بعد ليلة شاقة قضاها الجيش والأمن بموريتانيا في تعقب ما يمكن أن يوصف بالمجهول، جاءت تباشير الصباح لكنها لم تحمل معها بشرى تحرير الرهائن ولا حتى تحديد أماكنهم، ما أثار مخاوف لدى جهات عديدة من أن نجاح عملية الاختطاف بات أمرا مفروغا منه.
ورغم أن الوقت لا يزال مبكرا للحكم نجاحا أو فشلا على عملية اختطاف ثلاثة أشخاص يحملون الجنسية الإسبانية، فإن السؤال الذي يؤرق الجميع حتى الآن هو أين اختفى الخاطفون؟ وأين توجهوا برهائنهم بعيدا عن أنظار قوات الجيش والأمن التي تحركت بشكل فوري لتعقب الخاطفين؟ ومما يزيد الأمور تعقيدا أنها المرة الأولى التي يواجه فيها الجيش امتحانا كهذا، فهي أول مرة تشهد فيها البلاد عملية اختطاف. يذكر أن أشكالا أخرى من العنف عاشت عليها موريتانيا في سنواتها الماضية، من ذلك مقتل سياح فرنسيين وعشرات من عناصر الجيش ومواجهات مسلحة مباشرة مع قوات الأمن وعملية انتحارية استهدفت السفارة الفرنسية، لكنها المرة الأولى التي تتصاعد فيها الأمور نحو عمليات الاختطاف.
صوب نواكشوط
وبحسب الخبير في شؤون تنظيم القاعدة بموريتانيا إسلم ولد المصطفى فإن الأرجح هو أن الخاطفين توجهوا صوب مدينة نواكشوط عاصمة البلاد، حتى يحققوا حماية لأنفسهم ولرهائنهم من عمليات الملاحقة والمطاردة التي ستكون سهلة وميسورة إذا فروا نحو الأراضي الصحراوية المنبسطة والمكشوفة في نفس الوقت. وأضاف الخبير أن ذلك يجعل الخيار الوحيد المتاح أمامهم هو التوجه فقط إلى مدينة نواكشوط التي لا تبعد عن عين مكان الاختطاف سوى نحو 200 كلم يمكن أن يقطعها الخاطفون حتى قبل أن تتجاوز قوات الجيش والأمن حالة الارتباك والصدمة الأولى وتستعيد جاهزيتها وتوزع أدوارها ووحداتها.
ويرى ولد المصطفى في حديثه للجزيرة نت أن هدف عملية الاختطاف -إن صحت نسبتها لتنظيم القاعدة وهو ما تدل عليه كل المؤشرات- مبادلة المخطوفين بعشرات السجناء الذين يقبعون في السجون دون محاكمة ولا إطلاق سراح، ومن بينهم عناصر مهمة جدا لدى التنظيم.وذهب الخبير أبعد من ذلك قائلا إن التنظيم سيسعى إلى توسيع هامش المبادلة لتشمل سجناء لدى دول أخرى مثل مالي الجار الشرقي لموريتانيا.
صوب مالي
بيد أن متابعا آخر لشؤون الجماعات الإسلامية الصحفي سيدي أحمد بابا يعتقد أن الخاطفين سيتوجهون برهائنهم صوب معسكرات القاعدة شمال مالي، ويرى أن وعورة الصحراء وخبرة نشطاء القاعدة فيها وتنسيقهم مع شبكات أخرى كلها عوامل تساعد الخاطفين وتمنحهم أطواق نجاة من الملاحقة.ويستبعد ولد بابا في حديثه للجزيرة نت فرضية توجه الخاطفين إلى مدينتي نواكشوط أو نواذيبو لأن التجارب علّمت هؤلاء أنه حينما تكون بالمدينة فلا شيء يحميك إطلاقا. ويستشهد بما فعله شبان ملاحقون في ملف المخدرات حين أفلتوا قبل نحو سنتين من نفس المنطقة تقريبا واستخدموا طرقا رملية وعرة، متجنبين نقاط تركز الجيش والوحدات الأمنية، وهو ما جعلهم ينجحون في عبور الأراضي الموريتانية بسلام.
وكان ثلاثة متطوعي إغاثة إسبان هم آلبرت بيلالتا وروكي باسكوال (رجلا أعمال) وآليثيا غاميث (موظفة في القضاء) قد اختطفوا الأحد شمالي نواكشوط (170 كلم) أثناء مشاركتهم في قافلة إغاثية تسمى كارافانا سوليداريا (قافلة التضامن) تنوي توزيع تجهيزات فنية ولوجستية على بلديات ومرافق عامة في موريتانيا والسنغال وغامبيا.