تطالب هيئات المجتمع المدني الحكومة الفيدرالية والإدارات الإقليمية باتخاذ قرارات حاسمة على المستوى الأمني والقضائي من أجل إقناع منظمة أطباء بلا حدود بالعودة عن قرارها بوقف العمل في الصومال.
فبعد توفير خدماتها للصوماليين على مدى 22 عاماً، رأت منظمة الإغاثة الدولية أن الوضع الأمني أصبح خطيراً جداً مما يمنعها من متابعة عملياتها في البلاد.
وقد ترك هذا القرار آلاف الصوماليين من دون رعاية طبية كما أدى إلى إنهاء خدمة العمال الصوماليين الذين كانوا يعملون مع المنظمة.
وقال مدير منظمة الجهات الفاعلة غير الحكومية في جنوب ووسط الصومال، عبدالله محمد شيروا، إن "الأشخاص التابعين لمنظمة أطباء بلا حدود تعرضوا للقتل والخطف، وبالتالي على الحكومة [الفيدرالية] والإدارات الإقليمية أن تتحمل مسؤولياتها بضمان أمن أطباء بلا حدود ومنظمات الإغاثة الأخرى".
وشدد شيروا على ضرورة أن تعزز الحكومة جهودها لتسهيل عمل هؤلاء الشركاء العالميين إذ أن "على الحكومة حمايتهم"، وذلك نظراً لمدى اعتماد الشعب الصومالي على مختلف أنواع المساعدات التي توفرها الدول الأجنبية والمنظمات الدولية.
وفي هذا الإطار، أوضحت الدكتورة لول محمد، مديرة قسم الأطفال والولادة في مستشفى بنادير العام، أن منظمة أطباء بلا حدود شعرت بالإحباط لرؤية البيئة التي كان فريق عملها مجبراً على العمل فيها، علماً أنها لم تكن تلاحظ أي تحسن في الأوضاع.
وقالت محمد لصباحي "إذا كنت تعمل دوماً في ظروف قاسية، وأصبح الوضع أسوأ كلما ظننت أنه في تحسن، فستستسلم حتماً في النهاية".
وأشارت إلى أن هيئات الإغاثة الأخرى ستحذو حذو منظمة أطباء بلا حدود وستوقف عملياتها في البلاد في حال لم يتخذ الصومال إجراءات لضمان حمايتها.
وأضافت أن "على الحكومة وضع استراتيجية واضحة لطمأنة هيئات [الإغاثة الطبية] أو للاكتفاء ذاتياً والعمل على تخصيص ميزانية للرعاية الصحية. واللوم في الحقيقة لا يقع هنا على أطباء بلا حدود".
من جهته، أكد النائب محمد عمر دلحا على أن منظمة أطباء بلا حدود والشركاء العالميين الآخرين كانوا ولا يزالون يلعبون دورا ًلا غنى عنه على صعيد إعادة إعمار الصومال.
وقال إن "هذه المنظمات أمنت دعماً كبيراً للصوماليين خلال فترة غياب الاستقرار المطولة والأزمة الإنسانية التي تشهدها البلاد. وكان يجب أن يتحمل جميع الصوماليين مسؤولية حماية وضمان سلامة موظفي هيئات الإغاثة".
وموضحةً قرار مغادرتها الصومال الأسبوع الماضي، أعلنت منظمة أطباء بلا حدود أن "الجماعات المسلحة الصومالية والقادة المدنيين يقومون على نحو متزايد بدعم والتسامح أو التغاضي عن عمليات القتل والاعتداء على عمال الإغاثة الإنسانية واختطافهم".
وقد نصح مؤخراً عدد من المراقبين الحكومة الفيدرالية بطلب مساعدة القوات الدولية في تدريب وتجهيز العناصر الأمنية الصومالية في إطار الجهود المبذولة لتحسين الوضع الأمني.
ضرورة تحمل الحكومة الصومالية مسؤولياتها
وفي نهاية المطاف، تُلام الحكومة على رحيل منظمة أطباء بلا حدود، حسبما أكد النائب عبدي باري.
وأوضح أن الإدارة فشلت في توفير الحد الأدنى من المعايير الأمنية في مقديشو التي يعتبرها الجميع مؤشراً لعودة الحياة الطبيعية إلى الصومال.
