ذكر تقرير لمركز الحقوق القانونية وحقوق الإنسان في دار السلام أن أعمال القتل خارج القانون والعنف الناتج عن الشعوذة وجرائم رعاع القوم قد أودت بحياة مئات التنزانيين خلال النصف الأول من العام الحالي.
وفي حين تشير بعض المؤشرات إلى إن تحسنات بسيطة طرأت في هذا المجال مقارنة بالأشهر الستة الأولى من العام الماضي، فإن النتائج التي توصل إليها المركز تثير المخاوف من أن التنزانيين يعمدون إلى الانتقاص من هيبة القضاء وتنفيذ أحكام خارج إطار القانون.
وذكر التقرير الذي يصدر كل سنتين ونشر في 29 تموز/يوليو أن عنف العصابات أدى إلى مقتل 579 شخصا في النصف الأول من العام الحالي مقارنة مع 563 قتيلا بين كانون الثاني/يناير وحزيران/يونيو من العام 2012. وقتل 303 شخص بأعمال عنف ذات صلة بالشعوذة في الأشهر الستة الأولى من عام 2013 مقارنة مع 336 شخص خلال الفترة ذاتها من العام الماضي.
كما قتل 22 مدنيا في أعمال عنف دامية وقعت خلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام على يد الشرطة التنزانية ورجال الميليشيا وقوات عسكرية، بينما ذكر التقرير أن ثمانية عناصر من الشرطة قتلوا على يد مدنيين أثناء أداء الخدمة.
وقال المحامي في المركز، باسيانس ملوي لصباحي، "قتل العام الماضي 31 شخصا في أعمال قتل خارج القانون. وفي الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، قتل حتى الآن 22 شخصا. إن هذا الارتفاع يثير القلق".
وعزا التقرير ارتفاع أعمال القتل إلى ذهنية عدالة العصابات والحماية الضعيفة للحقوق المدنية والاعتداء على حرية التجمع ونقص المعلومات وأسباب أخرى.
وأضاف ملوي أن المركز جمع الأرقام من تقارير الشرطة ونشطاء حقوق الانسان ومصادر رسمية أخرى، بينها تقارير مفوض المنطقة، والذي تمكن المركز من خلالها تحديد أسماء الضحايا وملابسات الوفاة.
وبحسب التقرير، فإن نسبة مواجهة التنزانيين للشرطة تزداد حين يشعرون أن حقوقهم تنتهك، ما يؤدي إلى تدهور الوضع سريعا حتى يصبح داميا.
وفي هذا الإطار، يشير التقرير إلى مقتل شرطيين في 11 شباط/فبراير على يد سائقي دراجات للأجرة تعرف باسم بودا بودا في حي نامتومبو بمنطقة روفوما. وقتل الشرطيان في عمل انتقامي ردا على قيام الشرطة برمي القنابل المسيلة للدموع على متظاهرين في 9 شباط/فبراير.
ويضيف التقرير أن المجرمين العاديين لا يرون رجال الشرطة كعناصر لإنفاذ القانون ويردون بعنف مميت حين يواجهونهم. نتيجة لذلك، ولفرض سيطرتهم، يجد عناصر الشرطة أنفسهم أمام خيار وحيد هو استخدام القوة المفرطة ضد السكان.
كما ذكر التقرير حوادث اشتباك وقعت بين سائقي دراجات الأجرة والشرطة في منطقة متوارا في نهاية كانون الثاني/يناير نتيجة مقتل مدنيين. وبحسب الاعلام المحلي، فإن أعمال العنف بدأت حين نزل سائقو الأجرة للتظاهر في الشارع تنديدا باعتقال أحد زملائهم.
وأضاف التقرير أن "رد فعل سائقي الدراجات كان بإثارة أعمال الشغب ما أدى إلى إحداث دمار كبير في المباني العامة وممتلكات [حزب الثورة] وإشعال النار بممتلكات قادة الحزب. وفي رد على أعمال الشغب، استخدمت الشرطة القوة المفرطة لمحاربة المشاغبين ما أسفر عن مقتل نحو تسعة أشخاص وإصابة 11 آخرين بجروح بالغة".
قتلى أعمال الشعوذة لم يشهد ارتفاعا
وقد وجد التقرير أن عدد القتلى على خلفية أعمال الشعوذة بقي نفسه في تنزانيا لاسيما في منطقة شينيانغا.
وفي حين وصل عدد الضحايا ذات الصلة بأعمال الشعوذة في النصف الأول من هذا العام إلى 303 قتيل، فإن المشكلة تكمن في إمكانية تسارع وتيرة هذه الأحداث لتصل إلى مجموع قتلى العام الماضي أي 630 قتيل. وتشير التفاصيل إلى أن هؤلاء قتلوا نتيجة ادعاءات من أبناء مجتمعهم بأنهم ألقوا شعوذات على الناس.
