قال خبراء في المجال الإعلامي والقانوني إن القرار الذي اتخذته الحكومة التنزانية مؤخراً بتعليق عمليات نشر صحيفتين يوميتين يقوّض مبدأ الحوكمة السليمة ويشوّه صورة تنزانيا في الخارج.
وبدءاً من 27 أيلول/سبتمبر، تم إغلاق صحيفة موانانشي لمدة 14 يوماً وصحيفة متنزانيا لمدة 90 يوماً، بحجة أنهما نشرتا مقالات مثيرة للفتنة وصفتها الحكومة بأنها تهدد الأمن الوطني وتنتهك السلام والتضامن في البلاد.
وقد استندت الحكومة إلى قانون الصحافة الذي أصدر عام 1976 لإيقاف الصحيفتين عن العمل.
وأشار المحامي نيارونيو مويتا كيشيري إلى أنه كان من المفترض أن يتم إلغاء القانون عام 1992 عندما تم إدراجه في قائمة القوانين الـ40 التي نصحت لجنة نيالالي بإبطالها، وقد سميت اللجنة المذكورة على اسم فرانسيس نيالالي الذي كان آنذاك رئيساً للقضاة.
وقال كيشيري إن "هذا القانون يضع سلطة استثنائية في يد وزير واحد يستطيع اتخاذ قرار إغلاق صحيفة من دون منح المالكين أو الصحافيين فرصة التعبير عن ارائهم. إنه قانون سيء على كل الأصعدة".
وذكر أن تنزانيا من الدول الموقعة على شراكة الحكومة المنفتحة التي تطالب الحكومات بإظهار شفافية تامة للمواطنين مهما فعلت.
يُذكر أن المقالات التي تسببت بإغلاق الصحيفتين هي مقالة موانانشي المرتكزة إلى مستندات سرية بشأن الرواتب الحكومية ومقالة متنزانيا التي تحمل عنوان "المسلمون يصلون تحت الرقابة المشددة" والتي أظهرت صورة كلب من الشرطة الحكومية، الأمر الذي فسّره البعض بأنه إشارة إلى أن الحكومة ترسل الكلاب إلى المساجد.
وفي هذا السياق، أكد المسؤول التنفيذي في المجلس الإعلامي التنزاني، كاجوبي موكاجانغا، إن إغلاق الصحيفتين يُضعف الديموقراطية.
وأضاف موكاجانغا في حديث لصباحي أن "الخطوات التي تتخذها الحكومة مؤسفة ولا تمت للديموقراطية بصلة وقد أرجعت البلاد إلى عشرات السنين في سعيها إلى بناء مجتمع ديموقراطي يحترم حرية التعبير والإعلام".
وأوضح أن حرية التعبير هي أكثر حق بديهي يمكّن إحقاق حقوق أخرى، مضيفاً أن على تنزانيا السعي للحفاظ عليه قبل كل شيء.
ويوم الأربعاء، 9 تشرين الأول/أكتوبر، احتجت الجهات المعنية في وسائل الإعلام التنزانية المستقلة على حملة إغلاق الصحف التي حصلت مؤخراً وأصدرت بياناً أعلنت فيه مقاطعة كل الأخبار المتعلقة بوزير الإعلام والثقافة والرياضة فينيلا مكانغالا ومدير خدمات الإعلام التنزانية أساه أندرو موامبيني لفترة غير محددة.
لهذا الوضع سوابق
وموانانشي ومتنزانيا ليستا أولى الصحف التي قامت الحكومة بغلقها مؤخراً.
فتم إغلاق موانا هاليسي، وهي صحيفة تجري تحقيقات أسبوعية، إلى أجل غير مسمى في تموز/يوليو 2012 بعد أن نشرت ما وصفته الحكومة بالـ"مقالات مثيرة للفتنة والخالية من الصحة".
وخلال شهر تموز/يوليو، نشرت موانا هاليسي سلسلة من المقالات حول الهجوم الذي استهدف رئيس الرابطة الطبية التنزانية ستيفن أوليمبوكا في شهر حزيران/يونيو الماضي.
ويُذكر أن أوليمبوكا كان يقود تظاهرة في مواجهة بين الحكومة والأطباء بشأن زيادة الرواتب عندما تعرض للخطف والضرب والتعذيب.
وذكرت موانا هاليسي أن ضابطاً من جهاز الاستخبارات تواطأ مع ثلاثة آخرين في الهجوم الذي استهدف أوليمبوكا. ونشرت الصحيفة أيضاً أرقام هواتف الذين ادعت أنهم ارتكبوا الهجوم، كاشفةً عن الوقت والمكان حيث أجريت الاتصالات للتخطيط لعملية الخطف.
