صادق مجلس إدارة البنك الأفريقى للتنمية على اعتماد تمويلى قيمته 68 مليون دولار أمريكى للإسهام فى تمويل سد "أينجا" بجمهورية الكونغو الديمقراطية، وهو السد الذى تشير دراسات جدواه إلى أنه سينتج 44 ألف ميجاوات أى ما يعادل نصف إنتاج القارة الأفريقية من الكهرباء، وتصل فاتورة إنشائه إلى 80 مليار دولار أمريكى بعد استكمال مراحل إنشائه الستة.
وذكر بيان صدر عن البنك ومقره تونس أن هذا التمويل سيوجه لبند تجهيز منطقة إقامة السد، ويوازى 43% من فاتورة هذا التجهيز الذى من المقدر لها أن تصل إلى 169 مليون دولار أمريكى، فيما تقدم مبادرة الشراكة الجديدة من أجل التنمية فى أفريقيا "نيباد" 90 مليون دولار أمريكى من تكلفة تنفيذ عملية تجهيز موقع إقامة السد الذى سيكون أضخم سدود العالم.
وستنتج أولى مراحل إنشاء السد الكونغولى الجديد 4800 ميجاوات من الكهرباء تستفيد منها كل من جنوب أفريقيا والكونغو مناصفة حيث ستضىء كهرباء أولى مراحل المشروع 25 ألف منزل فى محيط العاصمة الكونغولية كينشاسا، فيما ستقام على هامش المشروع فى ثالث مراحله مراكز للتدريب الفنى لإسداء المشورة وإنتاج الكوادر المحلية اللازمة إدارة هذا المشروع.
وقال أليكس روجامبا، مدير مشروعات الطاقة والبيئة ومواجهة التغيير المناخى ببنك التنمية الأفريقى- فى تصريحاته- إن مشروع سد "اينجا" فى الكونغو الديمقراطية سيكون حال استكمال مراحله أحد المشروعات العملاقة التى ستشكل معلما إنمائيا أفريقيا هاما لعقود مقبلة.
وأوضح أن البنك يتعاون مع حكومة الكونغو وشركاء أفريقيا الإنمائيين لتدبير الاستثمارات اللازمة لإقامة المشروع وتوريد توربينات التوليد الهيدروليكى اللازمة له، وذلك تحت إشراف ومتابعة من الهيئة الوطنية الكونغولية العليا لسد "اينجا"، الذى سيلبى احتياجات سكان الكونغو الديمقراطية المتعطشين للكهرباء الرخيصة، والتى تتصاعد بنسبة 9% سنويا متوقع وصولها إلى 40% بحلول عام 2020.
وتعد جنوب أفريقيا شريكا هاما فى المشروع بعد توقيعها فى شهر مايو الماضى اتفاقا مع الكونغو الديمقراطية يتيح لها شراء نصف إنتاج السد من الكهرباء تقريبا فيما وصفه الرئيس الكونغولى آنذاك بأنه نموذج للتعاون البناء بين بلدان القارة فى مجالات التنمية، حيث ستفيد كهرباء سد أينجا الكونغولى فى الانماء الشامل لإقليم دول تجمع جنوب أفريقيا "سادك"، وجاء الاتفاق الرئاسى بين الكونغو وجنوب أفريقيا تنفيذا لمذكرة تفاهم أبرمت حول المشروع وشراكة البلدين فيه فى نوفمبر 2011.
ويقع المشروع بمرحلتيه الأولى والثانية فى غرب الكونغو الديمقراطية على مسافة 50 كيلومترا من منبع نهر الكونغو على مسافة 225 كيلو مترا "140 ميلا" من جنوب غرب العاصمة كينشاسا، ويعد نهر الكونغو ثانى أطول أنهار العالم من حيث قوة تدفق سريانه التى تصل إلى 42 ألف متر مكعب فى الثانية ولا يفوقه عالميا سوى نهر الأمازون الأمريكى.
كما يعد نهر الكونغو ثانى أكبر أنهار أفريقيا بعد نهر النيل إذ يصل طوله إلى 4700 كيلومتر، وهو يصب فى القاطع الاستوائى من الأطلنطى بلسان عذب يمتد لمسافة 80 كيلومترا، أما مرحلة المشروع الثالثة فقد أعلنت فى شهر سبتمبر الماضى بكينشاسا عن الانتهاء من دراسات جدوى إقامتها ومن المقرر أن يكتمل العمل التنفيذى فى أولى مراحل إقامة السد بنهاية عام 2016.
