عندما أطلقت مجموعة دول شرق أفريقيا ميزانيتها التموينية الإقليمية الشهر الماضي على شبكة الإنترنت بدا الأمر وكأن الدول الخمس الأعضاء في المجموعة قد وضعت أخيراً صورة شاملة وموثوقة ومعدّة في وقتها المناسب للمخزون الغذائي للكتلة التجارية لهذه المجموعة.
ولكن على الرغم من الترحيب الذي عبّر عنه المراقبون بإطلاق الموقع الخاص بهذه الموازنة على الإنترنت، إلا أن البعض شكك فيما إذا كانت هذه الموازنة تقدم صورة تامة ودقيقة عن المخزونات الغذائية المشتركة في الدول الخمس الأعضاء في المجموعة، وهي: كينيا وتنزانيا وأوغندا وبوروندي ورواندا.
والموازنات التموينية العامة عبارة عن تقديرات أساسية للمحاصيل المحلية ولإنتاج الماشية والواردات والصادرات من الأغذية بالإضافة إلى الأنماط الاستهلاكية. وعندما تكون نوعية البيانات الخام جيدة في هذه الموازنة فإنها تعدّ أفضل الطرق لتوقع حجم الفائض أو العجز بالنسبة لبلد ما أو منطقة ما، بحسب الخبراء.
ومن بين الأشخاص الذين أثاروا مخاوف بشأن ما إذا كانت مجموعة دول شرق أفريقيا جاهزة لإعداد ميزانية تموينية إقليمية، جيفري ر. نجيرو، زميل بحث وتدريس بمعهد الدراسات الإنمائية بجامعة نيروبي.
ويرى نجيرو أن من بين المشكلات التي تعاني منها المجموعة هو النقص في عدد الباحثين الزراعيين الأكفاء في مختلف بلدان المنطقة الذين يمكنهم جمع بيانات يمكن الاتكال عليها عن المخزونات الغذائية.
وقال نجيرو في حديث لصباحي إن "هناك أيضاً عدم كفاية في تمويل المشروع (1.5 مليون دولار) وتردد الدول الأعضاء في الكشف عن معلومات حساسة تتعلق بمخزونها الوطني من المواد الغذائية وتلاعب في البيانات لأغراض اقتصادية. كل ذلك يقع ضمن مشاكل المرحلة التأسيسية التي ينبغي على مجلس الحبوب لشرق أفريقيا والوكالة التابعة لمجموعة دول شرق أفريقيا المسؤولة عن إعداد الميزانية التموينية الإقليمية معالجتها إذا ما أُريد للمشروع أن يؤتي أُكله".
وأضاف نجيرو بأنه "سيتعين أيضاً على مجلس الحبوب لشرق أفريقيا استغلال موظفي الأبحاث الزراعية الخاصين به في مختلف أنحاء المنطقة والذين ينبغي عليهم العمل على نحو وثيق مع المركز الوطني للبيانات الغذائية ومركز الإحصاءات التابعيّن لكل حكومة من الحكومات".
يذّكر أن الزراعة تمثل قسم كبيراً من الاقتصاد الإقليمي لهذه المنطقة.
واوضحت خطة العمل الخاصة بالأمن الغذائي لمجموعة دول شرق أفريقيا، وهي خطة توضع كل أربع سنوات وتم نشرها في شباط/فبراير عام 2011، "تبلغ النسبة التقديرية للقوة العاملة بطريقة أو بأخرى في قطاع الأغذية في مجموعة دول شرق أفريقيا ما بين 70 و80 بالمائة". كذلك "يمثل القطاع الزراعي ما نسبته 24 إلى 48 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي للدول الأعضاء" في المجموعة.
وتعتبر الميزانية التموينية الإقليمية، حسب الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، أداة لها أهميتها ضمن الجهود التي تبذلها مجموعة دول شرق أفريقيا في سبيل إنشاء سوق مشتركة من شأنه أن يتيح المجال أمام حرية حركة السلع والأشخاص والخدمات.
وقالت الوكالة في تقرير لها صدر في حزيران/يونيو 2012 حل الميزانية التموينية الإقليمية إن ذلك سيتضمن أيضاً "حرية حركة السلع الغذائية الأساسية في المنطقة".
