شدد مراقبون على ضرورة أن تبقى الحكومة متيقظة لمنع حصول مواجهات بشأن الأراضي والمياه في المناطق الجافة المعرضة للنزاعات، وذلك في ظل إطلاق كينيا مشاريع ري لتعزيز الاكتفاء الذاتي في مجال الزراعة والأمن الغذائي.
وعندما وصل الرئيس أوهورو كينياتا إلى سدة الرئاسة في 9 نيسان/أبريل الماضي، تعهد بأن تعمل حكومته التابعة لائتلاف اليوبيل من أجل تحويل الزراعة إلى قطاع مولد للدخل والنهوض بالأمن الغذائي على المستوى الوطني.
وخلال حفل الافتتاح الرسمي لمجتمع كينيا الزراعي في 5 تموز/يوليو، أعلن كينياتا أن حكومته ستولي الأولوية للري.
وقال "مع أن بلدنا غني بموارد مائية هائلة يمكن الاستفادة منها للري، إلا أن معظم إنتاجنا الزراعي في كينيا يتغذى من مياه الأمطار. فمن غير المقبول أن نروي فقط 15 في المائة من الأراضي القابلة للري. ولهذا السبب، يكمن أحد التزاماتنا الواردة في البيان الرسمي لليوبيل في ري مليون فدان إضافي خلال السنوات الخمسة المقبلة".
وعلى هذا الأساس، أعلن وزير الخزانة الوطنية، هنري روتيش، في حزيران/يونيو الماضي أن الحكومة خصصت 8 مليارات شلن (92 مليون دولار) في ميزانية هذه السنة لتطبيق خطط ري في مختلف أنحاء البلاد. وفي وقت لاحق، كشفت حكومات المقاطعات عن ميزانياتها الخاصة وقد خصصت جزءاً منها لاستغلال قدرتها الزراعية في الأراضي التي تقع تحت سلطتها القضائية.
الري ونظام العيش البدوي
ولكن، قال أحمد حسن الذي يعمل في المجلس الكيني لتسويق الماشية في غاريسا، إن مبادرة الحكومة الوطنية الخاصة بالري قد تتسبب بحالة توتر في المناطق الجافة التي تشهد وضعاً غير مستقر والتي تسكنها غالبية من القبائل البدوية، لا سيما في المنطقة الشرقية والشمالية شرقية.
وأضاف لصباحي أن "البدو هم أشخاص فريدون من نوعهم يعيشون حياة صعبة للغاية. ويشكل الرعي طريقة لكسب لقمة العيش من أراضٍ فقيرة جداً. وظل البدو يتمتعون بالجرأة وبقوا محافظين بالرغم من حالة الجفاف المتقطعة والأمراض التي تصيب الماشية وتغير المناخ الذي يهدد أساليبهم التقليدية".
وأوضح حسن أن الرعاة ليسوا مائة في المائة ضد إنتاج الأغذية بكميات كبيرة، ولكن كان للبدو ردة فعل سلبية جراء تدفق وارتفاع عدد المزارعين ذلك أنهم يعتبرون هؤلاء عائقاً لوصولهم إلى أراضي الرعي.
وأضاف "إن أعلان الحكومة عن مشروع الري على نطاق واسع يعني أنه سيتم تخصيص المزيد من الأراضي لأغراض إنتاج الأغذية".
وشرح حسن أنه قبل الانطلاق في هذه المشاريع، على الحكومة والجهات المعنية وضع آلية لمنع وقوع أي نزاعات. وأشار إلى أن هذا أمر مهم، ذلك أن المقاطعات التي سيشملها مشروع الري شهدت حالات عديدة من مواجهات عنيفة بين الرعاة والمزارعين بشأن الأراضي الصالحة للزراعة وإمدادات المياه المحدودة.
وقال حسن "بدأت بعض هذه الحوادث بسبب أشخاص عمدوا إلى تسييج قطع أراضٍ صغيرة للزراعة على نطاق صغير. ويمكن بسهولة تصور ما قد يحصل عندما يبدأ الري على نطاق واسع".
وفي هذا السياق، قال الرائد المتقاعد في الجيش، ويلبرفورس أونشيري، وهو مستشار أمني مقيم في نيروبي، إنه مع أن خطط الري المنظم تنطلق من نية صافية، إلا أنها قد تؤدي إلى أعمال عنف شبيهة بالاشتباكات التي وقعت في دلتا نهر تانا والتي راح ضحيتها أكثر من 150 شخصاً العام الماضي ومطلع العام الجاري.
يُذكر أن تقريراً صدر عن اللجنة القضائية للتحقيق في هذه الاشتباكات أثبت أن السبب الرئيسي لسفك الدماء هو النزاع على الموارد بين مزارعي بوكومو ورعاة أورما.
