كانت في يوم من الأيام مركزًا مهيبًا
لإدارة شئون الإمبراطورية العثمانية بشبة جزيرة سيناء .. تترصد بأعينها ضجيج
الغزوات، حيث حرص كل حكام مصر من الفراعين والملوك والسلاطين والأمراء والرؤساء على
استقرار حكمهم بتأمين حدود مصر الشرقية التي تمثل البوابة الرئيسية لاحتلال مصر
وحكمها فأخذوا يقيمون القلاع والأبراج في سيناء بين رأس خليج السويس وفم الفرع
البيلوزي، وقد عززوها باللجنود تأمينًا للطرق ولتحقيق الأمن والسلام بين أهلها،
وكان أكثر من أهتم اهتمامًا كبيرًا بتحصين تلك الحدود السلاطين العثمانيين لإدراكهم
أهميتها الإستراتيجية كطريق للتجارة، فاهتموا بالقلاع اهتمامًا كبيرًا، وكان نصيب
سيناء العديد منها ومن أقدم القلاع قلعة “الفرما” .
قلعة العريش الأثرية .. تقع في الجزء الجنوبي الغربي من مدينة العريش، وهي على ربوة
عالية وعلى طريق الدرب السلطاني القديم، وورد في كتاب تاريخ المدن المصرية أن
المصريين القدماء أحاطوا مصر بسور عظيم لحماية حدود مصر الشرقية والجنوبية
والغربية، وبنوا القلاع على طول خط الحدود التي تعد بمثابة خطوط تموين وهجوم .
وتقع القلعة على مساحة نحو 300 متر مربع بجوار سوق الخميس الأسبوعي بحي الفواخرية،
وكانت بداخلها بئر وحديقة ومساكن للجند، وشهدت أحداثا تاريخية متعددة ، وتعد من أهم
القلاع الحصينة، وكانت مركزاً للقاء تجار الشام وتركيا وفلسطين بمصر، والتي شهدت
توقيع معاهدة الجلاء الفرنسي عن مصر عام1801 م، ولا تزال مهملة حيث تتوسطها سوق
العريش الرئيسية للمدينة والمسماة بسوق الخميس، وكانت تعتبر من أهم القلاع
الحصينة بالعريش.
ويجاور القلعة التاريخية في الوقت الراهن من جهة الجنوب ساحة تستخدم كسوق أسبوعي،
وغرباً مقابر لأهل المدينة، فيما أحيطت الجهتان الأخريان بكتل عمرانية .
ولا تزال القلعة حتى الآن شاهد عيان لارتفاعه رغم المباني الحديثة ذات الطوابق
المتعددة، والواقف على أرضية القلعة يستطيع أن يستكشف مدينة العريش بأكملها، ونظراً
للأهمية الاستراتيجية للقلعة، وضع الخديوي عباس الثاني عام 1906 حجر أساس لبناء
مسجد بجوارها معروف بالمسجد العباسي، وحتى الآن تؤدى فيه الفروض .
والقلعة في بنائها القديم كانت على شكل مستطيل ضلعين طول كل منهما 75 مترا والآخر
85، ومحاطة بخندق للتحصين وسور بارتفاع 8 أمتار، يعلوه 6 راجمات، وفي كل ركن من
أركانها الأربعة برج به مدفع وبئر عميقة تحوى مساكن للجنود، بأسفلها قبو لتخزين
الذخيرة، ولكنها الآن ليست سوى طلال من القمامة والدمار .
وآخر مرة جددت فيها القلعة كان خلال تولي “محمود سامي البارودي” رئاسة الوزراء عام
1882 ، أما الآن فهي تواجه حالة من التدهور والإهمال واللامبالاة، وتهدمت الأسوار
التي تحولت إلى أنقاض وحجارة، استخدم بعضها في بناء المستشفى الحكومي الملاصق لها،
وتقلصت مساحتها ولم يبق منها إلا أطلال السور الغربي .
ويقول “عبد العزيز الغالي” عضو اتحاد الكتاب ومؤرخ سيناوي، إن أهالي العريش يرتبطون
بصلة روحية مع القلعة، ويوجد بينهما نوع من الألفة، حيث تمثل القلعة لهم كل ما تبقى
من تاريخهم المهم، لأن بعض أصول أهالي العريش يرجع إلى بعض ممن كانوا يقومون على
حراستها، حتى إن جزءًا من العائلات ينحدر من أحد حكامها، ويقولون عنه إنه جد
العرايشية ويدعى على بوشناق .
وأضاف “الغالي” أنه يرجح أن تاريخ تشييدها الأصلي يعود للعصر الفرعوني، وأن من أكمل
تطويرها هو السلطان “سليمان القانوني” عام 1560 حتى ساد في عرف الباحثين أنه من
أنشأها .
ويقول الدكتور “قدري الكاشف” الخبير والمحلل السياسي بشمال سيناء، إن قلعة العريش
تقع على قمة هضبة مرتفعة جنوب غربي العريش، وقد اختير موقعها بشكل يتواءم وحماية
طريق الحرب والتجارة الشمالي، كما أنها كانت تؤدي وظيفة إدارة شئون العريش القديمة
الملاصقة لها، والقلعة فرعونية الأصل، وكانت توجد بها نقوش مصرية قديمة، وأعيد
تجديدها وترميمها خلال العصور التاريخية المختلفة، وكان أهم هذه التجديدات ما قام
به السلطان التركي “سليمان القانوني”، مشيرًا إلى أن السوق المجاورة لها كانت تسمى
«الفوقاني» نظرًا لعلو المكان الذي كان يصعد له السكان صعودًا، وأن القلعة أقيمت في
منطقة عالية تسمح بمراقبة مناطق واسعة حتى في البحر، وتشرف على طريق التجارة والحرب
الشمالي وتقوم بتأمينه .
وقال “كمال الحلو” رئيس مجلس إدارة “جمعية متحف التراث” إنه من الممكن ترميم القلعة
ورفعها مقدار متر أو اثنين من على الأرض، في الوقت نفسه، يتم عمل تدوين بيانات
تاريخها والأحداث وكل المواقع التي وقعت فيها، بما فيها معاهدة العريش، مضيفًا أنها
من الممكن أن تكون مزارًا سياحيًا مهما للمهتمين بالسياحة الأثرية، وذلك بالتنسيق
مع محافظة شمال سيناء وهيئة الآثار .
فيما يقول “هادي السيد” أحد سكان مدينة العريش انه يامل أن تعود للقلعة هيبتها
ويعاد تجديد بنائها وإحياء دورها كمزار سياحي وشاهد على حقبة تاريخية هامة في
المنطقة ، لافتًا إلى أن القلعة يعود تاريخ إنشائها إلى عهد السلطان العثماني “سليم
الأول” الذي شيدها على تلة مرتفعة على مشارف مدينة العريش عام 1517 م .
البديل