافظة قائلة “كل ما تفعله هو تجميع منتجات الأسر
والعاملين فى تلك الصناعة لترويجها بمعارض المحافظة بالقاهرة والتى تقام سنويًا”.
جانب آخر من تلك الصناعة يكشفه محمود سلام، أحد العاملين فى صناعة الأقفاص والكراسي
من النخيل، موضحا أن منتجات النخيل تستخدم فى أكثر من صناعة فسعف النخيل (الأوراق
الرقيقة التي تنمو بالنخيل) يتم من خلاله صناعة السلال والأطباق والمقاطف وتقبل على
تلك الصناعة السيدات خاصة فى القرى.
أما الجريد (الأعواد التي تحمل السعف)، حسب حديث سلام لـ”الأناضول”، فيستخدم فى
صناعة الأرابيسك والأقفاص والسرائر والكراسي والتى تلقى رواجًا كبير خاصة فى
محافظات الصعيد والذين يقبلون على شراء الأقفاص من أجل تعبئة الخضروات التي
يزرعونها بها، بالاضافة إلى شراء الكراسي والتى يتم تصنيعها بجودة وحرفية كبيرة
ويتم طلاؤها ودهانها بالألوان المخلتفة التى تتناسب مع ألوان حوائط المنازل.
وعن خطوات صناعة الأقفاص من الجريد، يشير سلام، إلى أنه يتم تنظيف الجريد بعد نزعه
من النخل، ثم يتم نشره في الشمس حتي يجف ويتبدل لونه من الأخضر إلي الأحمر، يلي ذلك
تقطيعه إلي أعواد، ثم يقشر بعدها وينقر في مسار مخصوص، ويتم ثقب الأعواد وتركيبها
لصناعة الهيكل الأولي للقفص.
المهندس رضا عميرة، من أبناء “المنيرة” ومتخصص في صناعة الخوص، يقول إن الأبواب
والمناضد والمقاعد والأسرّة تصنع من الجريد، وتختلف مقاسات الأسرّة بحسب رغبات
الزبائن فبعضها يصل إلى 2 متر للكبار، أو متر ونصف للأطفال، وغالبا ما يستهلك
السرير 120 جريدة من “بلح الحياني” (وهو من أكثر الأصناف انتشارًا وينمو على نخلة
ضخمة نوعًا ما ذات سعف متوسط الانحناء)، أو “بنات عيشة”، يضيف سلام.
ويضيف عميرة لـ”الأناضول” أن جريد البلح الزغلول (نخلة تشبه الحيانى وتختلف عنه فى
كون الأشواك خالية من الأعناق كما أنها أقصر وأقل عددا) فلا يستخدم إلا في الأقفاص
الصغيرة ولهشاشته لايصلح للمقاعد أو الأسرّة.
ولطمأنة القفاصين (صناع الأقفاص)، الذين يبلغ تعدادهم ما يقرب من ألف صانع في
الوادي الجديد، يؤكد عميرة عدم قدرة الصين علي إنتاج أجهزة لصناعة هذه الأقفاص،
خاصة مع اجتياح المنتجات الصينية للأسواق المصرية.
عايدة تهامى، مديرة مركز الأسر المنتجة بالوادى الجديد (حكومي)، قالت إن صناعة
الخوص إحدى الصناعات المهمة التى تحافظ على التراث والهوية، كما أنه مصدر دخل لمئات
الأسر التى تعمل فى ذلك المجال خصوصا فى القرى الفقيرة.
وأشارت تهامى، لـ”الأناضول”، إلي أن المركز يعمل على تسويق منتجات تلك الأسر فى
المعارض التى تقام سنويا فى القاهرة والتى تحوى منتجات الخوص والجريد والتمر والخزف
والكليم والسجاد وجميع الصناعات الحرفية والبدائية التى تمتاز بها الواحات.
وأضافت أن الواحات لها شهرة كبيرة فى صناعة الجريد لكنها تواجه بعض المعوقات، داعية
إلى ضرورة فتح مراكز متخصصة ترعى تلك الصناعات، وتوفير الدعم الكافى لها، بالإضافة
إلى عمل معارض دائمة وتنشيط السياحة بالواحات، لما لها من أثر بالغ خصوصا أن الوفود
السياحية تقبل على شراء تلك المنتجات.
وأوضحت تهامي أن عدم وجود جمعيات أهلية تتبني تلك الصناعات وتجاهل المسؤولين
وإهمالهم لها أدى لتراجعها وأثر سلبا عليها رغم أنها مصدر رزق للعديد من الأسر
الواحاتية.
الاناضول