أثار قرار محكمة سيدي محمد الجزائرية توقيف جريدة "سري للغاية" ردود فعل مختلفة بين الأوساط الإعلامية والحقوقية في الجزائر طالب معظمها بتنظيم الإعلام في البلاد، في حين برر وكيل الجمهورية (النائب العام) للمحكمة قرار توقيف الجريدة بأنها "تعمل دون ترخيص".
وجريدة "سري للغاية" ملحق لجريدة معتمدة باسم "المناقصة" التي لها ثلاثة ملاحق أخرى اقتصادية -الجوال ونيوميديا ومن خاص إلى خاص- لا زالت تصدر بانتظام وتطبع في مطابع الدولة بترخيص قانوني.
وقد استغرب المدير العام ومسؤول النشر نسيم لقفل قرار توقيف الجريدة بعد صدور 19 عددا منذ إشعار السلطات بصدور الملحق في 3 يناير/كانون الثاني 2009.
وقال في حديث خاص للجزيرة نت إن "كل أوراق الجريدة قانونية"، وأكد أنه يعمل "وفق قانون الإعلام، ولكن يبدو أن الجريدة أزعجت بعض الأطراف عندما تناولت ملفات الفساد".
وكان آخر عدد من جريدة "سري للغاية" تناول ما وصفه لقفل "باستغلال رؤساء البلديات لمناصبهم في تبديد المال العام"، وخص بالاسم رئيس بلدية الجزائر الوسطى نقلا عن تصريحات أحد منتخبي مجلس البلدية، ولم يرفع رئيس البلدية دعوى ضد الجريدة كما قال مصدر من البلدية رفض ذكر اسمه للجزيرة نت، واعتبر الأمر حرية تعبير.
وضع كارثي
وقد نددت نقابة الصحفيين الجزائريين، حسب مسؤول التنظيم نذير بن سبعة العضو في الاتحاد الدولي للصحافة، "من حيث المبدأ" بإغلاق أي منبر إعلامي "لأنه مساس بحرية الصحافة وحرية التعبير".
لكنه قال إن "جريدة سري للغاية حسب قرار وكيل الجمهورية غير مرخصة، وبالتالي لا يوجد سند قانوني يسمح لأصحابها بالدفاع عنها".
وتساءل في حديث خاص للجزيرة نت "من المسؤول عن هذا الوضع الكارثي الذي تعيشه الصحافة الجزائرية، لا تنظيم ولا مسؤولية؟ ونرى اليوم تدني مستوى الصحافة في الجزائر، فأصبح من هب ودب يؤسس جريدة ويمارس الصحافة من منظاره الشخصي".
فراغ قانوني
وأوضح عضو المجلس الوطني لنقابة الصحفيين الجزائريين إيدير دحماني أنه "يحق للناشر أن يصدر ملاحق تابعة للجريدة المعتمدة بمجرد إشعار السلطات باسم الملحق، ولكن في حال عدم صدور الجريدة الأم لا يحق إصدار ملاحق لها، وهو حال "جريدة سري للغاية" التي هي ملحق لجريدة المناقصة المتوقفة عن الصدور منذ العدد التجريبي صفر".
كما قال المحامي خالد بورايو المعروف بالدفاع عن قضايا الصحافة "إن المادة 79 من قانون الإعلام تمنع صدور الملاحق ما لم تكن الجريدة الأم تصدر بانتظام".
وفي السياق تحدث دحماني عما وصفه بالفراغ القانوني في قانون الإعلام وقال إن "هناك نوعا من الفراغ القانوني"، لأن المادة 78 تقول "إن أي مطبوعة في اللغة الفرنسية لا بد أن تكون مطبوعة ملحقة باللغة العربية، لكن هذا غير مطبق، مثلا جريدة الوطن وجريد ليبيرتي وجريدة لوسوار دالجري تصدر باللغة الفرنسية، وقد حاولوا قبل سبع سنوات أن ينجزوا ملحقات باللغة العربية فلم ينجزوها ولم يعاقبهم القانون مع ذلك".
صلاحيات
بدوره قال رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان المحامي مصطفى بوشاشي في حديث خاص للجزيرة نت "إن قانون الإعلام الصادر في 4 أبريل/نيسان 1990 إلى جانب قانون العقوبات يعطيان صلاحيات للسلطة القضائية في المتابعة الجزائية للأشخاص بمختلف جرائد الصحافة إضافة إلى اختصاص القضاء بتوقيف الصحف وتغريمها".
وأضاف أنه "من الناحية القانونية لا توقف صحيفة إلا بناء على حكم قضائي نهائي"، واستدرك بالقول "ولكن منذ التسعينيات توقف الصحف تطبيقا لحالة الطوارئ التي تعطي صلاحية للسلطة التنفيذية بتوقيف الصحف".
واستبعد بوشاشي أن يكون توقيف جريدة "سري للغاية" بسبب انتقاد رئيس بلدية، "لأن هناك صحفا انتقدت رؤساء حكومات ورؤساء دول وشخصيات سامية بالدولة ولم تتوقف".
وأكد أنه ليس من عادة القضاء الجزائري توقيف صحف. وإنما "عادة يحكم على الصحفيين بالحبس النافذ وغير النافذ، وبأقصى الحالات قد يحكم عليهم بغرامات مالية كبيرة لدفع الجريدة إلى الإفلاس"، مشيرا إلى أن "حرية الإعلام تتراجع في الجزائر من سنة إلى سنة".
سوق تجارية
كما اعتبر الأستاذ في كلية الإعلام والعلوم السياسية بجامعة الجزائر عبد العالي رزاقي أن قانون الإعلام فيه ثغرات قانونية جعلت الصحافة سوقا تجارية، فيصدر الاعتماد باسم صحفي حسب قانون الإعلام ولكن يباع العنوان لأطراف لا علاقة لها بالصحافة، كمقاولين بناء، أو تجار، يسيرونها حسب مصالحهم بعيدا عن المهنية على حد قوله.
وأشار رزاقي إلى أن ثمن "عنوان الجريدة يصل إلى مليوني دينار جزائري (نحو 28366 دولارا)، وتصدر عنه عشرات الملاحق بالإشعار فقط، وهذا أدى إلى تدني مستوى الصحافة الجزائرية".
وكانت الحكومة قد أصدرت مرسوما في 10 مايو/أيار من العام الماضي يحدد نظام علاقات عمل الصحفيين من حقوق وواجبات وشروط ممارسة العمل الصحفي، لكنه "لم يطبق" حسب مسؤول التنظيم في نقابة الصحفيين الجزائريين نذير بن سبعة.