تواجه مبادرة "إذهبوا إلى المدرسة" التي تعهدت الحكومة الصومالية من خلالها تأمين التعليم المجاني لمليون طفل صومالي، مأزقا أخر بعد انطلاقها المتعثر وعدم توفر التمويل اللازم لها.
فقد أعلن أكثر من 300 معلم يدرسون في منطقة بنادير أنهم سينفذون إضرابا بدءا من يوم الخميس 16 كانون الثاني/يناير احتجاجا على تقاعس الحكومة عن صرف رواتبهم للشهر الثالث على التوالي، وفقا لما ذكره اتحاد المعلمين في برنامج إذهبوا إلى المدرسة بمنطقة بنادير.
وعن هذا القرار، قال رئيس الاتحاد مصلح هاشي ضوري، 23 عاما، لصباحي، "قررنا التوقف عن العمل بسبب عدم حصولنا على مستحقاتنا، وسنزاول العمل مجددا بعد أن تصلنا حقوقنا".
وأوضح أن الاتحاد يضم 316 معلم يدرسون بين 40 و50 ألف طالب في 17 مدرسة بمقديشو.
وأضاف، "وقعنا اتفاقا مع مدير التربية في وزارة الأشغال العامة في 7 سبتمبر/أيلول، ينص على تقاضي كل واحد منا 200 دولار شهريا، ولم يتلق الفرد منا حتى الأن سوى 300 دولار، إذ يصرف لنا أحيانا 200 دولار وأحيانا أخرى 100 دولار فأصبح مجموع مستحقات كل معلم في عهدة الحكومة 700 دولار".
وأكد ضوري أن الاتحاد سعى للتواصل مع الوزراة لتأمين حصول المعلمين على رواتبهم إلا أن المسؤولين فيها "رفضوا مقابلتنا".
مديرية التربية والمعلمين يلومون بعضهم البعض
وفي حين أقرّ مدير التربية محمد عبد القادر نور عدم تقاضي المعلمين لكامل رواتبهم، أكد أن الحكومة تعمل على معالجة هذه القضية بأقصى سرعة.
وقال في مقابلة مع تلفزيون غووبجووغ بمقديشو في 19 كانون الثاني/يناير، "دفع [صندوق الطفولة التابع للأمم المتحدة (اليونيسيف)] نصف راتب كل معلم والذي يبلغ 200 دولار، وكان على الحكومة تسديد النصف الأخر، وهذا هو الجزء من الراتب الذي لم يحصل عليه المعلمون".
ولم يوضح أسباب عجز الحكومة عن تسديد ما يتوجب عليها من رواتب المعلمين، قائلا فقط إن التأخير في صرف المستحقات يطال كل موظفي القطاع العام.
واعتبر أن قرار المعلمين في تنفيذ الإضراب كان متسرعا.
وأضاف، "لقد استمعنا إلى شكواهم وتوقعنا منهم أن ينتظروا حتى نؤمن الأموال اللازمة لصرف رواتبهم".
إلا أن بعض المعلمين المضربين قالوا أنهم تخلوا عن أعمالهم في المدارس الخاصة حيث يتقاضون رواتب أعلى للعمل في القطاع العام.
وفي هذا السياق، قال الأستاذ المشارك في الإضراب عبد الناصر أحمد علي، 31 عاما، لصباحي أنه كان يتقاضى 230 دولار شهريا من عمله بمدرسة خاصة.
وأعرب عن ندمه لقراره الانضمام إلى القطاع العام.
وأضاف علي، "أردت أن أقوم بعمل في سبيل الوطن، إلا أنني أصبت بالخيبة. لا أستطيع التدريس دون تقاضي راتب، فأنا لا أملك حاليا تكلفة التنقل بالحافلة". ويعمل علي كمدرس لمادة الرياضيات في مدرسة معلم جمعة التي افتتحت مؤخرا في مقديشو بحي هامار ويني .
وفي حديث لصباحي، أكدت حليمة محي الدين، 24 عاما، وهي أيضا مشاركة في الإضراب، أن عدم تقاضي الرواتب ليست المشكلة الوحيدة التي يواجهها المعلمون.