وتابع باري قائلاً إن الحكومة كانت مهملة بشكل خاص في تعاملها مع قضية أحمد سالاد فاري الذي أطلق سراحه في كانون الثاني/يناير 2013، أي بعد أقل من عام على صدور حكم بحقه بالسجن لمدة 30 عاماً على خلفية قتله اثنين من عمال منظمة أطباء بلا حدود عام 2011، هما الدكتور كاريل كيلوهو وفيليب هافيه.
وعند إطلاق سراح فاري، كشفت وسائل الإعلام المحلية عن مخالفات ارتكبها ثلاثة مسؤولين في المحكمة وترتبط باستئناف حكم فاري وإطلاق سراحه. وقال رئيس المحكمة العليا، عيديد عبدالله إلكا-حنف، في مؤتمر صحافي في 8 كانون الثاني/يناير الماضي إنه "بعد إدانته، تقدم بطلب استئناف للحكم وأُطلق سراحه في وقت لاحق بشكل سري".
وذكر إلكا-حنف أن فاري غادر البلاد بعد أن أطلق سراحه، ولكن مكان تواجده مجهول حالياً. وأضاف أنه تم صرف المسؤولين الثلاثة في المحكمة المتورطين في عملية إطلاق سراحه من الخدمة، ولكن لم يقدم أي تفاصيل حول ما إذا كانت ستُوجه تهم إليهم.
وقال باري "إذا كان القاتل قد هرب فعلاً، فكان علينا التحقيق مع أولئك الذين ساعدوه"، مضيفاً أنه لو تعاملت الحكومة مع القضية بشكل أفضل، لما كان الأشخاص المستفيدون من منظمة أطباء بلا حدود قد عانوا من التداعيات.
وبدوره، عبّر رئيس المنظمة الدولية، الدكتور أوني كاروناكارا، عن مخاوفه حيال الإهمال الذي لوحظ في القضية المذكورة وعما يمكن استنتاجه عن الوضع الأمني في الصومال.
وقال للصحافيين في 14 آب/أغسطس "تمت محاكمة هذا الشخص في محكمة صومالية وصدر بحقه حكم بالسجن لمدة [30] سنة ولكن أطلق سراحه بعد ثلاثة أشهر. وإننا نجهل مكان تواجده وليست لدينا أي معلومات عن حاله وعما يفعله وغير ذلك. ولكن مخاوفنا تتمحور حول ما يشير إليه ذلك من غياب للاحترام نوعاً ما أو ما قد يُعتبر غض نظر عن الهجمات التي يتعرض لها عمال الإغاثة والأشخاص الذين يوفرون المساعدة للصوماليين".
نقطة تحول لمنظمة أطباء بلا حدود
وإن هذه الحادثة وعملية خطف حركة الشباب لعاملي إغاثة تابعين لأطباء بلا حدود من مجمع داداب للاجئين في كينيا في تشرين الأول/أكتوبر 2011، دفعتا المنظمة إلى الحد من عملياتها في مقديشو بمعدل النصف وإغلاق اثنين من أكبر مراكزها الطبية في المدينة.
وبعد مرور أقل من شهر على إطلاق سراح المخطوفين التابعين لها، أعلنت المنظمة عن مغادرتها الصومال، مشيرةً إلى أن الحادثين شكلا نقطة تحول دفعتها إلى مغادرة البلاد.
وأعلنت أطباء بلا حدود في بيان صحافي صدر في 14 آب/أغسطس الماضي أن "الحادثين يليان سلسلة من الانتهاكات الخطيرة. وقُتل 14 عنصراً آخر من فريق عمل منظمة أطباء بلا حدود وتعرضت المنظمة لعشرات الهجمات التي استهدفت فرق عملها وسيارات الإسعاف والمرافق الطبية التابعة لها منذ عام 1991".
وبعد ساعات قليلة من إعلان المنظمة انسحابها من الصومال، نفذ مقاتلو الشباب أعمال نهب في مستشفيات أطباء بلا حدود في منطقتي باي وجوبا الوسطى.