وقال سعيد كوبينيا، صاحب ورئيس تحرير موانا هاليسي، "إذا كان ما نشرناه عن المهاجمين خطأ، فالمنطق يؤكد لي أنه كان على الحكومة الكشف عن النسخة الصحيحة التي تبرئ تلك العناصر الأمنية".
وأكد لصباحي أن "صمت الحكومة هو اعتراف بأن أجهزتها كانت وراء الهجوم بطريقة أو بأخرى".
وبعد أن نشرت موانا هاليسي سلسلة المقالات، نفت الحكومة فوراً تورط ضابط الاستخبارات وقالت إن القصة تحتوي على اتهامات لا أساس لها تهدف إلى إثارة وتحريض الشعب.
واعتُقل المواطن الكيني جوشوا موروندي لتنفيذ الهجوم وأدين في محكمة كيسوتو القضائية في أيلول/سبتمبر عام 2013. وحكمت عليه المحكمة بقضاء ستة أشهر في السجن أو دفع غرامة بقيمة 1000 شلن (0.62 دولار).
وقد دفع موروندي الغرامة وأُطلق سراحه.
يُذكر أن الحكومة استعملت في السابق قانون الصحافة لتعليق عمل موانا هاليسي في تشرين الأول/أكتوبر 2008 لثلاثة أشهر بسبب مقالات اعتُبرت مثيرة للفتنة ومهينة للرئيس، حسبما ذكرت لجنة حماية الصحافيين.
إبطال قانون الصحافة الصادر عام 1976
وظل أبسالوم كيباندا، مدير تحرير متنزانيا، يدافع عما جاء في مقالة صحيفته، ولكنه قال إنه حتى في حال ارتكبت الصحف خطأً، يبقى العقاب قاسياً جداً.
وأوضح لصباحي "إن إغلاق صحيفة أمر غير مقبول ولكن إغلاقها أيضاً لمدة 90 يوماً هو أمر لم أتصوره يوماً. إن القانون المستعمل سيء وعلى النواب أن يبحثوا في إمكانية إبطاله في أقرب وقت ممكن".
وفي 6 تشرين الأول/أكتوبر، أصدر نائب زعيم المعارضة، زيتو كابوي، بياناً صحافياً قال فيه إنه طرح مشروع قانون على رئيس الجمعية الوطنية من أجل إبطال قانون الصحافة للعام 1976.
كذلك، أصدر منتدى محرري تنزانيا إضافة إلى عدد من المنظمات الإعلامية الدولية وبعض السياسيين بيانات لاموا فيها الحكومة على قرارات إغلاق الصحف وطالبوا فيها النواب بإبطال القانون المذكور.
وقال مستشار شرق أفريقيا في لجنة حماية الصحافيين، توم رودز، إنه "كان بإمكان الحكومة أن تطرح شكواها ضد موانانشي ومتزانيا على مجلس تنزانيا الإعلامي أي ما يعتبر أمين المظالم، عوضاً عن تعليق المنشورات من دون أمر قضائي. ندعو السلطات إلى السماح للصحف باستئناف النشر وإلى إصلاح القوانين التي تجيز قرارات التعليق تلك، وهي قرارات لا تتوافق مع المعايير الدولية لحرية الصحافة".
أما نيفيلي مينا، محرر موانانشي وأمين عام منتدى محرري تنزانيا، فأكد على أن محرري الصحف يدرسون احتمال اتخاذ إجراءات قضائية بحق الحكومة.
ولكن دافع مدير خدمات الإعلام في تنزانيا، أساه موامبيني، عن موقف الحكومة مشيراً إلى أن السلطات لم تتصرف خارج نطاق القانون بل اتبعت كل الإجراءات اللازمة.
وقال لصباحي "حذرنا [الصحف] مرات عديدة، حتى اننا طلبنا من متنزانيا تقديم أسماء محررين يتمتعون بالكفاءة ذلك أن من يتسبب بالمشاكل لم يدرس الصحافة قط، ولكنها لم تتصرف بهذا الشأن. وبالتالي أُجبرنا على اتخاذ تلك التدابير لأغراض أمنية".
وقال موامبيني إن المشاكل لا تقع أبداً طالما أن الصحافيين يمتثلون للأخلاقيات الإعلامية ويخبرون الحقيقة.
الصباحي