مصادمات وحرائق وخراب وأنباء عن وفيات وتهديدات بالقتل، هذا ما حدث عقب انتهاء مباراة كرة القدم بين منتخبي مصر والجزائر في إطار التصفيات الإفريقية المؤهلة لكأس العالم 2010، ولم يشفع تاريخ العلاقات بين البلدين الشقيقين في إخماد نار الكراهية التي أشعلها عدد من المتعصبين في البلدين لتتحول المنافسة الشريفة الى حرب ضروس، والمباراة الى معركة، وتناسوا ان الرياضة فيها الغالب والمغلوب.
ويجهل الكثير من ابناء الجيل الحالي عمق العلاقات التاريخية بين مصر والجزائر ، فمصر كانت مركز لانطلاق الثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي عام 1954 ، وفي المقابل لا يمكن أن ننسى دور الجزائر في مساندة مصر خلال حرب 1973 ، حيث شاركت بأكثر من الفي جندي في الحرب، وأمدت مصر بـ 96 دبابة وما يزيد عن 50 طائرة حديثة.
ففي عام 1973 طلب الرئيس الجزائري السابق هواري بومدين من الاتحاد السوفيتي شراء طائرات وأسلحة لإرسالها إلى المصريين عقب وصول معلومات من جاسوس جزائري في أوروبا قبل حرب اكتوبر بأن إسرائيل تنوي الهجوم على مصر، وباشر الرئيس الجزائري اتصالاته مع السوفيت وتم شراء الطائرات والعتاد اللازم ومن ثم إرساله إلى مصر.
و اتصل الرئيس بومدين بالرئيس الراحل أنور السادات مع بداية حرب أكتوبر وقال له " إنه يضع كل إمكانيات الجزائر تحت تصرف القيادة المصرية"، وطلب منه أن يخبره فوراً باحتياجات مصر من الرجال والسلاح ، فقال السادات للرئيس الجزائري إن الجيش المصري في حاجة إلى المزيد من الدبابات وأن السوفييت يرفضون تزويده بها، وهو ما جعل بومدين، يذهب إلى الاتحاد السوفييتي ويبذل كل ما في وسعه، لإقناع السوفييت بالتعجيل بإرسال السلاح إلى الجيشين المصري والسوري، ولم يغادر بومدين موسكو حتى تأكد من أن الشحنات الأولى من الدبابات قد توجهت فعلا إلى مصر.
وفي كتاب "مذكرات حرب أكتوبر" للفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصري :" ان الجزائر كان لها في حرب أكتوبر دورا أساسيا وقد عاش الرئيس الجزائري هواري بومدين ،ومعه كل الشعب الجزائري، تلك الحرب بكل جوارحه بل وكأنه يخوضها فعلا في الميدان إلى جانب الجندي المصري".
أما مصر فقد قدمت دعماً سياسيا واعلاميا وعسكريا للجزائر، حيث ساندت حكومة ثورة يوليو بقيادة عبد الناصر ثورة الجزائر ضد الاحتلال الفرنسي، وأعلنت الثورة الجزائرية من القاهرة عام 1954 .
و قامت مصر في فترة الخمسينات والستينات بتبني قضية الجزائر في المؤتمرات الدولية والتأكيد على شرعية وعدالة المطالب الجزائرية.
و تعرضت مصر بسبب مواقفها المساندة للثورة الجزائرية لعدة أخطار اهمها العدوان الثلاثي عام 1956 الذي شاركت فيه فرنسا ( بجانب بريطانيا واسرائيل ) انتقاما من مصر لدعمها جبهة التحرير الوطني الجزائري، كما قامت فرنسا ببناء القوة الجوية لاسرائيل و تزويدها بالقدرات النووية انتقاما من مصر.
و نجحت مصر في استصدار قرار من الامم المتحدة عام 1960 يعترف بحق الجزائر في الاستقلال عن فرنسا.
ولم تنتهي العلاقات التاريخية بين البلدين عند هذا الحد بل شملت العلاقات الفنية أيضا فيوجد الكثير من الفنانيين الجزائريين الذين لديهم شعبية كبيرة لدى المصريين ، مثل الفنانة وردة الجزائرية وغيرها ، هذا بالإضافة إلى أن النشيد الوطني الجزائري كان من تلحين الموسيقار المصري محمد فوزي.
اثارة الفتنة
ورغم كل ما سردناه والذي يدلل على قوة ومتانية العلاقات بين البلدين العريقين فقد استطاع عدد من المتعصبين النيل من العلاقات التاريخية، ووقفت بعض وسائل الإعلام بجانب هؤلاء المتعصبين في اشعال فتيل تلك الحرب حيث أثار خبر لصحيفة "الشروق" الجزائرية والذي أشاع مقتل عدد من مشجعي الجزائر في القاهرة ، غضب الجماهير الجزائريين ، واللذين بدأوا في الاعتداء على كل المصريين المقيمين على أراضيهم فور انتهاء المباراة .
وبالرغم من تصريحات عبدالقادر حجير سفير القاهرة في الجزائر التي جاءت أمام شاشات التلفاز الجزائري لتنفي خبر صحيفة "الشروق" الجزائرية المزعوم ، حيث أكد عبدالقادر انه " لا توجد أي حالة وفاة لجماهير الجزائر في القاهرة " ، " وأن ما نشرته الصحيفة بوجود حالات قتل للجماهير الجزائرية هو غير صحيح بالمرة لأن جميع الجماهير الجزائرية بسلام ولم تلقى أي مكروه" .
"الحقونا بنموت" .. هكذا كان صراخ أحد المواطنين المصريين المقيمين بالجزائر الشقيقة ، مع قناة "المحور" حيث بدأ بالقول" إلحقونا احنا بنموت"، وإن لم تلحقهم الخارجية المصرية فإن مصيرهم سيكون الموت.
وطالب مصري أخر مقيم بالجزائر ويعمل بشركة مصرية تستثمر بالجزائر، ويدعى محمد عبد الصادق، التدخل الفوري لإنقاذ حياة كل مصري، موضحا" إن الجماهير الجزائرية قامت بعد انتهاء المباراة باقتحام شقته، وقامت بحبسه هو وزوجته وأولاده، ولم ينقذهم سوى الجيران" ، مشيراً إلى أن الموظفين بالشركة قاموا بالقفز من فوق أسطح الشرطة للاختفاء من الجزائريين الذي يودون الافتاك بهم.
وأكد المواطن المصري أنه يعيش في حالة رعب تام، وأنه سيغادر العاصمة للاختفاء في بعض الأماكن خوفا من وصول الجمهور إليه هو وعائلته.
وكانت الجماهير الجزائرية قد حضرت بأعداد كبيرة ، وصلت إلى 4 الاف مشجع في مباراة يوم السبت بين مصر والجزائر في تصفيات المونديال والتي انتهت بفوز الفراعنة بهدفين نظيفين لتقام مباراة أخرى فاصلة يوم الأربعاء في السودان .
وأخيرا وليس آخرا، لابد ان يعلم جميع السادة المتعصبين والداعين للفتنة بين مصر والجزائر ان التاريخ المشترك بين البلدين أقوى بكثير من مجرد مباراة كرة قدم ، فلا يمكن بأي حال من الأحوال ان نضحي بالعلاقات التاريخية بين البلدين من اجل مجرد لعبة حتى لو كانت الساحرة المستديرة .