تواجه كينيا والصومال والمفوضية العليا في الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تحديات كبيرة في خلق ظروف مؤاتية لتأمين عودة طوعية للاجئين الصوماليين المقيمين في كينيا، وفقا لما نص عليه الاتفاق الثلاثي الذي توصلوا إليه في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.
ووفقا للمفوضية، يقيم حاليا في كينيا أكثر من 500 ألف لاجئ صومالي مسجل، كما يقيم في نيروبي وغيرها من المناطق عدد أخر منهم غير مسجلين.
وكانت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد حددت مدن بيدوا في منطقة باي ولوق في جيدو وبعض أجزاء كيسمايو في منطقة جوبا السفلى الصومالية، كمناطق تتمتع بالأولوية لجهة مساعدة اللاجئين الذين يرغبون بالعودة إليها طوعا .
ولجعل هذه العملية ممكنة، على اللجنة الثلاثية اقتناص الفرص المتاحة لضمان عودة آمنة للاجئين وتأمين عيشهم في جو من السلام النسبي وتوفير ما يحتاجون إليه لإعالة أنفسهم والمساعدة على تعزيز الاستقرار السياسي في المناطق التي يسعى اللاجئون إلى العودة إليها.
ومن المهم أيضا أن تعمل كينيا مع إداراتها المحلية للحد من الآثار الاقتصادية السلبية التي ستترتب جراء إغلاق مخيمات اللاجئين، وهو أمر لا تتوقع المفوضية الأممية حصوله في المستقبل القريب.
الإطار القانوني للعودة والخدمات اللوجستية اللازمة لتأمنيها
قد تخلق تصريحات المسؤولين الكينيين حول ضرورة إغلاق مخيمات اللاجئين انطباعا خاطئا لدى هؤلاء بأنهم لا يتمتعون بحق العودة الأمنة وفقا لما ينص عليه القانون الدولي والاتفاق الثلاثي.
ويشكل تأمين عودة طوعية للاجئين وفقا لإجراءات نزيهة وقانونية نقطة حاسمة للحفاظ على شرعية وقانونية هذه العملية.
من ناحية أخرى، قد يرغب العديد من اللاجئين - وبعضهم لم يذهب قط إلى الصومال - في الهرب من الظروف القاسية الموجودة في مخيمات اللاجئين، ولكنهم يترددون في بذلك لاستمرار انعدام الأمن في الصومال.
وعلى الرغم من فقدان حركة الشباب لسيطرتها على بعض المدن الرئيسية في الصومال، ما تزال هذه الجماعة تشكل تهديدا جادا للاجئين الصوماليين، ووصف العائدون الوسائل التي تعتمدها الحركة لتخويف ومضايقة والاعتداء على المسافرين على الطرقات الخطيرة بين كينيا والصومال.
هذا وما تزال بعض المناطق التي حددت لعودة اللاجئين إليها تحت سيطرة حركة الشباب أو واقعة على طول طرقات تستهدفها في هجماتها أو يندلع فيها قتال بين القبائل أو تنصب فيها نقاط تفتيش غير قانونية تديرها ميليشيات مستقلة.
ولمعالجة هذه المشاكل، ينبغي إنشاء ممرات آمنة حيث تعمل القوى المحلية وقوات بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (أميصوم) معا لضمان سلامة اللاجئين العائدين والمنظمات الإنسانية التي توفر المساعدة لهم.
إلا أن تنفيذ هذا الأمر يعد صعبا بالنظر لانعدام الأمن الشديد على طول الطرق بين شمال شرق كينيا والصومال، علما أنه قد يشكل الآلية العملية الوحيدة لضمان عودة آمنة وطوعية للاجئين الصوماليين.
ومن الممكن أن تعمل كينيا والصومال مع المفوضية الأممية والأميصوم والقوات الإثيوبية لإنشاء طرق محددة تفرض عليها تعزيزات أمنية مشددة.
وفي هذا الإطار، من الممكن أن تلعب زيادة 4400 جندي إلى قوات الأميصوم والتي وافق عليها مجلس الأمن في الأمم المتحدة دورا في تحقيق هذا الهدف.
ومن أجل الحفاظ على ممرات آمنة في المدى الطويل، على الصومال وشركائه الدوليين التعاون في بناء جيش وطني صومالي متماسك وفعال ، يقوم بمراقبة هذه الطرق والحفاظ على المناطق التي حررت من سيطرة حركة الشباب.
وفي حال عدم التمكن من فرض الأمن على طول هذه الممرات وفي المناطق التي منحت الأولوية لعودة اللاجئين إليها، سيواصل اللاجئون في كينيا رفض كل الجهود الرامية إلى تسهيل عودتهم. أما بالنسبة للذين نجحوا في العودة بأمان، سيكون تأمين الموارد اللازمة لمعيشتهم مهمة صعبة لهم.
تجهيز 'المناطق ذي الأولوية' لعودة اللاجئين
ستحتاج كينيا والصومال والمفوضية العليا للاجئين بالتعاون مع سائر الشركاء الدوليين، إلى دراسة سبل تزويد اللاجئين بالموارد التي يحتاجونها لترسيخ عودتهم بشكل دائم.
وتعاني المناطق التي حددتها المفوضية الأممية كأولوية من وجود نازحين فيها، إضافة إلى عدم حصول سكانها على المساعدة اللازمة نظرا لشح الموارد، بما في ذلك حصولهم على المياه والخدمات الصحية. ومن الممكن أن تسبب العودة البطيئة للاجئين من كينيا بنقص أكبر في هذه الموارد إذا لم تتخذ التدابير اللازمة لتفادي ذلك.
