منذ القديم،
تُعرف مدينة الحامة، التابعة لمحافظة قابس جنوب شرقي تونس، بمياهها الطبيعية العذبة
التي تنبع ساخنة من باطن الأرض فيكون فيها لبعض المرضى شفاء واسترخاء وسياحة.
و”حامة قابس″ من أهم محطات العلاج الطبيعي التي لا يزورها التونسيون، وحدهم، بل
يرتادها أيضا أجانب من أنحاء العالم للاستشفاء وللاستمتاع بمياهها العذبة.
ففي هذه المدينة، تنتشر مجموعة كبيرة من عيون المياه الطبيعية، تتراوح درجة حرارتها
بين 38 و42 درجة مئوية (هي الأقرب لدرجة حرارة الإنسان)، وتعتبر من أجود المياه
الجوفية الساخنة في العالم.
ويقول مختصون إن مياة “الحامة” الحارة تجري على مادة الكبريت، وهو ما يفسر خروجها
ساخنة تحمل فوائد طبية متعددة.
وحين كانوا يسكنون هذه المنطقة قديما، كان الرومان يعتنون بشكل كبيرة بهذه المياه،
ويعتبرونها بمثابة “هبة من الآلهة”.
وجاء في كتاب “الحامة تاريخ وحضارة”، لكاتبه التونسي “الهادي بن وناس الزريبي”، أن
“الرومان كانوا يخصصون هذه الحمامات، التي هي في مرتبة المعابد، للراحة، ويقضون
فيها أوقات فراغهم، بحيث كانت تقوم هذه الحمامات مقام النوادي”.
وفي صفحة أخرى من الكتاب، الصادر عام 2010، يقول الكاتب، وهو من مواليد الحامة، إن
البلدية عثرت على صخرة كبيرة مربعة كتب عليها باللغة اللاتينية القديمة -أقيم هذا
البناء إجلالا للآلهة فينوس، وهو ما يشير إلى أنه كان في المكان معبد للتقرب من
آلهة الخصب والجمال التي منحتهم هذه المياه.
وتنتشر في مدينة الحامة تسع حمامات، وهي محطات استشفائية للعلاج الطبيعي، تتوزع على
كامل مساحة المدينة.
ويمتد الحمام الواحد على مساحة كبيرة، وبه غرف استحمام عمومية وخاصة، وأخرى عائلية.
وتٌعرف مياه تلك الحمامات بتأثيرها الشفائي على صحة بعض المرضى، حيث كانت منذ القدم
علاجا لمرض الجذام، وهو مرض خطير كان منتشرا بشكل كبير في الماضي.
وعن التأثير العلاجي لمياه تلك الحمامات، يقول فريد موقو، وهو صاحب حمام “الهناء”
في “الحامة”: “يأتينا المرضى من كل أنحاء البلاد ومن خارجها، فهذه المياه تعالج
أمراض البرد والروماتيزم، وتصلّب العضلات، وإلتهاب المفاصل، والأمراض الجلدية
المختلفة”.
ويمضي موقو قائلا، “كما تعالج مياه الحامة العديد من الأمراض الباطنية، مثل إزالة
القبض (المغص) المزمن والسعال، والإنفلونزا والجيوب الأنفية وآلام الحلق، وتصلب
والشرايين، وعدم قيام بعض أعضاء الجسم بوظيفتها وإلتئام الدّمل والقرح”.
كما أن “هذه المياه تعتبر علاجا للعديد من أمراض النساء، لا سيما بالنسبة للحوامل،
لذالك فإن أكثر الزائرين هن من النساء”، بحسب صاحب حمام “الهناء”.
وعادة ما يكون ثمن ارتياد هذه الحمامات زهيدا، فبقرابة دينار تونسي (0.8 دولا
أمريكي) يمكنك البقاء أكثر من نصف يوم للسباحة في تلك الحمامات، وإن أغراك المكان
وتوفرت لديك الرغبة في البقاء أكثر من يوم، ستجد في معظم تلك الحمامات أماكن
للإقامة في شكل نزل تتبع الحمام.
وتشهد حمامات مدينة “الحامة” إقبالا مكثفا، خاصة في الشتاء والربيع، ولاسيما بين
شهري كانون الثاني/يناير وآذار/مارس.
وعن الإقبال على تلك الحمامات، يقول موقو: “بخلاف الزائرين من داخل الحامة، يزور
حمامات المدينة يوميا حوالي ثلاثة آلاف شخص (تونسيون وأجانب) من خارج “الحامة”.
ويتابع بقوله: “يرتفع عدد الزوار، خاصة في يومي السبت والأحد (العطلة الأسبوعية في
تونس)، حيث تأتينا الرحلات من كافة مناطق الجمهورية”.
من بين هؤلاء الزوار نضار علي حسين سلامة (45 عاما)، وهو مواطن ليبي يحرص على زيارة
حمامات “الحامة” أكثر من مرة سنويا، إما للعلاج أو الاسترخاء.
ويقول سلامة: “نعرف جيدا هذه الحمامات، والكثير من الليبيين يأتيون إلى هنا للعلاج
أو السياحة، وأنا أتي كل سنة 6 أو 7 مرات”.
وعن حالته الصحية، يضيف المواطن الليبي، إن “نصف العلاج مع الطبيب يبدأ بالقدوم إلى
هنا، فأنا مريض بإحتكاك في فقرات العمود الفقري، ولم يزديني علاج الأطباء نفعا،
وأشعر بالراحة الآن بعد الإسترخاء في حمامات المياه الساخنة هنا”.
ويقصد عامر الزرافي، وهو مواطن تونسي من مدينة سوسة شرقي تونس، حمامات “الباحة” من
أجل زوجته.
ويقول الزرافي “كانت زوجتي تعاني أوجاعا في مفاصلها، فقصدنا هذه الحمامات بعد أن
أصبح الدواء العادي غير مجد.. وقد تحسنت صحتها بعد هذه الزيارة، ومنذ ذلك لوقت وأنا
أتي إلى هنا أكثر من مرة في السنة”.
الاناضول