وأوضحت قائلة، "لم توفر لنا الحكومة حتى الساعة المناهج الوطنية التي يفترض بنا اعتمادها في تدريس الطلاب. عندما بدأنا العمل، قيل لنا إنه سيتم تزويدنا بمناهج وطنية لتعليم التلامذة، إلا أننا ما زلنا حتى الأن ندرسهم وفقا للمناهج التي وفرتها لنا اليونيسيف". وتعمل محي الدين كمدرسة للغة الصومالية في مدرسة محمود هيلوولي في حي ضاركينلي.
وأضافت، "نعاني أيضا من مشكلة عدم توفر مواد تعليمية أخرى كالطباشير التي تنفذ دوما. ولا يخضع عملنا لأي رقابة أو محاسبة"
مؤشرات على فشل الحكومة؟
من جانبها، اعتبرت عائشة إسحاق، وهي تعمل في مجال التدريس والإدارة التربوية منذ انهيار حكومة محمد سياد باري، أن عدم تسديد رواتب المعلمين وشريحة أخرى من الموظفين الحيويين في القطاع العام، يؤشر إلى فشل الحكومة.
وقالت لصباحي، "إن الفشل في تأمين رواتب المعلمين ورجال الشرطة الذين يحافظون على الأمن يظهر مدى عدم أهلية هذه الحكومة لتحقيق التقدم"، مضيفة أن النفقات الحكومية تفتقر إلى المساءلة والشفافية. وتابعت، "كما وتفتقر إدارة الأموال العامة إلى استراتيجية واضحة".
وأوضحت إسحاق أن ملايين الدولارات من الأموال العامة فقدت، وكان من الممكن استخدامها لدفع الرواتب وتأمين الخدمات الأساسية.
واتهمت الحكومة بأنها تعمل على وضع برنامج لاسترضاء المواطنين، إلا أنها لا تتابعها بشكل متواصل.
وقالت، "على سبيل المثال، رفع برنامج إذهبوا إلى المدرسة آمال الألاف من الأهالي والأطفال إذ شكل خطوة تقدمية تقوم بها الحكومة، كما شكل فشلها كارثة وطنية فادحة".
بدوره، قال فارح حسين وهو مفتش في البرامج التربوية في الصومال لوكالة المسلمين في أفريقيا، إن فشل المحاولة الأولى في تأمين التعليم المجاني لألاف الأطفال الصوماليين المعرضين للخطر، يعدّ خيبة أمل كبيرة للمواطنين.
وأضاف، "إذا لم تتخذ الحكومة خطوات فورية وتضع خطة واضحة لإنقاذ برنامج "إذهبوا إلى المدرسة"، سيكون الأمر خسارة لكل الوطن".
وتابع، "إن الأطفال الذين اتيحت لهم للمرة الأولى فرصة تلقي التعليم، سيعودون مجددا للتسكع في الشوارع وشم الغراء ومن ثم حمل السلاح لينضموا لاحقا إلى الميليشيات ".
'نرجو من المعلمين الاستمرار في التعليم'
وعن الطلبة، تحدث لصباحي الطالب في مدرسة معلم جمعة، حسن داود، 13 عاما، معربا عن حزنه لاضطراره إلى ملازمة المنزل وعدم التوجه إلى المدرسة وعن تلهفه للعودة إليها.
وقال، "كنت أدرس موادا مختلفة بينها الرياضيات واللغتين الصومالية والإنجليزية"، مضيفا أنه تعلم الكثير منذ أن التحق في المدرسة هذا العام. وتابع، "نشكر حكومتنا لتوفير التعليم المجاني لنا ونرجو من المعلمين الاستمرار في التعليم".
أما مكة حاجي عبدي، 45 عاما، فقالت إنه منذ بدء الإضراب يتوجه أطفالها الخمسة يوميا إلى مدرسة جمعة معلم على أمل تمكنهم من إقناع المعلمين باستئناف التدريس.
وقالت لصباحي، "نحن ممتنون للحكومة. لقد قامت بكل ما في وسعها، لكنها لا تمتلك الأموال اللازمة سيما في هذه مرحلة من النهوض من أثار [الحرب]"، داعية جميع الصوماليين إلى التحلي بالصبر.
وأضافت عبدي، "على المعلمين مساعدة شعبهم ووطنهم [واستئناف الصفوف]"، علما أنه قبل إطلاق البرنامج الحكومي، لم يلتحق أطفالها في أي مدرسة بسبب عدم قدرة العائلة على تحمل تكاليف تعليمهم.
الصباحي