تحولت صفحات التواصل الاجتماعي خاصة في
موقع "فيسبوك" إلى ملاذ لبعض النساء الموريتانيات العوانس، والشابات اللائي يبحثن
عن عريس من خارج جبة التقاليد. نساء يردن عريسا بمواصفات غير محددة وسيلتهن في ذلك
هي هذا الموقع الأزرق.
غاياتهن هي بناء علاقة افتراضية تتحول إلى عقد زواج على أرض الواقع بعد لقاءات عبر
الانترنت، لكن ما يميز اختياراتهن أن بعضهن لا يشترطن أن يكون العريس من قبيلة
معينة إنما القبيلة التي يعولن عليها هنا هي قبيلة مارك زوكربيرغ (فيسبوك) على
اعتبار أن عددا من أبناء العمومة الحقيقيين تمردوا على المجتمع وتركوا بنات عمومتهن
فريسة للعنوسة.
في الجانب الآخر، شباب ورجال، نذروا أنفسهم للجلوس أمام الشاشات الزرقاء بحث عن
تواصل افتراضي، لهدف تكوين علاقة جادة، أو لمجرد قصص عابرة، ونزوات وتسلية آنية.
شيئا فشيئا تنقلب العادات الاجتماعية في موريتانيا، فيسهل على وسائل الاتصال
الحديثة ان تتحكم في حراك المجتمع، وتحدد اتجاهاته. فمع مجيء الراديو منتصف القرن
الماضي، انقسم المجتمع الموريتاني حوله بين من اعتبر الأصوات التي تنبعث منه أصوات
شياطين، فلعن المذياع وهجره وبين من استهوته تلك القطعة الصغيرة التي تكلم الناس.
ولم تمض سوى فترة وجيزة حتى صار جهاز المذياع منتشرا. ومع قدوم التلفزيون وقع الشيء
نفسه : ثورة ضده، في البداية ثم تأثر به وانشغال فيما بعد.
اليوم جاءت ثورة الاتصالات هذه بوسائط جديدة لتقود مجتمعا ينبهر بكل جديد فدخل
الانترنت عالم الكماليات. بسهولة يمكن عبر الموبايل أن تمر كالسندباد على أخبار
العالم غرائبه وطرائفه، وبما أن الموريتانيين لديهم هوس بالجديد فقد لاقت خدمات
الانترنت التي تقدمها شركات الاتصال إقبالا منقطع النظير.
ويفسر خبراء اجتماعيون ما يحصل بأنه تكريس لسيادة دور المرأة في مجتمع "اميسي"
تقريبا بكل مكوناته، تتحكم فيه السيدة التي لا يمكن أن يرفض لها طلب.
وبحكم سيادة المرأة ودلالها أصبح هم الرجل الوحيد هو توفير آخر صيحات الموبايل
الفنلندية والكورية للنساء وليس ذلك فحسب وإنما توفير شرائح الانترنت وتزويدها
بالأرصدة التي تضمن الحصول على الانترنت على مدار الساعة.
ووسط هذه الجلبة بدأت بعض الموريتانيات يستخدمن الوسائل التي تتيحها خدمات الاتصال
مثل صفحات فيسبوك وتويتير بنهم، وسجل عدد المنتسبين لصفحات فيسبوك في آخر إحصائيات
أجرتها مراكز دراسات متخصصة رقما قياسيا في موريتانيا بالمقارنة مع متصفحي تلك
الخدمة في المنطقة الواقعة جنوب الصحراء، حيث بلغ عدد رواد فيسبوك في موريتانيا ،
ربع مليون شخص، لكن المثير للانتباه أن ما يقارب نصف هذا العدد من النساء.
إن إقبال النساء على الانترنت يعد أمرا طبيعيا لإمرة الصحراء المدللة والتي درجت
على منحها كل ثمين وجديد من طرف الرجل، فاستخدام فيسبوك من طرف الموريتانيات بغرض
الحصول على زوج "يعد من باب الترف الفكري والدلال الزائد المتمثل في حرية واسعة
للمرأة، يخجل الرجل من أن يقلص منها حفاظا على مرضاتها " بحسب تفسير أحد الخبراء.
الآلاف من النساء يعتقدن أن رجال فيسبوك أكثر مالا وأناقة و"اتيكيت" من غيرهم كما
أنهم صادقون، بحسب ما تقول إحداهن.
وترفض معظم النساء والفتيات الكشف عن هوياتهن، لكنهن يؤكدن أن تجارب ناجحة لزيجات
من داخل الفضاء الافتراضي قد جرت خلال العام الجاري، والأعوام الأخيرة.
وتعتمد معظم فتيات فيسبوك على أسماء مستعارة وصور أخريات؛ تارة نجمات السينما
العالمية وطورا صور أطفال صغار، وهو ما يرى فيها اجتماعيون نوعا من الاستغلال
الفضولي لوسائل اتصال متطورة، ويدخل في إطار الثقافة الاستهلاكية.
لكن النساء اللواتي يبحرن على مراكب فيسبوك لا يأبهن لما يقال، فالعديد منهن نجحن
فعلا في خلق تعارف عبره؛ أثمر فيما بعد عن خطوبة فزواج.
ورغم رفضهن غالبًا، الظهور بأسمائهن الحقيقية إلا أنهن سريعا ما يكشفن عن حقيقتهن
بمجرد تطور العلاقة مع الشريك الافتراضي للخروج من الانترنت إلى الواقع.
وتقول صفية وهي إحدى النساء اللواتي خضن التجربة إنها تمكنت بعد سنة من التواصل مع
شاب يعمل في المقاولات، بعد أن أرسلت طلبات صداقة فاستجاب لها وتواصل معها لمدة ستة
أشهر قبل أن تطلبه رقم هاتفه ثم يلتقيا فيما بعد ويعلنان خطوبتهما.
عش العنكبوت
وضربت بعض الموريتانيات عرض الحائط بالطرق المتوارثة في الزواج، إذ لم تعد القبيلة
معيارا في عالم تطغى المادة فيه على غيرها من القيم، وتشير بعض الدراسات الاجتماعية
الحديثة إلى تسجيل تغير ملحوظا في التقاليد المتوارثة حول الزواج، وثبت أن سكان
المدن لم يعودوا يتبعون تلك التقاليد بنسبة تجاوزت 30 بالمائة من عدد الزيجات.
وتركت الانترنت تأثيرا كبيرا في المجتمع، لاسيما لجهة الحرية التي تمنحها وإمكانية
تكوين علاقات واسعة للبنت، دون أن يكون للأهل رقابة عليها، وهو ما مكن من انتشار
واسع للعلاقات العاطفية المؤسسة في عش العنكبوت، ما جعل بعض المعلقين يتندر على
أبناء ولدوا حديثا من زواج تعارف طرفاه عبر فيسبوك، فيطلقون عليهم تارة "أبناء عش
العنكبوت" وتارة "أبناء فيسبوك".