أعلن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إنشاء لجنة وطنية لمحاربة الفساد. وعزا البعض هذا الإعلان إلى التنامي غير المسبوق للمحسوبية والرشوة ونهب المال العام.
وحسب تقرير منظمة الشفافية العالمية صنفت الجزائر بين 2006 و2009 ضمن الدول التي تعرف بأعلى نسبة رشوة.
ويرى كثيرون أن الحل لا يكمن في إنشاء لجان، إذ سبق أن كانت في عهد الرئيس اليامين زروال لجنة محاربة الرشوة، غير أنها لم تكن فاعلة.
ورفعت حركة مجتمع السلم "حمس" شعار "فساد قف". كما دعت بعض الشخصيات إلى إنشاء لجنة وطنية لمكافحة الفساد بعد فضحية الخليفة، وكل تلك النداءات لم تحد من تفشي الظاهرة.
وربط الخبير الاقتصادي بشير مصيطفى الفساد بسياسة الانفتاح التي أعقبت تفكيك المؤسسات الاقتصادية الوطنية عام 1982. وتفاقمت الظاهرة مع اقتصاد السوق الحرة لتتوسع أكثر مع انطلاق المشاريع الكبرى للرئيس بوتفليقة التي تعدت 200 مليار دولار. والتصقت حالات الفساد حسب مصيطفى بثلاث دوائر أساسية، التجارة الخارجية وبعض دوائر الجهاز الحكومي والبنوك.
أخلقة رجال الدولة
ووجدت الرشوة والغش في التصاريح الجمركية أرضا خصبة في التجارة الخارجية، وسهلت القوانين المنظمة للقروض والاستثمارات عمليات الاقتراض دون ضمانات ومن ثم تهريب الأموال وتضخيم الفواتير الخاصة بالاستيراد خاصة الموجهة للقطاع الحكومي.
وأقر جمال عبد السلام الأمين العام لحركة الإصلاح الوطني بأن الفساد في الجزائر بلغ مستويات رهيبة جدا في عدة قطاعات. ومن الضروري أن تكون هناك صرامة في التعامل مع كل صور النهب والرشوة والمحاباة واختلاس أموال الدولة.
وكشفت أرقام رسمية أن 1648 منتخبا محليا توبعوا قضائيا في العهدة السابقة 2002-2007.
وصنف عبد السلام المنتخبين المتابعين قضائيا إلى ثلاثة أنواع، فئة اختلست وتجاوزت كل القوانين، والفئة الثانية منتخبون تنقصهم التجربة والخبرة في إدارة المجالس المنتخبة فكانوا ضحايا لجهلهم بالقوانين، أما الفريق الثالث من النزهاء فكانوا ضحية تصفية حسابات.
وأضاف "من خلال تجربتي البرلمانية نصدر قوانين وتشريعات بهدف التضييق على المخالفين للقانون وفي المقابل نعطي أدوات أكثر شدة للمرتشين لاستغلالها".
من جهته أضاف المحامي خالد بن ديبة ضرورة محاربة أسباب الفساد من جذوره بداية من تحسين الأوضاع الاجتماعية وظروف المعيشة. وكثيرا ما يصعب متابعة قضايا الرشوة لعدم وجود أدلة، والحال نفسه في الاختلاسات البنكية التي تتم بكل دقة دون ترك أثر.
استقلالية القضاء
وفي نظر عبد السلام لإيقاف هذا النزيف يجب أخلقة رجال الدولة ومؤسسات الدولة وتوفير القدوة في مسؤولي الدولة ومحاربة الفساد في هرم السلطة وضرورة استقلالية القضاء، لأن تحرير القاضي حجر زاوية لمحاربة الفساد.
ويذهب الخبير بشير مصيطفى أبعد من ذلك بالمطالبة بميثاق وطني لمكافحة الفساد وتفعيل المجالس الشعبية المنتخبة والمساءلة البرلمانية.
ومن وجهة نظر المحلل السياسي عبد العالي رزاقي فإن المعروف في تاريخ الجزائر "إذا أردنا أن نقضي على فكرة ننشئ لها لجنة". وفضل رزاقي الحديث عن الفساد بدلا من الدعوة لإنشاء لجنة لمحاربته، إذ يفترض أن الفساد في الجزائر معروف وأطرافه معروفة والمطلوب هو إنشاء محكمة عليا لفتح التحقيق. ومنذ إلغاء منصب وسيط الجمهورية لم يعد بإمكان المواطن إعطاء معلومات عن الفساد خوفا من المتابعة القضائية.
ولا يمكن محاربة الفساد بالقوانين فقط، والدليل على ذلك تفشي الظاهرة تفشيا أوسع، رغم وجود قانون مكافحة الرشوة وهيئات متخصصة مثل مجلس المحاسبة.
وبدلا من إنشاء لجنة يجب توفير الأدوات اللازمة لتلك المؤسسات حتى لا يتحول الحديث عن الفساد مجرد خطاب سياسي. وفي نظر رزاقي المطلوب إنشاء محكمة عليا تحظى باستقلالية تامة.
الجزيرة