وقد ذكر السكان أن مقاتلي الشباب المدججين بالأسلحة دخلوا المستشفى بالقوة وأخذوا المعدات الطبية وأجهزة الكمبيوتر والأدوية.
ولم تكن تلك المرة الأولى التي يخلق فيها مقاتلو الشباب جواً من التوتر ويستغلون سوء الأوضاع على حساب راحة الشعب الصومالي.
وخلال فترة الجفاف التي شهدتها البلاد في تموز/يوليو 2012، سرقت عناصر الشباب المساعدات الغذائية الإنسانية التي كانت مخصصة للمواطنين واستهلكتها.
كذلك، منعت الشباب بصورة متكررة منظمات الإغاثة من العمل في المناطق التي تقع تحت سيطرتها، معطلةً بذلك حملات التلقيح الوقائية وعملية توفير المساعدة الطبية الدورية للمواطنين.
والأسبوع الماضي، أكدت وزارة التنمية الدولية البريطانية على أن مقاتلي الشباب سرقوا مساعدات كانت موجهة إلى الصومال قيمتها 750 ألف دولار بين تشرين الثاني/نوفمبر 2011 وشباط/فبراير 2012.
نداءات موجهة إلى منظمة أطباء بلا حدود للرجوع عن قرارها
أعلن رضوان حاجي عبدالولي، المتحدث باسم رئيس الوزراء الصومالي عبدي فارح شردون، أن الحكومة الفيدرالية الصومالية تشعر بالاستياء الشديد حيال قرار منظمة أطباء بلا حدود بوقف عملها الإنساني في البلاد. ودعا المنظمة إلى العودة عن قرارها.
وأوضح عبدالولي لصباحي أن وزارة الأشغال العامة وإعادة الإعمار تعمل جدياً على دراسة الشكاوى التي عبرت عنها المنظمة.
ولكن من جهة أخرى، قالت منظمة أطباء بلا حدود إنه لا يكفي أن تعد الحكومة الفيدرالية بإجراء تحسينات أمنية، ذلك أن سلامة عمالها لا تتوقف فقط على ما تنفذه الحكومة في فترات النزاع.
وذكرت المسؤولة الإعلامية الإقليمية لشرق أفريقيا، هيذر باغانو، "عملنا حيادي، مما يعني أن سلامتنا يجب أن تستند إلى مفاوضات تشمل كل الأطراف المعنية".
وأضافت باغانو أن المنظمة قد تستأنف عملياتها في الصومال في حال اتخذت الأطراف السياسية والميليشيات وهيئات المجتمع المدني خطوات فعالة لتحسين الوضع.
وأوضحت لصباحي أن على هذه الأطراف أن "تتوعد باحترام عملنا والعمال الذين نوظفهم لتوفير الخدمات الطبية للشعب الصومالي".
يُذكر أن انسحاب منظمة أطباء بلا حدود أثّر أيضاً على المراكز الطبية في مناطق أرض الصومال وبونتلاند.
فقال أحمد عمر حاجي، حاكم توغادير حيث كانت المنظمة تدير مستشفى بوراو، إن إدارة أرض الصومال الإقليمية لطالما دعمت فريق عمل المنظمة وأمنت حمايته.
وتابع قائلاً "لم تواجه أطباء بلا حدود أي مشاكل عندما كانت تعمل في أرض الصومال"، داعياً المنظمة إلى الرجوع عن قرارها.
ومن جانبه، قال وزير الصحة في بونتلاند، علي عبدالله ورسامي، "تسرّعت منظمة أطباء بلا حدود في الانسحاب من مناطق بونتلاند".
وأشار ورسامي إلى أن المنظمة كانت تدير مستشفيات في بور تنلي وجلكاعيو وقد بقي العديد من المرضى في وضع حرج بعد مغادرتها، لا سيما أولئك الذين يتلقون علاجاً ضد السل.
وفي السياق نفسه، طالب نابادون محمد حسن هاد، وهو أحد وجهاء القبائل، المنظمة بالتفكير في القرار الذي اتخذته وبمواجهة الوضع الصعب الذي يعيشه الصومال إلى جانب الصوماليين الأبرياء، والاستمرار في مساعدة الناس وخاصةً في جنوب الصومال حيث يعاني السكان من حكم الشباب.
الصباحي