قبل الدخول لـ”السوق المركزي” أو
“مارشال سنترال” كما يحلو لأهل المغرب تسميته، يحسب الزائر نفسه من جهة، أنه أمام
حديقة غنّاء ممتلئة بالزهور على اختلاف أنواعها وألوانها، فمن بوابته الرئيسية يفوح
عبيرها، ومن جهة أخرى أنه يعيش الزمن القديم من خلال مقتنيات وتحف خاصة بهذا العصر.
يقع هذا السوق في منطقة استراتيجية وسط مدينة الدارالبيضاء، شمالي المغرب، وله أربع
بوابات كبيرة، تزينها الزهور من مختلف الألوان الرئيسية.
ويمكن لزائر هذا السوق، أن يمضي ساعات ما بين التردد على المطاعم التي تقدم أطباق
السمك المشوي، والتبضع من محلات البقالة والعطور والتوابل، والتجول في معارض الفن
التشكيلي، ومحال بيع الطيور المغردة، والتحف القديمة ومنتجات الصناعة التقليدية.
ويعود تأسيس السوق إلى عشرينيات القرن الماضي، ورغم انتشار المحلات التجارية
الحديثة بكل شوارع وأزقة المدينة، إلا أنه ما زال يحظى بزبائن كثر، منهم المغاربة
والسياح الأجانب.
ففي إحدى زوايا السوق، اختار عبداللطيف بلامين (63 عاماً) أن يعرض بضاعة تختلف عن
باقي ما تعرضه المحلات الأخرى.
فبعد أشهر من تقاعده من الوظيفة العمومية، اختار بلامين، ألا يكتفي بقضاء كل وقته
في المنزل، فجاءته فكرة مشروع يدر عليه دخلاً يعيل به أسرته، وذلك من خلال بيع كل
ما هو قديم ويتعلق بتاريخ المغرب، من حلي وديكورات، ولوحات فنية، وصحف قديمة،
وعملات تعود لزمن مضى، وكتب نادرة تتحدث تاريخ الشعوب.
وقبل ستة سنوات، تنقل بلامين عبر الأسواق الأسبوعية في مدن المغرب، من شرقه إلى
غربه، وأخذ بشراء كل ما يمكن أن يعاد بيعه ويحمل قيمة تاريخية وتراثية، إلى أن
استقر به المقام في السوق المركزي.
وبعد أن ذاع صيت بلامين باهتمامه بجمع التراث، بدأ الناس يقصدون محله بالسوق
المركزي باستمرار، وأصبحت البضاعة تأتي إليه بعدما كان يبحث عنها بتعب.
ويقول بلامين إن “المغاربة يشكلون النسبة الكبيرة من زبائنه، وهم من الأساتذة
الباحثين والمهتمين بجمع كل ما هو تراثي وذات قيمة تاريخية، يستخدمونه للزينة في
المنازل، أو إعادة بيعه في معارض دولية”.
وفي مكان ظاهر للعيان، حرص بلامين على وضع صورة من خطاب محمد الخامس، ملك المغرب
إبان فترة الاستعمار الفرنسي.
والصورة عبارة عن نسخة من نص الخطاب، عُلقت في إطار خشبي من النوع الرفيع، وهو أول
وأقصر خطاب للملك بعد عودته من المنفى في مدغشقر، في 16نوفمبر/تشرين ثاني عام 1955،
قبل أن يستقل المغرب عن فرنسا عام 1956.
ويبدو اهتمام بلامين بأولى الصحف التي عرفها المغرب في تاريخه جلياً من خلال حرصه
على جمع أكبر عدد منها، فهو يقتني أعداداً من صحيفة “لا فيجي ماروكان” بالفرنسية،
تعود إلى عام 1911، ويظهر فيها أبرز خبر يعلن عن افتتاح بنك فرنسي لفرعه الأول في
المغرب.
وإضافة إلى الصحف الصادرة آنذاك بالفرنسية، منها “لا دبيش”، و”كوريي دو ماروك”، يضم
محل بلامين صحفاً كانت تصدر في المغرب بالعربية أهمها “منار المغرب”، و”المغرب
العربي”، و”الميثاق الوطني”.
أما على باب المحل، فحرص أن يضع الصفحة الأولى لعدد من صحيفة “فرانس سوار” تعلن فوز
العدّاء المغربي، سعيد عويطة، بالميدالية الذهبية في سباق خمسة آلاف متر، في الـ 13
أغسطس/آب عام 1984، والثانية لصحيفة “لا فيجي ماروكان” تعلن وفاة الرئيس الفرنسي،
شارل دو غول، يوم العاشر من نوفمبر/تشرين ثاني من عام 1970.
ويكشف بلامين للأناضول أن المغاربة يقصدونه من أجل شراء الديكورات القديمة، لكن لا
يخفي أن عدد الزبناء بشكل عام انخفضوا في الأعوام الماضي، قائلاً: “في السابق، كنت
أربح ما مجموعه ثلاثة آلاف درهم (350 دولار أمريكي) يومياً، لكن في الوقت الراهن لا
يتعدى المدخول اليومي ستمائة درهم (80 دولارا أمريكي)”.
والدار البيضاء، هي العاصمة الاقتصادية للمغرب، وثالث أكبر مدينة إفريقية كثافة
سكانية، حيث يبلغ عدد سكانها 5 ملايين، وكانت مركزاً أساسياً لاستقرار الفرنسيين
بالمغرب، إبان استعمارهم للبلد الذي دام من 1912 إلى 1956.
الأناضول