بدأ المواطنون في مختلف أنحاء الصومال يشعرون بتداعيات قرار منظمة أطباء بلا حدود الدولية بوقف جميع عملياتها في الصومال بسبب الوضع الأمني المتردي.
وقد أعلنت المنظمة في بيان أصدرته أنه "إضافة إلى عمليات القتل والاختطاف والانتهاكات التي يتعرض لها موظفوها، اضطرت منظمة أطباء بلا حدود لكي تعمل في الصومال إلى اتخاذ تدبير استثنائي والاستعانة بحراسة مسلحة الأمر الذي لم تضطر إلى القيام به في أي بلد آخر، كما تحملت فرض قيود هائلة على قدرتها على تقييم حاجات السكان بشكل مستقل والاستجابة لها".
وقال أحمد محمد خليف، مدير مستشفى بلدوين العام، إنه "سيكون لقرار أطباء بلا حدود تأثير كبير جداً على الشعب الصومالي ذلك أن المنظمة كانت توفر مجموعة واسعة جداً من الخدمات الطبية، كتلك الخاصة بعلاج الأولاد الذين يعانون من سوء التغذية والمرضى الذين يعانون من إصابات مختلفة إضافة إلى مساعدة الحوامل اللواتي يحتجن إلى عمليات توليد".
وخليف قد اختبر هذا التأثير بنفسه، ذلك أن منظمة أطباء بلا حدود أوقفت عملياتها في المستشفى الذي يديره في كانون الأول/ديسمبر عام 2012.
وقال خليف إنه منذ أن أعيد فتح المستشفى عام 2007، حصل 72 ألف مريض على المساعدة الطبية من المنظمة المذكورة. ولكن منذ أن غادرت المنظمة العالمية البلاد في نهاية العام الماضي مع مواردها المالية وعمالها الذين يتمتعون بالخبرة والكفاءة، يتخبط المستشفى لمعالجة الوضع الذي هو فيه.
فبعد مغادرة منظمة أطباء بلا حدود الصومال، تراجعت الخدمات المتوفرة في مستشفى بلدوين بصورة ملحوظة. وإضافة إلى فقدان فريق العمل المحترف الذي كان يعمل مع أطباء بلا حدود والإمدادات والمعدات الطبية، فقد المستشفى أيضاً غالبية موظفيه المحليين إذ أنه لم يعد قادراً على دفع رواتبهم بغياب الدعم المادي الذي كانت المنظمة تؤمنه له.
وأشار خليف إلى أن المنظمات المحلية الصغيرة تساعد المستشفى على الاستمرار في استقبال المرضى ولكنها حتماً لم تسد الفجوة التي خلفها رحيل منظمة أطباء بلا حدود.
كذلك، تساعد هيئات أخرى مثل عيادات بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (الأميصوم) على ملء هذا الفراغ، ولكن العديد منها يعمل بصورة مؤقتة ويعالج أمراضاً محددة كالكوليرا.
وعبّر خليف عن أمل ضئيل في احتمال أن تقوم أي منظمة أخرى بتأمين الخدمات التي كانت تغطيها أطباء بلا حدود بصورة مناسبة، طالما لم تتوفر حكومة فعالة تتمتع بالموارد الاقتصادية اللازمة لتلبية متطلبات الشعب الطبية.
ويُرجح انتشار قصص وآراء كالتي سبقت في الأسابيع والأشهر المقبلة، إذ أن منظمة أطباء بلا حدود كانت تدير مراكز طبية كثيرة في البلاد بما في ذلك مقديشو وأفغوي وداينيلي ودينسور وجلكاعيو وجيليب وجوهر وماريراي وبوراو.
مسافات أكبر ومساعدة أقل
بالنسبة للعديد من الصوماليين، تشير مغادرة منظمة أطباء بلا حدود البلاد إلى أنه سيصعب حصولهم على المساعدة أو سيصبح حتى مستحيلاً، بما أن المنظمة كانت تعمل في مدن وبلدات عديدة قريباً من الأشخاص الذين هم بحاجة إلى الدعم.
وفاطمة أحمدي، 35 عاماً، هي من الكثيرين الذين تأثروا بتوقف عمليات المنظمة. فتوجهت من جانالي إلى جزيرة في شابيلي السفلى، عابرةً 110 كيلومتراً من الأراضي الوعرة للوصول إلى عيادة منظمة أطباء بلا حدود على أمل أن يتمكن الأطباء من معالجة ابنها البالغ من العمر سنتين والذي يعاني من حالة حادة من سوء التغذية.
وازداد أملها في شفاء ابنها بعد أن تلقى العناية الطبية على فترة ثلاثة أيام في عيادة المنظمة في جزيرة، إلا أنه قيل لها بعد ذلك إنه سيتم تحويلها إلى مكان آخر بسبب إغلاق العيادة.
وأوضحت لصباحي "شعرت باستياء شديد عندما قيل لي إن منظمة أطباء بلا حدود علّقت عملياتها"، مضيفةً أن ابنها لا يزال مريضاً جداً وأنها قلقة جداً لعدم تحمّله سفرة أخرى.
وتابعت قائلةً إن فريق العمل التابع للمنظمة ساعد في نقلها وابنها إلى مستشفى بنادير في مقديشو وهي ممتنة لذلك كون ولدها يتلقى العلاج هناك بالرغم من بعد المستشفى عن بلدتها جانالي.
أما لول محمد، رئيسة قسم الأطفال والولادة في مستشفى بنادير في مقديشو، فعبّرت أيضاً عن مخاوفها حيال العوائق الصحية التي سيواجهها المستشفى نتيجةً لانسحاب أطباء بلا حدود.
وسيتم اليوم نقل العديد من النساء والأولاد الذين كانوا يستفيدون من خدمات طبية مجانية من قبل المنظمة، إلى مستشفى بنادير الذي هو غير قادر على تلبية حاجات المرضى.
وقالت "تم نقل العديد من مرضى منظمة أطباء بلا حدود إلى المستشفى لدينا مع أنه لا يعتمد على دعم الهيئات ويعمل موظفوه من دون تقاضي رواتب".
وسيؤثّر رحيل المنظمة الطبية أيضاً بصورة سلبية على الوضع المادي للعديد من الصوماليين الذين عملوا فيها، بمن فيهم الأطباء والمسؤولين وعناصر الأمن والأمناء والسواق.
وذكرت الدكتورة نجمة شيخ علي التي عملت في عيادة أطباء بلا حدود في جزيرة أنه ستظهر مشكلة توظيف أساسية، ذلك أنه تم صرف الكثير من الموظفين الذين يعملون لتأمين لقمة العيش لعائلاتهم من الخدمة دون إشعار مسبق.
وأضافت في حديث لصباحي أن "لكل موظف 10 أشخاص آخرين يعتمدون عليه"، معبرةً عن صدمتها وصدمة الموظفين الآخرين عند معرفتهم بقرار إغلاق عيادتهم.
وتابعت قائلةً "تمت الدعوة إلى اجتماع طارئ فيما كنت أعمل وجرى إخبارنا بأن العمل سيتوقف".
الصباحي