وتعد شلالات مسار نهر الكونغو من أكبرها فى العالم إذ يصل عرضها لأربعة كيلومترات، فيما تصل متوسطات انحدارها إلى 37,21 متر فى حدها الأدنى وإلى 96 مترا فى حدها الأقصى بامتدادات سطحية تدفقية تصل إلى 5,14 كيلومتر فى المتوسط، وهو ما يشكل حافزا طبيعيا جيدا لبناء توربينات التوليد للكهرباء الهيدروليكينة بقوة اندفاع هائلة لتشغيلها.
وتشير دراسات جدوى المشروع إلى أن مرحلتى المشروع الأولى "اينكا -1" والثانية "اينكا -2" ستستوعب 30 فى المائة من إجماليات التصريف المائى لمياه النهر مع إتاحة ثلثى إجماليات المياه للتدفق ما لم تتم إقامة مراحل أخرى للمشروع الذى تشير دراساته الإنشائية التى أجريت فى الفترة ما بين 2011 و2013 بمعرفة ائتلاف شركات فرنسى كندى EdF AECOM- إلى أنه سيقام على ست مراحل تنتج مرحلته الثالثة 4800 ميجاوات من الكهرباء، أما مرحلة السد الرابعة فستكون ضرورية لاستيعاب فيضانات وادى بوندى من خلال إنشاء خزان أرضى عملاق على مساحة 22 ألف هكتار.
وأبدى البنك الدولى موافقته على المشروع تمويليا وإنشائيا فى عام 2009 مقدما 50 مليون دولار أمريكى لتمويل دراساته السد الأولية، كما قدم البنك تمويلا عبر بنك الانماء الأفريقى قيمته 250,5 مليون دولار أمريكى لتمويل دراسات إنشاء خطوط المحولات الخادمة لمحطات توليد السد الجديد ومساراتها البرية، وكان ذلك فى ختام اجتماعات البنك التى استضافتها مدينة مراكش المغربية فى شهر يونيو الماضى.
ويرى خبراء أن هذا المشروع العملاق لن يخلو من آثار سلبية على البيئة والحياة البرية فى الكونغو، حيث سيؤدى إنشاء الخزان العملاق فى وادى باندى للقضاء على عشرات الآلاف من الكهتارات الزراعية فى هذا الإقليم وتشريد مزارعيها، وكذلك الأضرار الناجمة عن إزالة رقعة خضراء هائلة من غابات تلك المنطقة، وهو ما لا يصب فى صالح مكافحة الاحتباس الحرارى، ويقلل من معدلات هطول الأمطار على هذه المناطق.
كما سيقود المشروع حتما للأضرار بألوان الحياة البرية الطبيعية فى نهر الكونغو والتنوع البيولوجى فى حوض النهر، فضلا عما ستدفع إليه إقامة عشرات الآلاف من الكيلومترات من كوابل وأبراج الضغط العالى الناقلة لكهرباء المشروع من أضرار بالغابات وانتهاك للحياة البرية فى مسارات مرورها.
أما عن الآثار الاجتماعية للمشروع فيقول الخبراء إن دخول الكهرباء لمناطق الكونغو التى لا يعرف 94 فى المائة من سكانها الكهرباء سيحدث طفرة ارتقاء اجتماعية مفاجئة لما ستستدعيه الكهرباء من مستلزمات حداثة اجتماعية وشراء أجهزة كهربائية قد لا يكون فى مقدور معظم الكونغوليين الفقراء شراؤها، ومن ثم ستخلق عبئا ماليا إضافيا وأنماط استهلاك لم تعتدها الأسر الكونغولية.
وعلى الجانب الآخر، سيحقق المشروع الذى بدأ التفكير فيه فى ستينيات القرن الماضى للاقتصاد الكونغولى دفعة تصنيعية جبارة قد تغيير وجه الحياة لسكانها، وخلق ملايين فرص العمل لهم إذا أحسن التخطيط لها ويخلق سوقا أفريقيا جديدا يدفع التطلع إليه مؤسستى البنك الأوروبى للاستثمار والبنك الدولى للإسهام بقوة فى تدبير الاستثمارات اللازمة لإقامة هذا المشروع.
اليوم السابع