القاهرة: قالت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الأمريكية في تقرير لها الثلاثاء إن المؤتمر السادس للحزب الوطني الحاكم في مصر والذي أنهى أعماله يوم الاثنين الماضي، قد فشل تماماً في تهدئة مخاوف وقلق المصريين من مسألة توريث الحكم بالرغم من أنه كشف بما لا يدع مجالا للشك إن جمال مبارك - أمين لجنة السياسات في الحزب ونجل الرئيس مبارك- هو المرشح المقبل للحزب في انتخابات الرئاسة 2011.
ونقلت صحيفة الدستور" المصرية المستقلة عن الصحيفة الأمريكية في تقريرها إن مؤتمر الحزب الوطني - الذي كان من المفترض به كحزب حاكم أن يخاطب المواطن المصري ويلبي رغبته في معرفة المرشح المقبل لرئاسة الدولة- تجاهل تماما اهتمامات المواطن المصري ولم يخاطبه بما يريد أن يعرفه، في اشارة إلي التصريحات الغامضة التي أدلي بها عدد من قيادات الحزب ومن بينهم جمال مبارك حول - أنه من المبكر جدا الحديث عن انتخابات الرئاسة.
وانتقدت "لوس أنجلوس تايمز" تجاهل الرئيس مبارك في كلمته التي ألقاها أمام المؤتمر لمسألة انتقال السلطة في مصر، مشيرة إلي أن قطاعات واسعة من الجماهير المصرية كانت في انتظار أي تصريحات - أو حتي تلميحات- من جانب الرئيس مبارك حول ما إن كان سيرشح نفسه في الانتخابات الرئاسية المقبلة أم أنه سيفضل التنحي عن السلطة تاركا المكان لغيره.
كما أوردت الصحيفة رأي الدكتور حمدي حسن - نائب مجلس الشعب عن جماعة الإخوان المسلمين- التي أكد فيها أنه كان يتمني أن يمتلك الحزب الوطني وقادته الشجاعة الكافية لتأكيد أو نفي عزمهم اختيار جمال مبارك كمرشح الرئاسة المقبل، معرباً في الوقت نفسه عن أسفه أن أحدا من المسئولين في الحزب الوطني الديمقراطي لم يتطرق إلي هذه القضية.
وأبدت الصحيفة الأمريكية استياءها من الانتقادات التي وجهها ـ أمين عام الحزب ـ صفوت الشريف للصحافة المستقلة التي اتهمها بأنها صعدت التوقعات والتكهنات بأن جمال مبارك سيكون رئيس الجمهورية المقبل، وأشار أيضا إلي أنه من السابق لأوانه الحديث عن مسألة انتقال السلطة في الوقت الراهن.
وأكدت الصحيفة أن خطاب جمال مبارك - الذي ألقاه الاحد أمام حضور المؤتمر- كان بمثابة محاولة من جانب النظام لزيادة شعبيته بين المصريين، مشيرة إلي أن مبارك الابن تعمد أن يتحدث عن سياسات وإنجازات الحزب الماضية وخططه المستقبلية دون الخوض في قضية ترشحه للرئاسة، حيث شدد - في محاولة لكسب ود الفقراء - علي أنه يعمل لصالح المصريين وليس لصالح كبار رجال الأعمال كما تزعم المعارضة.
وأوضحت أن المعارضة المصرية أبدت استياءها من تصريحات قادة الحزب من رجال الأعمال حول تحسن الأوضاع المالية في البلاد، حيث أعرب الكثيرون من قادة المعارضة عن خيبة أملهم إزاء كذب قادة الحزب لأن ما هو موجود علي أرض الواقع هو المزيد والمزيد من التدهور في الأحوال المعيشية للمصريين.
وكانت مؤسسة بحثية أمريكية مهتمة بمتابعة الشؤون الأفريقية، قد وضعت جمال مبارك، فى المركز التاسع ضمن قائمة أهم 10 رؤساء متوقع وصولهم للحكم فى أفريقيا بحلول عام 2010.
وذكرت مؤسسة "بيللو آند مانشا"، فى تقرير أصدرته مؤخرا، أن التوقعات العلمية والشعبية فى مصر خلال السنوات العشر الأخيرة تشير جميعها إلى تولى جمال مبارك الحكم خلفاً لوالده، على الرغم من نفى كل من الرئيس مبارك ونجله لتلك التوقعات.
