في العراق وليبيا لم يؤد التدخل الخارجي لبناء دولة ديمقراطية وتحقيق الامن والامان للسكان. ففي العراق لم يتوقف صوت الانفجارات التي تحصد عشرات الارواح يوميا، ومنذ عام 2008 لم يعد العراق موضوعا مهما في الاعلام فقد غطت عليه اخبار الانتفاضات العربية والحرب الاهلية في سورية.
اما ليبيا التي تحررت من حكم القذافي وعائلته فهي تعاني من مشاكلها الخاصة، غياب الامن واستمرار سطوة الميليشيات الذي اثر على سلطة الحكومة، وفي مقال كتبه باتريك كوكبيرن في "اندبندنت اون صاندي" "مستقبل ليبيا يبدو قاتما والاعلام يركز اهتمامه على اماكن اخرى".
ولاحظ كوكبيرن ان الذكرى الثانية للثورة الليبية مرت بدون ان تلتفت اليها الحكومات الغربية ولا اعلامها والذي كانوا قلقين على الشعب الليبي وحقوق الانسان عام 2011. ويجب ان لا يكون مثيرا للغرابة لان البلد وبشكل واضح يتداعى وشعبه يعيش تحت رحمة الميليشيات المسلحة.
ويقدم كوكبيرن عينة لما حدث في ليبيا خلال الاسابيع الماضية، ويكرر خبر اختفاء مستشار رئيس الوزراء الليبي علي زيدان الذي يعتقد ان اختطف، والذي ربما جاء انتقاما من الحكومة التي قالت ان قادة الميليشيات يتصرفون بدون خوف من العقاب.
وفي نفس يوم اختفاء المسؤول قامت افراد مجموعة مسلحة بالهجوم على وزارة العدل مطالبين باستقالة وزير العدل بعد ان اتهم الجماعة بادارة سجن غير قانوني.
ويقول كوكبيرن ان الاوضاع في ليبيا تتجه نحو الاسوأ لا الاحسن حسب ما تظهره الادلة، مشيرا الى ما حدث في البرلمان الليبي واضطرار اعضائه لعقد اجتماعاتهم في مكان مؤقت، لاحتجاج الجماعات المسلحة على قانون العزل السياسي والجدل الدائر حوله. هذا يحدث في العاصمة طرابلس اما خارجها فحكم البندقية اظهر وواضح، ولا يعرف العالم عنه الا عند حدوث قتل كبير كما حصل في بنغازي العام الماضي من مقتل السفير الامريكي، كريستوفر ستفينز. ويقول هذا هو الحادث الوحيد الذي حظي باهتمام الاعلام الغربي والامريكي تحديدا لان الحزب الجمهوري حول مقتل السفير الى قضية سياسية.
ولم يهتم الاعلام مثلا بقصة قبطي مصري اسمه عزت حكيم عطا الله الذي عذب حتى الموت في بنغازي بعد احتجازه مع 48 تاجرا.
منظمات حقوقية
ويشير الى اهتمام منظمات حقوق الانسان بما يحدث ليبيا اكثر من اهتمام المؤسسات الاعلامية المحترمة في البلد، ويلف الانتباه الى تقرير منظمة "هيومان رايتس ووتش" الشهر الماضي الذي نشرت فيه تقريرا مفصلا عن "التطهير العرقي" لاهل بلدة تاغاوراء حيث هجر سكانها الـ 40 الف وتعرضوا "للاعتقال العشوائي، التعذيب والقتل"، وقد تم استهدافهم من مقاتلي مصراتة الذين اتهموهم بمساعدة قوات القذافي اثناء الثورة.
واستخدمت المنظمة صورا فضائية لتسجيل التدمير المنهجي للمدينة والذي قالت انه معظمه تم بعد نهاية الحرب عام 2011، وسجلت الصور تدميرا لا كثر 1370 موقعا تضررت او دمرت بالكامل. ويقول فرد ابراهامز، المستشار الخاص للمنظمة ان الصور الفضائية تؤكد من ان "النهب والحرق والهدم يقصد منها منع سكان البلدة من العودة اليها".
ما اكثر الصحافيون
ويقارن الكاتب غياب الاهتمام الاعلامي العالمي بليبيا اليوم والحضور البارز لها اثناء الحرب حيث يقول انه في ربيع 2011 كان في اجدابيا الواقعة جنوب بنغازي، وكانت البلدة تشهد حربا يسميها كاذبة، ويعني بها ان عدد فرق التلفزة العالمية كانت على مدخلها اكثر من المقاتلين انفسهم.
ويقول انه لم ير اثناء عمله هناك اي خطوط للتراجع يعتمد عليها المقاتلون ولا نقاط التفتيش، فقد كانوا يعتمدون على طيران الناتو، ولولا هذا لانهزموا وبشكل سريع، طبعا لا ينفي وجود وحدات قتالية منضبطة وشجاعة وكذا صحافيون شجعان. ومن هنا فحقيقة تغيير النظام الليبي بتدخل خارجي ترك اثارا عميقة على ليبيا اليوم.
فالمقاتلون الذين يؤمنون ويزعمون انهم حققوا النصر بايديهم اثبتوا انهم ضعفاء وغير قادرين على مليء الفراغ الذي تركه النظام السابق ونموذجه عن القومية العربية التي كانت كما يقول الكاتب حاجزا لظهور القبلية والنزعات الاسلامية المتشددة.
عراق ثانية
هل القومية الليبية مهمة في ضوء التقلبات المستمرة والعقائدية للقذافي؟ صحيح ان الايديولوجية التي سوقها القذافي لشعبه فقدت مشروعيتها لانه استخدمها كوسيلة للتسلط ومنح عائلته المزايا، لكن الكوارث التي حطت على رؤوس العراقيين بعد عام 2003 الان تحدث ولكن بطرق مختلفة في الدول العربية. فانظمة الديمقراطية المستوردة من الخارج لا قيمة لها بدون توافق بين القوى السياسية الرئيسية حول قواعد اللعبة ومن يسيطر على الحكم.
ويعتقد الكاتب ان مشكلة ثورات الربيع العربي انها اعتمدت وبشكل كبير على الدعم الخارجي. وكما حدث في العراق وليبيا فالتدخل الخارجي دائما ما يكون مدفوعا بدوافع شخصية. وكما اظهر تاريخ الثورات فانها في مرحلة معينة تطلب دعما من القوى الخارجية الانتهازية.
ويجب ان يكون هذا الدعم وقتيا فعلى المدى البعيد يجب على هذه القوى انهاء تبعيتها للخارج وبناء دولة نظام وقانون لان الفشل يعني خروج ديكتاتوريين ينتظرون في اجنحتهم للانقضاض على السلطة.
القدس العربي