صور وتسجيلات موسيقية نادرة وأوراق وقطع
نقدية وعطور تعود أعمارها لعشرات السنين.. هي مجرد قطرات في بحر رجل تولع منذ نعومة
أظافره بجمع كل ما من شأنه حفظ تراث تونس وذاكرتها الشعبية.
إنه جلال البنا، مواطن تونسي، يبلغ من العمر 50 عاما، بسيط كما يُعرِّف نفسه يمتهن
العطارة، ويعشق أسواق تونس العتيقة تحديدا سوق العطارين الذي يجد فيه قبلته لجمع كل
ما هو عتيق ونفيس.
20 ألف صورة توثِّق حال العباد وتفاصيل حياتهم اليومية وتغيّر ملامح الساحات العامة
والشوارع والأسواق قبل الاستعمار الفرنسي لتونس (1881 – 1956) وما بعده أي مع بداية
تشكل ملامح تونس الحديثة.
يقول البنا في حديث لوكالة الأناضول إن أول عهده بجمع ما هو عتيق كان منذ التاسعة
من عمره بجمع القطع النقدية من فئة الفرنك، العملة التي كانت متداولة زمن الاستعمار
الفرنسي لتونس.
وتنامى شغف البنا بكل ما هو قديم كلما تقدم به السن إذ انصرف، حسب قوله، إلى تجميع
الصور النادرة التي توثق عدة حقب من تاريخ تونس.
قيمة هذه الصور تتأتى من ندرتها على غرار التي تبرز التطور التاريخي للشارع الرئيسي
بالعاصمة تونس والمعروف اليوم بشارع الحبيب بورقيبة أو تلك التي تعود بنا إلى زمن
وضع اللبنات الأولى لكاتدرائية مدينة تونس وتحمل اسم القديس فانسان دي بول
(Saint-Vincent-de-Paul) تخليدا لاسم أحد القساوسة الذي بيع كعبد في مدينة تونس.
“وهي صور لا نراها كل يوم”، يقول البنا.
وبهدف الحفاظ على التراث التونسي من التشتت، أطلق البنا نداء عبر موجات الإذاعة
الوطنية دعا فيه كل من يمتلك صورا قديمة لإثراء الزاد الوطني وتجميعه في مكان واحد.
وقوبل نداء البنا بتجاوب كبير من المواطنين داخل تونس وخارجها خاصة التونسيين
المقيمين في المهجر في دول عديدة من بينها فرنسا وأمريكا واستراليا وإيطاليا.
كما لبى عدد كبير من يهود تونس المقيمين بالخارج نداء البنا وبعثوا إليه بكم كبير
من الصور القديمة.
وتتألف موسوعة البنا المجمعة من صور قديمة بحوزته وأخرى من كتب قديمة قام بمعالجتها
وتنزيلها من شبكة الإنترنت إضافة إلى مساهمات من الداعمين لنهجه في تجميع التراث
التونسي.
شغف البنا لم يقتصر على تجميع الصور الفوتوغرافية التي تؤرخ لمراحل زمنية مختلفة من
تاريخ تونس فللموسيقى نصيب أيضا.
أكثر من 500 تسجيل موسيقي نادر لأعلام موسيقية صنعت ربيع الفن والموسيقى التونسية
بطبوع تونسية خالصة على غرار “حسيبة رشدي” و”الهادي الجويني” و”لويزا التونسية” هي
الحصيلة التي تؤثث المكتبة الموسيقية للبنا.
ويرى البنا أن الموسيقى كما الصورة لها وقعها في الذاكرة الشعبية التونسية وأنه من
الضروري حفظها وتوثيقها في أرشيف حتى تتطلع الأجيال القادمة عليه.
ويواصل البنا ابهارنا بما يزدان به محل جده البنا الكبير من نفائس: عطور معتقة
يناهز عمرها الـ80 عاما وقطع أثاث يفوق عمرها الـ300 عام، إضافة إلى نوع من
السراميك يعود إلى 500 سنة خلت، جميعها لم ينل منها الزمن.
وما يضفي على المكان سحرا وتألقا فريدا هو الدعامة الصخرية التي تستند إليها جدران
المحل ويفوق عمرها الـ2000عام.
ويقول البنا إنه في خضم تشييد جامع الزيتونة المعمور وسائر أسواق المدينة العتيقة
عمد البناة إلى جلب الحجارة من الموقع الأثري لقرطاج وما الدعامة الموجودة عند
المحل إلا واحدة من بينها.
قول البنا دعمه الباحث في الآثار الإسلامية فتحي جراي، الذي قال للأناضول، إن
استعمال مواد البناء القديمة المجلوبة من المواقع الأثرية كان بمثابة القاعدة
الثابتة في عملية تشييد المعالم الاسلامية لا فقط في العاصمة تونس بل في كافة أنحاء
البلاد.
ويضيف الجراي أنه في خضم الحفريات في جامع الزيتونة المعمور تم إحصاء أكثر من 400
قطعة أثرية من أبواب وأعمدة وتيجان وقطع نقدية وخزفية تعود إلى آثار قديمة.
ويشير إلى أن أن جامع الزيتونة نفسه بني على معلم أثري قديم وأن المسلمين حينها
وجدوا جدارين شرقي و آخر غربي وأضيفت بقية العناصر وأدخل الجداران في المعلم
الإسلامي.
ويعود تأسيس جامع الزيتونة إلى سنة 79 للهجرة (699 ميلادية) على يد حسان بن النعمان
أحد قادة الفتوحات الإسلامية.
البنا الجد، حسب رواية حفيده، كان من بين المناضلين في صلب الحزب الحر الدستوري
التونسي لعبد العزيز الثعالبي وكان أيضا من عشاق مصطفى كمال اتاتورك، مؤسس تركيا
الحديثة.
ويحتفظ الحفيد بتحفة نادرة تحمل صورة أتاتورك وتعود إلى عام 1920.
عشق الجد لأتاتورك لم يقف عند هذا الحد فقد أطلق على أحد أبنائه اسم مصطفى كمال،
كما تولع البنا الجد بجمع منسوجات يدوية تحمل صورا لأتاتورك. ويقول البنا الحفيد إن
عائلته مازالت تحتفظ بهذه المنسوجات إلى اليوم.