القاهرة: ذكرت تقارير صحفية أن مصر رفضت أي وساطات عربية لاحتواء التوتر الحادث في علاقاتها مع الجزائر بسببتعرض الجماهير المصرية لاعتداءات وحشية في الخرطوم يوم الأربعاء الماضي أثناء مباراة كرة قدم للتأهل لكاس العالم 2010 ، والتي فاز فيها الفريق الوطني الجزائري.
وتحولت المباراة إلى أزمة دبلوماسية بعد أن استدعت مصر سفيرها من الجزائر "للتشاور" ، كما استدعت وزارة الخارجية الجزائرية سفير مصر لدى الجزائر، معربة عن القلق الشديد من التصعيد في الحملة الإعلامية في مصر ، وحالة الغضب الشعبي. يأتي هذا في الوقت الذي أكد فيه مصدر رفيع المستوي أن الرئيس المصري حسني مبارك ينتظر اعتذاراً علنياً من نظيره الجزائري عبد العزيز بوتفليقة قبل التجاوب مع أي مساعٍ لوقف التدهور الراهن في العلاقات بين البلدين.
وأوضح المصدر لصحيفة "الدستور" المصرية المستقلة: "أن الرئيس يعتبر أن أقل اعتذار يمكن أن تقدمه الجزائر يتمثل في قيامها بمحاكمة كل من تسببوا في إلحاق الأذي بالجمهور المصري في السودان، ومصالح الجالية المصرية في الجزائر".وكان مبارك أكد في وقت سابق أن رعاية المواطنين في الخارج مسئولية الدولة، وان مصر لن تقبل المساس بكرامة وأمن ابنائها، وذلك في إشارة واضحة للأحداث الأخيرة التي أعقبت مباراة المنتخبين المصري والجزائري بالخرطوم وقيام الجماهير الجزائرية بالاعتداء على المصريين.
وأضاف مبارك بلهجة صارمة في خطاب له بمناسية افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة لمجلسي الشعب والشورى السبت:" إننى كرئيس لكل المصريين أؤمن بأننا جميعا فى خندق واحد ندافع عن القيم والمصالح المشتركة لشعبنا وتجمعنا وحدة الهدف والمصير وإننى أمد يدى لكل مصرى ومصرية لنعمل يدا بيد من أجل الوطن".
وتفاعل أعضاء البرلمان مع كلمة الرئيس فوقفوا جميعا وسط تصفيق كبير وكانت المرة الوحيدة خلال الخطاب التي وقف فيها الأعضاء ورفع شخصان منهم علم مصر. وتابع مبارك بالقول : " أكرر بكلمات واضحة كرامة المصريين في الخارج من كرامة مصر ، ولن نتهاون مع من يسيئ لكرامتنا".وشدد مبارك على ان مصر تقيم علاقتها الخارجية على اساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل وان مصر لن تقبل المساس بابنائها او التطاول عليهم او امتهان كرامتهم . واضاف ان رعاية مواطنينا فى الخارج هى مسئولية الدولة.
مبارك يستقبل أعضاء المنتخب
في هذه الأثناء، استقبل مبارك صباح اليوم الاثنين أعضاء المنتخب الوطنى الأول لكرة القدم، حيث هنأهم بأدائهم الرجولى طوال مباريات تصفيات كأس العالم لكرة القدم المقرر أن تستضيفها جنوب أفريقيا عام 2010.وأقام مبارك مأدبة إفطار بمقر رئاسة الجمهورية بمصر الجديدة تكريما لأعضاء المنتخب الوطنى لكرة القدم والجهاز الإدارى والفنى للمنتخب وأعضاء اتحاد كرة القدم.وحضر المقابلة المهندس حسن صقر رئيس المجلس القومى للرياضة، وسمير زاهر رئيس اتحاد كرة القدم، وأعضاء الاتحاد والجهاز الإدارى والفنى للمنتخب، وحسن شحاتة المدير الفنى للمنتخب
وقال صقر في تصريحات عقب المقابلة، إن الرئيس مبارك أكد أن سلامة المواطن المصرى أكثر أهمية من الحصول على أيه بطولة ، كما أكد ضرورة مراعاة البعد الأمنى قبل البعد الرياضى فى أيه مباراة أو فاعلية رياضية تنظم فى الداخل أو خارج مصر مستقبلا . وأضاف، ان مبارك قدم الشكر للاعبين وأعضاء الجهاز الفنى والإدارى لمنتخب مصر على الجهد الذى بذلوه وللرجولة التى أبدوها خلال مباريات التصفيات المؤهلة لكأس العالم ، خاصة فى حدود الإجراءات الأمنية المتاحة .