وجاء في تقرير الوكالة أن "مجموعة دول شرق أفريقيا حددت الميزانية التموينية الإقليمية أداة هامة لتعزيز التجارة داخل الإقليم لكونها تزود صناع السياسات بالبيانات التي يحتاجونها من أجل اتخاذ قرارات مطلعة بشأن السياسات التي تؤثر على الأمن الغذائي للإقليم" حيث "توفر الميزانية التموينية الإقليمية صورة تحليلية دورية عن المخزونات المتوفرة من جملة من السلع المتفق عليها أنها سلع أساسية هامة".
وقد عمل نجيرو رئيس فريق البحث الخاص بإعداد تقرير مشروع الميزانية التموينية الإقليمية الذي فوض بإعداده مجلس الحبوب لشرق أفريقيا حيث نُشر التقرير في أيار/مايو 2010. وقال نجيرو إنه كان من المستحسن لو أن مجموعة دول شرق أفريقيا أرجأت إطلاق الميزانية قليلاً حتى تكون الدول الأعضاء قد استعدت.
وأضاف نجيرو أن "من الممكن للعملية أن تنجح طالما قامت الحكومات الإقليمية بزيادة التمويل الذي ينبغي توجيهه نحو حل مشكلة نقص الباحثين وتأسيس مراكز لبنوك المعلومات الغذائية مكتملة الأركان".
وأوضح نجيرو أنه كي يتسنى للميزانيات أن تكون فعالة ينبغي على الحكومات استحداث برامج لتثقيف المزارعين وغيرهم من أصحاب المصلحة الذين من شأنهم أن يستفيدوا من البيانات وأن عبارة "ميزانية تموينية لا تزال عبارة لا يفهمها [سوى] دائرة محدودة من أصحاب المصلحة".
وكان من المقرر أن يُطلق مجلس الحبوب الميزانية التموينية الإقليمية خلال العام الماضي، حسب الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. وفي نيسان/أبريل، أطلق المجلس اللجان الدائمة المعينة بالميزانية التموينية في مختلف أنحاء المنطقة حيث تألفت هذه اللجان من فاعلين من القطاعين الخاص والعام إلى جانب وكالات إغاثية. وقد أُنيطت بهذه اللجان مهمة جمع وتصنيف البيانات الوطنية من كل بلد من بلدان المجموعة.
وقال دانييل أوسيمو، المنسق الوطني لبرنامج القطاع الزراعي بوزارة الزراعة والثروة الحيوانية والأسماك في الحكومة الكينية، إنه من أجل ضمان دقة البيانات الواردة في الميزانية فإنه سيتعين على مجلس الحبوب "الإسراع في تنفيذ نظم المعلومات الغذائية والتدابير الناظمة لها، والتي كان من المفترض إنشاؤها بحلول العام الماضي بهدف التحقق من دقة المعلومات الداخلة في نظام بنك المعلومات الغذائية".
من جانبه قال ريتشارد و. سنديغا، مدير الشؤون الاقتصادية بوزارة شؤون مجموعة دول شرق أفريقيا الكينية، إن الميزانية التموينية مصممة من أجل الإسهام في الحد من النزعة الحكومية الحمائية – من قبيل الحظر الجزافي والقيود التجارية على الحبوب- عن طريق جعل المعلومات المتعلقة بنواتج الأغذية على المستوى الإقليمي في متناول يد المسؤولين في كافة حكومات مجموعة شرق أفريقيا.
إلا أن استحداث عمليات وطرق علمية لجمع البيانات تتسم بالموثوقية ليست بالمهمة السهلة، حسب سنديغا.
وأضاف سنديغا قائلاً "أعتقد أنه ينبغي على الحكومة أن تشجع المزارعين على تكوين جمعية لمنتجي الحبوب يمكنها أن تفيد في جمع البيانات الزراعية ونشرها".
ودعا سنديغا أصحاب المصلحة إلى التحلي بالصبر مشيراً إلى أن العمل على إعداد الميزانية التموينية جارٍ وأنه تشوبه باستمرار ثغرات يتوجب التعامل معها.
وقال إنه "من الواضح أن البيانات الموجودة لدينا في بوابة الميزانية التموينية الإقليمية هي أبعد من أن يُقال عنها إنها [بيانات] علمية بالمعنى الإحصائي للكلمة، إلا أنها تزودنا بصورة تقريبية للوضع الغذائي العام في المنطقة وبالتالي فهي مفيدة للأغراض الاقتصادية".
الصباحي