ويحدد القانون التنزاني الشعوذة بإنها أي عمل يدخل ضمن إطار "السحر والشعوذة وعالم الجن واستخدام أدوات الشعوذة وامتلاك أي قوة أو معرفة بالتنجيم".
وينسب التقرير انتشار أعمال الشعوذة إلى النزاعات الاقتصادية بين الأسر المحاورة لاسيما في منطقة البحيرات.
ويضيف، "يلقي الناس تعويذات على بعضهم بعض بهدف السيطرة على أثرياء الأسرة [أو القبيلة]. كما ثمة نسبة عالية من الأمية والتطير واللجوء إلى الأطباء المشعوذين [مما يساهم في أعمال القتل]".
هذا ويزيد غياب الخدمات الطبية الأساسية المعتمدة من سلطة الأطباء المشعوذين وثقة الناس فيهم.
وترى المحامية والمسؤولة التنفيذية في مركز الحقوق القانونية وحقوق الانسان، إيميلدا لولو أوريو، أن تخاذل الحكومة عن مواجهة هذه المسائل يزيد من تعاظم المعتقدات السائدة في الشعوذة ويشجع المخربين على ارتكاب جرائم القتل.
وتضيف أوريو، "إذا لم يتم وقف هذه الأعمال فورا، فسينتهي الأمر بعمليات قتل جماعية أو إبادة جماعية".
من جانبه، يؤكد المحامي هارولد سونغوسيا، مدير برامج المناصرة والإصلاحات في المركز، أن الحكومة يجب أن تعالج الشعوذة وأعمال القتل المرتبطة بها، وإذا أحجمت عن ذلك سيؤدي الأمر إلى شيوع الفوضى في البلاد.
واعتبر سونغوسيا في حديثه، "إن أي شخص يحاول تطبيق العدالة بيده من خلال قتل شخص متهم، فهو ينتهك القانون. وقد يملك المدنيون اعتقادا راسخا بالشعوذة لكن عليهم أن يضعوا ثقتهم بالنظام القضائي أيضا".
أما إمام مسجد كيسيواني في دار السلام، الشيخ علي محمد حمد، فأكد أن على القادة الدينيين أن يلعبوا دورا في توعية الناس.
وقال، "القرآن كما الانجيل يمنعان المؤمن من قتل امرء آخر. علينا كرجال دين أن نرشد أبناءنا كسبيل لتطوير مجتمعنا".
وقد وافق الأب كامالا سيمون من الكنيسة اللوثرية في دار السلام الشيخ قوله، واعتبر أن أساس المشكلة هو الانحلال الاخلاقي.
وأضاف، "خسرنا طريق الهدى، لذا فإن الناس ما عادوا يدركون قيمة الحياة. إننا كقادة دينيين يجب أن نبذل المزيد [من الجهد] في إعادة بلدنا على ما كان عليه فنحن نستحق أن نعيش بسلام بعيدا عن العنف".
على التنزانيين احترام القانون
هذا وأتت توصيات المركز بأن يلتزم المواطنون بالقانون واحترام سلطة الشرطة ومنفذي القانون. كما حث أجهزة إنفاذ القانون على احترام حقوق الانسان واستخدام مستوى معقول من القوة والتدخل الفوري للحكومة في الحالات التي ترتبط بالشعوذة.
من جانب آخر، قال النائب في البرلمان التنزاني اسماعيل آدن راجي لصباحي، إن جذور المشكلة التي تدفع إلى أعمال العنف هي النقص في فهم كيف يمكن للمواطن أن يلعب دورا في حماية حقوق الانسان والحريات المدنية.
وأشار على سبيل المثال إلى أنه خلال التظاهرات التي يحق للمواطنين تنظيمها، يجب اتباع قواعد المواجهة لضمان سلامة جميع الأفرقاء.
وقال راجي، "أبناؤنا يتظاهرون ضد المستشفيات والبنك المركزي والحكومة. وأمام قادة أحزابنا السياسية واجب توعية قواعدهم بعدم الدخول [بمواجهة] مع عناصر الشرطة".
من ناحيته، أكد وزير الداخلية إيمانويل نشيمبي، أن الحكومة وصلتها نسخة من تقرير المركز وأنها بعد المراجعة الدقيقة ستعلن عن خطة عمل لضمان الحفاظ على حقوق المواطنين وحمايتها.
وقال نشيمبي لصباحي، "الهدف هو التوصل إلى إنفاذ سيادة القانون، على الناس جميعا الالتزام بالقوانين المرعية ولن يحصل عمليات قتل مماثلة. وإننا كحكومة حريصون على تحقيق ذلك".
الصباحي