ونوه إلى أن المجلس القومى للرياضة وإتحاد الكرة واللاعبين قدموا الشكر للرئيس مبارك على هذه اللفتة الأبوية الكريمة بإستقبالهم وتكريمهم ، والتى وصفها بأنها اللفتة الأولى من نوعها فى تاريخ الرياضة المصرية بإستقبال سيادته لفريق لم يتأهل ولم يفز، مما يعد دليلا على الحضارة والأبوة والبعد الإنسانى للرئيس مبارك . وأوضح صقر أن إتحاد كرة القدم وأعضاء المنتخب الوطنى والجهازين الفنى والإدارى وعدوا الرئيس مبارك بأن الفريق القومى سيرفع رأس مصر عاليا مرة ثالثة فى بطولة كأس الأمم الأفريقية التى ستستضيفها أنجولا العام المقبل مثلما فازت بها مصر فى عامى 2006 و 2008.
وأشار إلى أن سمير زاهر رئيس إتحاد كرة القدم أكد للرئيس مبارك أن الجهاز الفنى للفريق الوطنى بقيادة حسن شحاته سيستمر فى أداء مهمامه خلال المرحلة المقبلة وفى بطولة كأس الأمم الأفريقية .
توابع المباراة
في نفس السياق، ألقت تداعيات المباراة بظلالها على أعمال اليوم الأول من دورة الانعقاد الجديدة لمجلس الشعب (البرلمان) المصري، أمس، حيث قال رئيس المجلس د. أحمد فتحي سرور إن لجانا برلمانية مشتركة وضعت نفسها في حالة انعقاد دائم لإعداد تقرير حول الأحداث التي صاحبت المباراة وعرضه على المجلس . وواجه سرور قيام العديد من النواب بتحميل الحكومة مسؤولية ما وصفوه بالتقصير في حماية المشجعين المصريين في السودان والجالية المصرية في الجزائر، بتأكيد الحرص على العلاقة التاريخية بين مصر والجزائر والرغبة في عدم إتاحة الفرصة لأي طرف خارجي في توسعة الأزمة. بدوره، أكد وزير الدولة للشؤون القانونية والمجالس النيابية مفيد شهاب ان مصر ستنتظر الإجراءات التي ستقوم بها الحكومة الجزائرية، مضيفا "لن نفرط في حق أي مصري ناله ضرر سواء في الجزائر أو الخرطوم وكذلك أية منشآت مصرية تضررت في الجزائر بسبب اعتداءات الجزائريين وسنتخذ كافة الإجراءات القانونية أمام القضاء الداخلي أو الخارجي إذا استلزم الأمر لاسترجاع حقوقنا".
أما المعارض المصري الدكتور أيمن نور مؤسس حزب الغد، فقد حمل الشعب المصري مسؤولية ما حدث له من اعتداءات في القاهرة والخرطوم، بسبب ما وصفه بـ "خنوع المصريين المبالغ فيه للسلطة". وحسبما ذكرت صحيفة "الشرق" القطرية، أرجع نور عوامل هذه الأحداث والتي وصفها بالجرائم البشعة، إلى "تهاون المصريين في المطالبة بحقوقهم المكفولة بالدساتير الأمر الذي أدى إلى اندثار قيمة المواطن المصري واستباحته داخل حدود بلاده وخارجها". من جانبه، قال النائب محمد أبو العينين عضو مجلس الشعب ورئيس البعثة البرلمانية المرافقة للبعثة المصرية فى مباراة مصر والجزائر أنه لا تهاون فى حق مصر او التفريط فى كرامتها وأنه يعد الآن لملف من المستندات والوثائق التى تثبت اعتداءات الجمهور الجزائرى على المشجعين المصريين فى السودان وتقرير شامل عن كل ماحدث لتقديمه للفيفا لنأخذ حقنا.
ونقل موقع "اخبار مصر" الالكتروني عن ابو العينين قوله لبرنامج البيت بيتك بالتلفزيون المصرى أنه جارى الاعداد لهذا الملف لاثبات تجاوزات الجزائريين ضد المصريين وأننا لن نسترد حقنا الا بالقانون والمستندات المؤكدة للوقائع. وقال ابو العينين أنه كان يوجد طائرات عسكرية بها طيارين العسكريين وجنود وحدثت تعاقدات كبيرة على كميات كبيرة من الاسلحة والخناجر والسيوف والجزائريين كانت معهم وجبات مكتوب عليها "هذه الوجبة تكفى لمقاتل واحد" وكانت توجد سيارة خارج الاستاد بها السيوف والخناجر مما يؤكد أنها خطة مدبرة لطرف لديه هدف مصر على تحقيقه بأى وسيلة.
رد جزائري عنيف
في غضون ذلك، قال نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني(الغرفة الأولى في البرلمان الجزائري) المكلف بالعلاقات الخارجية، الصديق شهاب، إن "الحملة القذرة "التي يشنها الإعلام المصري ضد الجزائر بإيعاز من "زبانية" النظام الحاكم، تندرج ضمن سياسة الهروب إلى الأمام بسبب مواقفه "المخزية" من القضايا العربية وخاصة قضية فلسطين. وأوضح شهاب في تصريح لصحيفة "الخبر" الجزائرية" أن هذه الحملة "أخذت منعرجا خطيرا يفضح الضغينة والحقد الذي كان مدفونا منذ سنوات في قلوب هؤلاء المرضى إلى أن جاءتهم الفرصة ليظهروا الغل الذي كان ساكنا في أعماقهم ضد الجزائر''.
