قبل أشهر قليلة كان اجماع المصريين حاصلا على أن الجيش المصري خط احمر وأن العبث بالجيش المصري درب للعبث بعمود البيت المصري
إذن أين هي المشكلة؟؟ لماذا انتهى شهر العسل سريعا بين الإخوان والعسكر؟ من الذي أخطأ في الحسابات، وهل هناك إمكانية لمقارنة تصرف الإخوان، بما قامت به محاولات إسلامية أخرى في مشرق العرب ومغربهم؟ وهل مآلات الأوضاع في مصر ستشبه تلك التي عرفتها تجارب الصدام بين الإسلاميين والأنظمة مشرقا ومغربا؟ هذه أسئلة جوهرية وكبيرة وتحتاج ورشات عمل وتقديم كثير من المعطيات والأبحاث كي نتوصل إلى قراءة أمينة وعلمية وموضوعية بعيدا عن الأوهام والتنطعات والتشويه لحقائق التاريخ والجغرافيا..ولكن بحكم المسموح به من مساحة سأتجنب التحليل والبحث وسأكتفي بالإشارة والتوصيف وإعطاء رؤوس أقلام تكون كافية بدحض بعض المقولات المتسربة إلى الرأي العام.
إن قوى اجتماعية ثقافية عريقة ممتدة منذ نهايات القرن الثامن عشر، حيث توّلدت نخبة متغربة تشعبت في أوساط المثقفين والإعلاميين بل أصبح هناك طبقات اجتماعية تدافع عن نمط حياة مختلفة، وهذا أوجد في النهاية تيارا له رموزه في كل مناح الحياة، وهو بالضرورة يجد في الدعوة إلى عودة الهوية العربية الإسلامية لمصر تصادما مع حسه وذوقه .. ثم هناك تيارات فكرية وسياسية من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين مرورا بالقوميين والناصريين والزعامات الوطنية تجد في دعوة الإخوان المسلمين خصومة فكرية وسياسية..ولا تستسلم بسلاسة إلى الأمر الواقع بأن الإخوان قوة سياسية اجتماعية هي الأكبر حجما، والأوسع انتشارا في مصر..والإخوان ليسوا فقط قوة سياسية كبيرة بل الاجتهاد السياسي الفكري الاسلامي السني الذي تمكن من أن يصبح في مرجعيته القاعدة الأساسية في تفكير كل من يتبنى العمل الاسلامي ويدعو للمشروع الاسلامي في العالم السني، ولم يتوقف دور الاخوان المسلمين إلى هذا الحد بل كان لاشتباكهم المباشر ضد الكيان الصهيوني والاحتلال البريطاني في قناة السويس أثر واضح في تكوين صورة عنهم وفي تشكيل نفسيتهم، حيث مثلوا الحضن المولد لحركة التحرير الوطني فتح في فلسطين والحضن المولد لحركة الجهاد الاسلامي في فلسطين، قبل أن تولد حركة حماس..من هنا كان الاشتباك بين القوى السياسية والاجتماعية والثقافية بل والملية في مصر مع الاخوان المسلمين وبرنامجهم اشتباكا حادا وعنيفا وأصاب الاعتقاد التيار المضاد للاخوان بهلع وخوف من محاولات إقصاء تامة لهم فانتفض التيار المضاد للإخوان، فيما تحالفت القوى الاسلامية واصطفت مع الاخوان، وأصبح الاشتباك حول صناديق الانتخابات.
جماعة الاخوان المسلمين ثورية في جوهرها لكنها تقليدية في ممارستها وأدواتها، وهي تميل بطبيعة تكوينها إلى التسلسل والتدرج طويل النفس المرفوق بالسلمية والتوسط والاعتدال..وهي ليست خليطا من مشارب عدة حول برنامج إنما هي نسيج خاص فقهي وثقافي مختلف تماما ولا ينتمي إلى مدرسة معينة إنما هي محاولة تجميعية وانتقائية ولذا من الصعب أن تحال إلى مذهب أو اجتهاد بشكل صارم إنما هي تحاول أن تتجاوز كل خلافات تاريخية فقهية وسياسية وأن تصهر معارفها في اتجاه جديد يوحد ويرفض التفرقة بين المسلمين ويجعل من الاسلام جنسيته.
من هنا كان الخوف المستمر من حركة الاخوان المسلمين يسكن قلوب الخصوم الذين يروا فيها قوة عصية على التدجين والاختراق والانشقاق..صحيح هي لينة ورخوة أحيانا ولكنها لاتبلع، فسواها ممن يتشددون يبدو أنهم أشداء، ولكن كسرهم سهل وابتلاعهم أسهل.
انفجرت الأزمة بين التيارين في مصر وكان الانفجار مدعوما من الخارج، حيث التقت الليبرالية المصرية بالنظام الملكي بالسعودية، حيث الخشية القاتلة أن تنتقل المرجعية الاسلامية السنية في الأمة إلى مصر..فكانت مليارات السعودية تنصب على طبقات من التيار المخاصم للإخوان لإسقاط التجربة..
وجد الجيش المصري نفسه في دوامة التشاحن والخصومة فكان قراره الذي نعرف والذي نتجت عنه الأحداث الدامية في ميادين القاهرة والاعتقالات الواسعة لقيادات وعناصر الاخوان.
يجب تسجيل عدة نقاط هنا..أولها أن الإخوان المسلمين أعلنوا بوضوح وقوة أنهم سلميون ويريدون تصحيح الأمور وإعادة الشرعية بسلمية، والتزموا إلى حد كبير بذلك..ثانيا أن الشهرين السابقين كانا أكبر حملة انتخابية للإخوان وقد تمكن الإخوان من كسب أنصار كثر على طول وعرض الجمهورية من خارج معسكرهم إذ ظهر للعيان أنهم في موقع الشهيد والمظلوم..وأصبح من الواضح أنهم أتقنوا مسألة الرفض بصبر كبير خلال شهر رمضان وبفاعلية أربكت خطوات خارطة الطريق التي أعلن عنها وزير الدفاع المصري..
لقد كان من الممكن والأفضل أمام المصريين الانتظار حتى الانتخابات البرلمانية القريبة، ويقول كثير من المراقبين إنها سوف تكون في غير صالح الاخوان، وحينذاك يتم تخفيض سقف الإخوان وستتشكل حكومة من غيرهم يكونوا فقط مشاركين فيها وحسب الدستور فلرئيس الحكومة صلاحيات أكبر من رئيس الجمهورية وكنا بهذه الطريقة نتجنب التصادم ونحسن صناعة التعايش بين تيارين شديدي الخصومة.
لازال في الوقت متسع، وهناك ضمانات لنجاح يتم تحقيقه، فالإخوان جماعة سلمية، ولكن لايمكن تجاوزها أبدا..الحل أمام الجميع، الاحتكام مجددا لرأي الشعب، وهكذا لن تكون مصر تكرارا لتجربة سواها .. والله يحمي مصر ويعصم دماء أبنائها.