تعيش منطقة برج باجي المختار المتاخمة للحدود المالية في الآونة الأخيرة على صفيح ساخن على خلفية المشاحنات التي أججت مشاعر ما يعرف بالطوارق والعرب وتهدد لانفجار صراعات اثنية بين الجانبين.
وتذكر مصادر محلية أن الحرب المعلنة منذ أسابيع من طرف القوات الفرنسية والافريقية، أخذت في بعض الأحيان أبعادا عنصرية وتصفية حسابات بعدما تم استهداف عددا من العرب الذين يعيشون في المنطقة على التجارة والرعي، من طرف الجيوش المذكورة التي تلاحق المجموعات الاسلامية المتطرفة.وتضيف المصادر أن العديد من حالات الانتقام والثأر نفذت في حق هؤلاء بدعوى محاربة الارهاب، حيث يتهمونهم بتأييد ودعم المجموعات المسلحة الناشطة في المنطقة، وهو الأمر الذي أجج مشاعر العرب الذين يستعدون للرد بطريقتهم الخاصة على الانتهاكات التي استهدفتهم من طرف من يتهمونهم بدعمهم للقوات الأجنبية لغزو قبائلهم.
ولأن الطرفين في المنطقة يصران على التصعيد فإن السلطات المركزية في العاصمة، وفي محاولة لاحتواء الموقف، سارعت لإيفاد وفد برلماني بالتنسيق مع ما يعرف بأعيان المنطقة للتوسط بينهما وتذليل خلافاتهما، بعيدا عن التأثيرات الخارجية.ويجري التركيز على تطويق الموقف في حدود تراب الدولة، وقطع الطريق عن الامتدادات الخارجية والانتماءات القبلية، سيما وأن الاثنيتين هم مواطنون جزائريون، حسب المصادر، التي لم تستبعد أن توفد الحكومة بدورها ممثلين عنها لإطفاء فتيل الفتنة الطائفية.
وكانت حكومة عبد المالك سلال قد ركزت في الآونة الأخيرة على التواصل مع مواطني الجنوب الذين تضرروا خلال العقود الماضية من الاقصاء والتهميش، مما ولد حالة من التمرد لدى هؤلاء الذين تحولوا الى ورقة سهلة التجنيد والتوظيف من طرف التيارات الجهادية، التي تجسدت أكثر في حادثة الرهائن في مجمع تيغنتورين الغازي بمنطقة عين أميناس منتصف يناير المنصرم.
وقد التقى وزراء وبرلمانيون وأعيان مع سكان ولايات اليزي وإدرار وتمنراست وهي ولايات حدودية تعتبر البوابة الأولى للمخاطر الأمنية التي تهدد الجزائر.وتنامت مخاوف السلطات الجزائرية في الآونة الأخيرة من حالة الفراغ الرسمي التي تخيم على مناطق الجنوب، بسبب تركيز الاهتمام الحكومي والتنموي على الشمال، وإهمال الجنوب الذي صار عرضة لكل الأنشطة غير الشرعية بداية من التهريب والاتجار في المخدرات والسلاح والهجرة السرية، إلى تنامي نشاط الجماعات الاسلامية المسلحة واندلاع الحرب الفرنسية في مالي.
وينضاف إلى ذلك النعرات الطائفية بين الإباضيين والمالكيين في منطقة ميزاب بغرداية في شمال الصحراء، والعرب والطوراق في أقاصي الجنوب، وكذا ظهور بعض التنظيمات الأهلية ذات البعد الاقليمي والجغرافي، كتنظيم حركة أبناء الجنوب اللإسلامية، التي كشفت عن نفسها في المدة الأخيرة وأبدت قربها من التنظيمات الجهادية.ولعل ما ساهم في تنامي حالة الاقصاء لدى سكان الجنوب، هو تدهور الخدمات الصحية والتعليمية والمعيشية واستشراء البطالة، بالرغم من ميزانية الدولة المتأتية من ريع النفط الذي يضخ من بين ظهرانيهم ولا يستيفدون من عائداته سواء في صورة مشاريع مركزية، أو عائدات ضريبية تضخ في ميزانيات البلديات والولايات الجنوبية، وهو ما دفع شباب الجنوب المنضوي تحت ما يعرف بحركة العاطلين الى الاحتجاج مرارا على اقصائهم من فرص الشغل المتاحة والمفاضلة في توزيعها.
ليبيا المستقبل