وذكر أونشيري لصباحي "تحدث أعمال عنف من وقت إلى آخر بين القبيلتين وقد تفاقمت هذه الأعمال منذ عام 2000 عندما بدأ مزارعو بوكومو وغيرهم من المستثمرين الكينيين والأجانب بشراء قطع أرض كبيرة على طول نهر تانا بهدف زراعة الأغذية على نطاق واسع".
وقال "تندلع النزاعات عندما يعتبر الرعاة أن المزارعين يعيقون وصولهم إلى النهر. وخلال فترة الجفاف، تخيّم عشيرة أورما على ضفاف النهر وتتوه الحيوانات في بعض الأحيان فينتهي بها الأمر في مزارع بوكومو، الأمر الذي يتسبب باشتباكات".
وفي هذا السياق، أوضح عبدالله بورو هالاخي، وهو محلل متخصص في قضايا القرن الأفريقي ويعمل مع الفريق الدولي المعني بالأزمات، أن حالة التوتر تنشأ أيضاً عندما تحاول إحدى الجماعات أن تجبر جماعة أخرى على التأقلم مع سبل عيشها الخاصة.
وتابع قائلاً إنه بما أن الأرض كانت سبباً لغالبية النزاعات في البلاد، فيتوجب على الحكومة الوطنية والحكومات الإقليمية الجمع بين مختلف المجموعات في المناطق المعنية وإشراك الجميع في العملية.
وأضاف لصباحي "لتجنب أعمال العنف، على الحكومة تنظيم مناقشات عامة لرسم الطريق والتخطيط لكيفية استعمال الموارد لمصلحة كلا الطرفين. تبدو بعض المشاريع جيدة من الناحية النظرية ولكن لا يجب أن تُفرض على المجتمع من دون منحه فرصة المشاركة".
الملايين من فرص العمل تلوح في الأفق
ومن جهته، قال الرئيس التنفيذي لمجلس الري الوطني، دانيال باراسا، إنه يُتوقع أن يخلق مشروع الري أكثر من أربعة ملايين فرصة عمل خلال خمس سنوات.
وأشار لصباحي إلى أن "المجتمعات في المناطق المستهدفة هي أصحاب حصص مهمة. وسنستمر في إشراك المجتمع ليكون لنا أرضية مشتركة في مجال التنمية. وسيتم أخذ عوامل عديدة في الاعتبار، بما في ذلك التأثير البيئي للمشاريع".
وذكر باراسا لصباحي أن مشروع الري الذي سينفذه مجلس الري الوطني بالتعاون مع مؤسسة التنمية الزراعية الكينية يشمل خططاً لبناء حاويات ضخمة لتجميع مياه الأمطار واستخدامها خلال موسم الجفاف.
وقال حاكم مقاطعة واجير، أحمد عبدالله، إن ري تلك المنطقة سيعزز التنمية الزراعية، مما سيزيد الأمن الغذائي.
وقال "إننا على ثقة بأن المجتمعات ستقتنع بفكرة تنفيذ المبادرة ذلك أننا توعدنا خلال حملاتنا الانتخابية بإطلاق مشروع ري على نطاق واسع لمعالجة مسألة غياب الأمن الغذائي".
وأضاف لصباحي "سنوفر التدريب والمعدات للمزارعين للتشجيع على إنتاج المواد الغذائية"، مشيراً إلى أن المقاطعة ستستهدف في البداية الأشخاص الذين فقدوا ماشيتهم جراء الجفاف.
وحتى اليوم، رحّب سكان المناطق المستهدفة بالمشروع إذ يوفر لهم بديلاً لكسب لقمة العيش.
وقال عبدالرزاق حسين عبدي، 42 عاماً ويملك 500 رأس قطيع في مقاطعة غاريسا بما في ذلك أبقار وجمال وخراف وماعز، إن "[تربية الماشية] تواجه أصلاً تحديات وبعضنا جاهز لاعتماد [حل] بديل".
وأضاف أن "أي مشروع جديد يلقى دوماً مقاومة في البداية من قبل المحافظين. ولكن يتم القبول به تدريجياً بحسب جدواه الاقتصادية". وشدد على ضرورة أن تشرك الحكومة المجتمع وزعماء العشائر.
وبدوره، قال عبدي فارح يوسف، 49 عاماً وهو من سكان مقاطعة مانديرا، في حديث لصباحي أن عائلته فقدت كل ماشيتها بسبب الجفاف الذي ضرب المنطقة بشكل متكرر على مدى السنوات الـ 25 الماضية.
وأضاف "بدأت أعمل في الزراعة على طول نهر داوا منذ ثلاث سنوات. وإن فوائد الزراعة تفوق الفوائد التي تؤمنها تربية الماشية. ولذلك نرحب بخطة الحكومة كونها ستعالج مشكلة المجاعة التي نعاني منها باستمرار".
الصباحي