ويشكل دعم اللاجئين العائدين بالموارد الكافية لإعادة بدء حياتهم دورا حاسما في الحد من ضعفهم. فعلى سبيل المثال، ساهمت المساعدة الأخيرة التي قدمت للمزارعين في لوق على شكل مضخات للري وأدوات زراعية وبذور في تحسين المحاصيل وتعزيز الأمن الغذائي وانخفاض أسعار المواد الغذائية.
وتجدر الإشارة إلى بعض حالات بناء القدرات التي حصلت في مخيمات اللاجئين الكينية، حيث تلقى بعض اللاجئين تدريبا مهنيا ودعما من قبل وكالات الإغاثة لإنشاء أعمال كالإتجار في الالكترونيات والميكانيك والنجارة وتصفيف الشعر وصنع الصابون والأنشطة الزراعية الصغيرة، ومهارات مفيدة أخرى.
ومع ذلك، فإن فرص المشاركة في هذه البرامج التدريبية كانت محدودة نظرا لشح الموارد، ويبقى العديد من اللاجئين القدامى بحاجة إلى اكتساب مهارات مهنية وزراعية يمكن أن تساعدهم على تأمين معيشتهم عند عودتهم إلى الوطن.
وما لم يتم توفير التعليم والتدريب والموارد اللازمة لتأمين عيش العائدين طوعا، يخشى أن تصبح عملية العودة مجرد عملية نقل للسكان دون توفير الموارد اللازمة لبقائهم على قيد الحياة، ما يحد من قدرة اللاجئين على إعالة أنفسهم والاستجابة للتحديات اليومية بشكل سليم، فضلا عن مواجهة الأزمات الأكثر خطورة كالجفاف والمجاعة.
الأثار الاقتصادية لعودة اللاجئين من كينيا
في حال تهيأة ظروف مؤاتية لتأمين عودة طوعية للاجئين، من الممكن عندها تحجيم مخيمات اللاجئين أوإغلاقها بشكل أمن وقانوني. إلا أن هذا الاحتمال سيرتب أثارا سلبية على الاقتصاد في شمال شرق كينيا.
ووفقا لخبراء المالية، ستكون أول هذه الآثار انخفاض الاستثمارات الأجنبية التي تقدر بمليارات من الشلنات بشكل كبير، إذ يتم تمويل غالبية العمليات الإنسانية من قبل المانحين الدوليين ومنظمات الإغاثة.
وسينسحب الأثر السلبي أيضا على المجتمعات المحلية المضيفة التي يرتبط معظمها بأعمال تجارية مع نظرائها من اللاجئين بخاصة إذا كان يجمعهم رابط قبلي. إلى هذا، تواجه شركات النقل والتجار وموردي السلع الغذائية والسكان المحليين الكينيين العاملين في قطاع الإغاثة الإنسانية في شمال شرق كينيا احتمال فقدان مصدر رزقهم، في منطقة كانت تعاني من سوء النمو قبل بناء مخيمات اللاجئين عام 1991.
وأن الفوائد الاقتصادية التي تدرها المخيمات، من ضمنها التوظيف المحلي وفرص العمل واسعار الطعام الزهيدة، تبلغ نحو 1.2 شلن مليار (14 مليون دولار) سنويا، بحسب دراسة اجريت عام 2010 من قبل حكومات كل من دول الدنمارك وكينيا والنرويج.
وأشارت الدراسة أيضا إلى إن وجود الوكالات الإنسانية في المنطقة ساعد على تحسين حصول المجتمعات المحلية على المياه والرعاية الصحية وخدمات النقل.
ووفقا للتقرير، باستطاعة العمال المحليين الذين لا يتمتعون بأي مهارات ويجنون يوميا من عملهم في مخيمات داداب ما معدله 400 شلن (4.70 دولار)، على كسب أجور أعلى بالمقارنة مع ما يدفع لنفس العمل في مناطق أخرى من كينيا، حيث تتراوح الأجور بين 200 و300 شلن (2.30 دولار 3.50 دولار).
وإذا غادرت وكالات الإغاثة واللاجئون مناطق شمال شرق كينيا، ستقع على الحكومة الكينية مهمة تعويض الفوائد الاقتصادية والبنية التحتية التي تتمتع بها حاليا المجتمعات المضيفة جراء وجودهم.
ونتيجة لذلك، على الحكومة الكينية ضمان قيام المناطق المهمشة تقليديا مثل شمال شرق كينيا بالتنسيق مع نيروبي للاستثمار في بناء الاقتصاديات المحلية والعابرة للحدود، لاسيما في ظل عملية تفويض السلطات الجارية .
ومن الممكن أن يساهم تعزيز الأمن وتحسين البنية التحتية للنقل العام على زيادة حجم التبادل التجاري وجذب الاستثمارات الأجنبية وتوفير الفرص لتطوير السياحة في المنطقة.
إن هذا النوع من الاستثمارات في الأمن وسبل العيش للمجتمعات المتصلة حدوديا عبر القرن الأفريقي، تبدأ في معالجة بعض القضايا الأساسية المتعلقة بتدفق اللاجئين. وإذا ما نفذت بنجاح، يمكن لخطط عودة اللاجئين طوعا من كينيا الى الصومال أن تنفذ على نحو مستدام ووبشكل يجلب الفوائد للجميع.
الصباحي