أصدر القضاء المصري قراراً بحبس الرئيس المعزول محمد مرسي بتهم تضم ‘الاشتراك في احتجاز وتعذيب مواطنين’، و’الشروع في قتل’ و’البلطجة واستعراض القوة وترويع المواطنين’، إضافة الى تهم أخرى سابقة بينها ‘اقتحام السجون’ وقضايا ‘تخابر وقتل وشروع بالقتل والسعي والتخابر مع حركة حماس′ اضافة الى قائمة طويلة أخرى من التهم.
وفي الوقت عينه قرر القضاء نفسه اخلاء سبيل الرئيس المصري المخلوع الأسبق حسني مبارك في قضية فساد متهم بها وتوقع محاموه خروجه من السجن هذا الأسبوع، كما تعاد حالياً محاكمة وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي وستة من كبار مساعديه اتهموا أيام انتفاضة 25 يناير بتهم تتصل بقتل المتظاهرين.
كانت إقالة النائب العام عبد المجيد محمود مطلباً شعبياً عاماً بعد ثورة 25 يناير المصرية، فالنائب المذكور كان من أعمدة حكم الرئيس حسني مبارك ويده القضائية التي يضرب بها أعداءه.
غير ان قرار محمد مرسي بتعيين طلعت عبد الله بدلاً من محمود لقي انقساماً في الرأي بين أوساط الشعب المصري ونخبه، لأنه صدر بموجب اعلان دستوري صدر في غياب البرلمان، الأمر الذي اعتبرته قوى المعارضة ‘تغوّلاً على سلطة القضاء’، وسرعان ما ارتفعت أصوات واحتجاجات مطالبة بإقالة النائب الجديد.
بعد الحركة التي أطاحت بمرسي واستهدفت جماعة الأخوان المسلمين أصدر القضاء المصري قراراً ببطلان تعيين طلعت عبد الله واعادة عبد المجيد محمود.
بذلك عادت قبضة مبارك القضائية للعمل، دون هوادة، على اعادة الساعة المصرية الى الوراء، لكنّ عملها، هذه المرّة، محمّل بطعم الانتقام المرير.
واذا كان عمل هذه الآلة الهائلة للنظام القديم لتبرئة رموزه التاريخيين وتحطيم أعدائه الجدد القدامى (الذين تجرأوا على تسيّدها بعد أن كانوا، لعقود من السنين، مظلوميها وضحاياها وسكان سجونها) مفهوماً، فمن غير المفهوم ولا المعقول أن تختار توقيتاً واحداً لتبرئة دكتاتور مثل مبارك الذي انحسرت فجأة تهم القتل والفساد ضده، وتجريم رئيس منتخب مثل مرسي الذي لا تني قائمة تهمه و’جرائمه’ تزيد يوماً بعد يوم.
فيما ينفتح المشهد المصري يوماً بعد يوم على مجازر ويغوص أكثر فأكثر في الدم، في انخفاض مطرد في منسوب السياسة والعقل والمبادئ الأخلاقية، يفتّش العربيّ الذي كان يبحث دائماً عن أية بارقة أمل تقول ان من يتحكمون (أو يظنون أنهم يتحكمون) بهذا المشهد قادرون على العودة الى حقائق الواقع والاقتصاد والجغرافيا والتاريخ بدل أوهام الانتصار على الآخر الذي ليس سوى هم أنفسهم.
في استغلال أتباع النظام القديم حالة الاستقطاب الهائلة لدى الشعب المصري لتصفية حساباتهم بهذه الطريقة الاستفزازية إساءة كبيرة للقضاء المصري الذي كان، بالمقاييس العامّة العربية، ملجأ من ملاجئ الشعب المصري ضد توحّش سلطاته التنفيذية وأدواتها الأمنية.
أملنا مستمر بأن القضاء المصري، مثله مثل مصر وشعبها العظيم، قادر على استعادة البوصلة.
القدس العربي