وزعم ''إن النظام المصري كان يعلق آمالا كبيرة على المباراة وتأهل الفريق المصري للمونديال، وربط ذلك بكل استراتيجيته السياسية من توريث الحكم إلى قمع واضطهاد الشعب المصري، فلما وجدوا أن الخطة فشلت استغلوها لتأليب الجماهير المسكينة الجاهلة على الجزائر''. وقال "إن المشاكل الداخلية والمواقف المخزية للنظام المصري تجاه كل القضايا العادلة وعلى رأسها قضية فلسطين وتواطئه مع الكيان الصهيوني، جعلهم يطبقون سياسة الهروب إلى الأمام". من جانبه، أعلن فيه وزير التضامن الجزائري جمال ولد عباس أن الحكومة الجزائرية أنشأت خلية أزمة لمتابعة أوضاع الجالية الجزائرية في مصر بعد ورود أنباء عن "وقوع اعتداءات" طالت الطلبة هناك على وجه الخصوص.
وقال ولد عباس في تصريحات صحفية : "أنشأنا هذه الخلية بأمر من رئيس الجمهورية وننتظر أي معلومات تصدر إلينا للتدخل فورا والتكفل بالجزائريين في مصر"، زاعما أنه التقى بطلبة جزائريين عادوا للتو من مصر اشتكوا له أوضاعهم "السيئة" هناك وبأنهم "مختبئين في شققهم". بدوره، حمّل وزير الداخلية الجزائري نور الدين يزيد زرهوني السلطات المصرية مسؤولية الأزمة التي اندلعت بين البلدين، زاعما أن القاهرة رفضت التعاون مع السلطات الجزائرية بخصوص تأمين وتنظيم المباراة ما قبل الفاصلة التي جرت بين المنتخبين باستاد القاهرة، داعياً إلى "أخذ العبر مما جرى بالقاهرة للاستفادة منه مستقبلاً" .
من جانبه، صرح عبد القادر حجار السفير الجزائرى بالقاهرة مساء امس الاحد إنه لم يدل بأى تصريح لأى جهة اعلامية مفاده أن الجزائر لا تقدم أى إعتذار حول الأحداث الأخيرة بعد مباراة منتخبى مصر والجزائر التى جرت فى الخرطوم. ونقلت وكالة انباء الشرق الاوسط المصرية عن حجار قوله فى بيان لسفارة الجزائر بالقاهرة "ما زلت أرفض حتى الآن الإدلاء بأى تصريح ، حول مجريات الأحداث، تجنبا لأى تفسير أو تأويل، وأن الجهات الوحيدة التى أدلى لها بالتصريحات هى الجرائد الجزائرية". وتابع سفير الجزائر "إن كل ما ينشر على لسانى خلال الفترة الحالية محض إفتراء وإختلاق .. وسكوتى عن الإدلاء بالتصريحات ليس خوفا من الإعلان عن موقف وإنما تحوط للحفاظ على العلاقات التاريخية الجزائرية ـ المصرية التى كانت وماتزال وسوف تظل متينة وقوية وراسخة ومستمرة وستبقى كذلك، لا تؤثر عليها الأحداث ".
تدوير منصب الأمين العام
من ناحية اخرى، لم تستبعد أوساط دبلوماسية عربية أن تعيد الجزائر في القمة العربية المقرر عقدها في العاصمة الليبية طرابلس خلال شهر مارس المقبل المطالبة بتدوير منصب الأمين العام للجامعة العربية وعدم قصره علي دولة المقر "مصر"، وذلك رداً علي الحملة المصرية الإعلامية والسياسية ضدها. وتدرس الجزائر حالياً علي أعلي مستوي إحياء مطالبها الخاصة بتدوير منصب الأمين العامة للجامعة العربية الذي تهيمن مصر عليه منذ إنشاء الجامعة العربية عام 1945، باستثناء الفترة التي تم فيها نقل مقر الجامعة العربية إلي تونس نهاية السبعينيات. كان الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى قد كشف الأحد عن اتصالات بكل من مصر والجزائر والسودان لاحتواء الأزمة الناجمة عن مباراة مصر والجزائر للتأهل لنهائيات كاس العالم والتي جرت في الخرطوم.
وقال موسى في مؤتمر صحفي مشترك عقده مع رئيس البرلمان الأوروبي جيرزي بوزيك أنه "أجرى اتصالات خلال اليومين الأخيرين مع مسؤولين كبار في مصر والجزائر والسودان"، لافتا إلى إن "الجامعة يجب أن لا تترك هذا الموضوع الخطير دون أن تنهيه فورا حتى لا يختلط الحابل بالنابل وتصبح الأمور بعيدة عن الحدود المعقولة في هذا الإطار". وأشار موسى إلى أن "اللقاء مع المسؤول الأوروبي تطرق إلىِ موضوع مباراة مصر والجزائر"، مضيفا "تشاركنا في الضيق مما هو جار حيث أعرب رئيس البرلمان الأوروبي عن دهشته البالغة من التطورات التي حصلت عقب المباراة".