الدوحة: قال زعيم حزب المؤتمر الشعبي السوداني المعارض حسن الترابي إن غالبية الجنوبيين يؤيدون الانفصال، محذرا من أن إصرار الحكومة على نهجها سيؤدي الى حروب تمزق البلاد، رافضا في نفس الوقت تحديد موقف حزبه من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة العام المقبل.
وأكد لصحيفة "الحياة" اللندنية لدى توقفه في الدوحة التي غادرها إلى باريس للعلاج من ما وصفه بـ "آثار القسوة" التي عاناها خلال سجنه الأخير في بورتسودان، أن "أكثر من تسعين في المئة من الجنوبيين يجنحون نحو الانفصال بسبب تراكم المظالم، وما يُرى في الجنوب من أخطاء لا يعزى إلى حكومته، بل يُردّ العيب وأصل العلة إلى الشمال".
لكنه شدد على أن هذا لا يعني تأييده الانفصال، لأن حزبه لجميع السودانيين "بلا تفرقة عنصرية أو لونية، وهو تعرض للحل بسبب مناصرته قضية الجنوب"، واعترف بوجود "حوار خاص" بين حزبه و "الحركة الشعبية لتحرير السودان" في معزل عن أحزاب المعارضة الأخرى.
ووصف الترابي الحكم الحالي في السودان بأنه "ديكتاتوري يستخدم القوة ضد الرعية ولا يعرف حرية صحف ولا حرية أحزاب إلاّ أن تُترك أشكالاً يتزين بها للناس، لأن الديموقراطية أصبحت قيمة في العالم... والنظام السوداني لا يعرف حدّاً لفترة الحكم".
وقال الترابي إن أحزاب المعارضة ستجتمع نهاية الشهر لتحديد موقفها من الانتخابات، بعدما كانت أمهلت الحكومة ستة أشهر لإقرار قوانين التحول الديموقراطي والحريات العامة وإلغاء القوانين الاستثنائية.
لكنه شدد على عدم جدوى مقاطعة جهة واحدة للانتخابات لأنها ستنعزل، "لأنك إذا خسرت سيقال أنك تبحث عن أعذار، فإما أن تدخل الانتخابات وترضى بالنتيجة أو تقاطع".
واعتبر الانتخابات منهجاً "للتغيير بلطف"، لكنه رأى أنه يجب على المعارضين مع انسداد الباب أن "لا يقاطعوا الانتخابات فقط، بل لا بد من أن ينظروا إلى أي مسلك آخر".
وحمّل الترابي شركاءه السابقين في الحكومة مسؤولية أي تعطيل في الجولة المقبلة من مفاوضات الدوحة في شأن دارفور، معتبراً أن المطلوب "أن تبتسم الحكومة وتتسامح، (فيما نراها) تتشدد حتى في قضايا عرضية مثل المعونات للاجئين والعمل الخيري. (هناك) عدم ثقة ... إذا جرّب كل طرف أخاه في أدنى حبال الثقة وتبيّن أن لا مجال لها، فكيف يتعاقد معه على قضايا ضخمة كمصير إقليم ووطن؟".
حلم الجنوبيين وتشكيك الشماليين
كان العديد من قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان قد توقعوا في أكثر من مناسبة حدوث انفصال الجنوب، وارجعوا ذلك إلى ما اسموه فشل شريكهم في الحكم "حزب المؤتمر الوطني" بزعامة الرئيس عمر البشير في "جعل الوحدة بين الشمال والجنوب جاذبة"، عبر مشروعات للتنمية وبناء الثقة، غير أن الوطني ترى أن الحركة الشعبية هي، التي قدمت أسوأ تجربة حكم في الجنوب، بصورة عمقت الصراع بين الطرفين.
ولكن مصادر دبلوماسية سودانية شككت في قدرة الحركة الشعبية، التي تدير الجنوب منذ عام 2005، على إدارة دولة منفصلة لعدم توافر البنى التحتية التي تؤمن استمرارية أي دولة مستقلة.
وتوقعوا عجز الحركة، التي تعاني انتشار الفساد في مؤسساتها، عن تقديم الخدمات الأساسية لسكان الجنوب بفعل استنزاف مواردها من العائدات النفطية والمساعدات الدولية على الجيش كرواتب لضباطه وجنوده.كما أن مسألة التداخل السكاني بين الشمال والجنوب تعدّ من المعوقات الأساسية في وجه تحقيق الانفصال.
وأشارت المصادر السودانية نفسها إلى وجود ما يقارب من 4 ملايين جنوبي في الشمال، وبالتالي في حال حدوث انفصال لا بد من إنجاز ترتيبات جديدة مرتبطة بمصيرهم. ترتيبات تبدأ باحتمالات ترحيلهم باعتبار أنهم سيصبحون مواطني دولة ثانية، مع ما يثيره ذلك من ضرورة إعادة تعريف المواطن السوداني لتصنيفه بين شمالي وجنوبي.
كذلك تطرح مسألة النفط وعمليات تصديره. وترى المصادر أن الجنوب في حالة انفصاله سيكون دولة مغلقة، ولن يمتلك موانئ بحرية تمكنه من تصدير النفط. وبالتالي، فإنه للاستغناء عن الشمال كممر للتصدير، لا بد أن تكون كينيا هي البديل.
ورغم كل ما سبق، فان خيار الانفصال يبقى قائماً، خاصة بعدما كشفت صحيفة "الفايننشال تايمز" البريطانية أن الصين وكينيا تتفاوضان منذ الشهر الماضي لإقامة ممر لتصدير النفط السوداني، بالإضافة الى بناء طرق وسكك حديدية تصل الى جنوب السودان وأثيوبيا، لتشكل طريقاً بديلة لتصدير نفط جنوب السودان.
هذه المخططات تبقي مخاوف الشمال من الانفضال قائمة. وتبدي المصادر السودانية خشيتها من التأثيرات السلبية لعدم استقرار الجنوب في حال انفصاله، وترجح تفتته إلى دويلات لن يكون الشمال بطبيعة الحال بعيداً عن تداعياتها.
وكان اتفاق السلام الشامل لعام 2005 الذي أنهى الحرب بين الشمال والجنوب، قد أقام حكومة ائتلافية في الخرطوم وحكومة متمتعة بحكم ذاتي محدود في الجنوب. والى جانب الاستفتاء وعد أيضا بإجراء انتخابات وطنية مقررة في فبراير عام 2010 وتقسيم عائدات النفط بين الجانبين.