وقالت المؤسسة، التى تتخذ من مدينة نيويورك مقرا لها، إن أمانة السياسات بالحزب الوطنى هى الهيئة السياسية الأكثر تأثيراً فى مصر، معتبرة أن تعيين الرئيس لنجله أميناً عاماً للسياسات عام 2002، يجعله الرجل الثالث فى الحزب الحاكم، واصفة مصر بأنها "دولة الحزب السياسى الأوحد"، منوهة بأن سيطرة الحزب الوطنى على أغلب مقاعد البرلمان، تعطى لمنصب جمال مبارك سلطات واسعة لتشكيل سياسة الدولة.
وذكرت المؤسسة الأمريكية أن العديد من المراقبين اعتبروا أن التعديلات الدستورية التى قام بها الرئيس مبارك تصب فى مصلحة توريث السلطة لنجله بحلول عام 2011، "لكى تبدو عملية التوريث بصورة ديمقراطية وشرعية فى ظل انتخابات يشارك فيها أكثر من مرشح من المعارضة الضعيفة"، مشيرة إلى أن "تعديلات 2005 تمنع ظهور أى منافسة حقيقية".
مبارك الابن يتقمص شخصية والده
في نفس السياق، كشف خطاب جمال مبارك في مؤتمر الحزب الوطني عن حالة محاكاة مبارك الابن وتقمصه لشخصية مبارك الأب، فحركاته وإيماءاته وإشاراته للجمهور مماثلة تماماً لطريقة والده.. حتي تفاعلاته مع الهتافات التي دارت داخل القاعة هي ذاتها التي يفعلها "الأب..
استعمال الألفاظ والوقوف علي العبارات إضافة إلي محاولات إدخال الفكاهة للتواصل مع الجمهور دلت علي انتماء الابن لمدرسة الأب شكلاً ومضموناً..
وحسبما ذكرت صحيفة "الوفد" المصرية المعارضة، فقد اثار هذا المشهد حفيظة خبراء السياسة وعلم النفس للوقوف علي تحليل موضوعي للخطاب.
يقول الدكتور محمد المهدي ـ استشاري الطب النفسي: "إن حركات الجسد لدي أمين سياسات الحزب الوطني ليست بالكثرة التي تساعد علي قراءته باستفاضة، غير أن ندرة الحركات لها دلالة مهمة تأتي في إيضاح ضعف التلقائية وكثرة الدفاعات والمحاذير لدي المتحدث، فيما تعني أيضاً بحسب قوله ـ التزامه الشديد بقواعد صارمة في التعامل وحرصه علي إخفاء ما يقصد، بجانب تضخم ذات "الراشد" و"ذات الوالد الناقد" لدي مبارك الابن علي حساب ذات الطفل التي تبدو ضامرة.
وأشار ـ المهدي ـ إلي أن ذات "الراشد" تعني ذلك الجزء من الشخصية الذي لا يعرف سوي حسابات المكسب والخسارة ولا يتعامل مع الأمنيات والمعنويات وإنما يتعامل فقط مع الواقع الملموس، أما ذات "الوالد الناقد".. فتتضح في أخذ موقف المعلم والموجه للآخرين والآمر الناهي والمحذر والمصحح..
وعلي الصعيد ذاته أوضحت د. سوسن فايز ـ أستاذ علم النفس السياسي ـ أنه بصرف النظر عن محاكاة الابن "جمال" للأب "مبارك" فإن طبيعة إلقاء الخطاب هي سياسة متبعة داخل الحزب الوطني الديمقراطي وقالت: "إن مشابهة إيماءات وإيحاءات جمال مبارك لوالده إنما هو محض اجتهاد لتحقيق نوع من المصالحة بينهم وبين الجمهور علي اعتبار أن هذه النوعية من الخطابات تحقق من الناحية النفسية شيئاً من الحميمية ومد جسور الثقة بين المتحدث والرأي العام.
وأضافت: جمال مبارك لا يقلد والده فحسب، وإنما يأخذ كثيراً من الثقافة الأمريكية، ويدرس سياسات "أوباما" الانتخابية ومعه فريق عمل يأخذ من هذه السياسات ما يتلاءم مع المجتمع المصري..
واستطردت قائلة: ظهر ذلك بوضوح في ارتكانه إلي حوارات الـ "فيس بوك" الشبابية، فضلاً عن حيويته في خطابه الأخير.. وكأنه صورة طبق الأصل من الرئيس أوباما.