نفت السلطات الكينية ما جاء في التقرير العالمي الأخير الذي أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش والذي انتقد بشكل كبير عملية النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها في كينيا خلال العام الماضي.
وقد أشار التقرير إلى أن بطء إصلاحات الشرطة الكينية وثقافة الإفلات من العقاب في قضايا الاعتداءات التي ترتكبها عناصر الأمن وامتناع الحكومة عن توجيه التهم لمرتكبي أعمال العنف بعد انتخابات 2007 و2008 لا تزال تشكل مصادر قلق أساسية.
وتناول التقرير أموراً كثيرة، مشككاً في مستوى تعاون الحكومة مع المحكمة الجنائية الدولية في محاكمة الرئيس الكيني أوهورو كينياتا ونائبه ويليام روتو في قضية الجرائم ضد الإنسانية.
وذكر التقرير أن "حكومة الرئيس أوهورو كينياتا ونائبه ويليام روتو استعملت هامش فوزها الصغير في الانتخابات الذي بلغ 50.07 في المائة والذي تجنبت بفضله إجراء انتخابات ثانية، من أجل صبّ اهتمام كل موارد الدولة على وقف محاكمة الرئيس ونائب الرئيس في المحكمة الجنائية الدولية في قضية الدور اللذين لعباه في أعمال العنف التي تلت الانتخابات في عام 2007-2008".
وقال التقرير إن "كينيا توعدت بالاستمرار في التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية ولكن منذ الانتخابات، بذلت الحكومة جهدها في الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ليتم إسقاط القضايا أو تأجيلها أو إحالتها إلى آلية عدالة محلية".
ورداً على هذه الانتقادات، وصفت وزيرة الخارجية الكينية أمينة محمد التقرير بالـ"مشين وغير المفهوم".
وأعلنت لصباحي "ليس من الصحيح إطلاقاً أن الدولة لا تتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية. وإن حضور نائب الرئيس روتو في المحكمة عند الضرورة هو دليل على أن التعاون موجود. ولم يذكر الرئيس كينياتا أنه لن يكون حاضراً عند النظر في قضيته خلال جلسة الاستماع في شباط/فبراير".
ولكن تم تأجيل محاكمة كينياتا لأجل غير مسمى علماً أنه كان من المفترض أن تبدأ في 5 شباط/فبراير، وذلك بعد أن طلبت المدعية العامة فاتو بنسودا مزيداً من الوقت لجمع الأدلة وقدّمت جهة الدفاع طلباً لإنهاء الإجراءات.
وجاء في التقرير أن "قضايا المحكمة الجنائية الدولية في كينيا انطبعت بانسحاب شهود الادعاء، وقيل إن ذلك حصل بفعل الرشاوى والمضايقات. وقد ادعى المدعى عليهم أيضاً بحصول عمليات عبث بالأدلة ومضايقة الشهود". وأضاف التقرير أن المدعي العام في المحكمة الدولية وصف مستوى مضايقة الشهود في القضايا بـ'الغير مسبوق'".
وفي هذا السياق، قالت محمد بالنسبة لحملة كينيا للانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية ومطالبتها دول أخرى في الاتحاد الأفريقي بفعل المثل، إن ذلك تم ضمن إطار القوانين المحلية والدولية.
وأعلنت أن كينيا تتبع الإجراءات اللازمة في مساعيها "بشكل واضح وغير سري. ولمعدّي التقرير جدول أعمال مخفي ولكننا سنواصل تعاوننا البنّاء مع المحكمة الجنائية الدولية".
تورط الشرطة الكينية
كذلك، رفضت الشرطة النتائج التي توصل إليها التقرير والتي تتهم قوات الأمن بتنفيذ عمليات قتل وتعذيب وانتهاكات أخرى غير قضائية لحقوق الإنسان.
وذكر التقرير أن "استطلاعاً أجرته اللجنة الوطنية الكينية لحقوق الإنسان كشف أن الشرطة قتلت بشكل غير قضائي 120 شخصاً بين أيار/مايو وآب/أغسطس 2013 في ظروف كان من الممكن تجنبها، علماً أن الشرطة لم تُعلم الهيئة المستقلة للإشراف على الشرطة وهي هيئة رقابة مدنية بشأن عمليات القتل المذكورة لأن التحقيقات مطلوبة بموجب القانون".
واتهم التقرير أيضاً الشرطة "بتعذيب مشتبه بهم قيل إنهم إرهابيون وأفراد من أصل صومالي إضافة إلى خطفهم وقتلهم بصورة غير قانونية".
وأوضح المحقق العام في الشرطة الكينية، ديفيد كيمايو، في حديث لصباحي أن الادعاءات التي وردت في تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش تستند إلى سلوك القوات الأمنية منذ سنوات عديدة، مضيفاً أن عناصر الأمن وقعت في السنوات الأخيرة ضحية عصابات إجراميةوجماعات إرهابية تجنّب التقرير ذكرها عمداً.
وأشار إلى أن "البلاد تواجه خطر العنف من كل الجهات. وفي بعض الأحيان، يتوجب على عناصر الأمن التحرك بشكل مقيّد واستعمال القوة عند الضرورة. وثمة بعض المجرمين الذين لا يمكن التساهل معهم".
ورداً على ادعاءات التقرير بأن الناشطين المدنيين في مجال حقوق الإنسان يواجهون ضغطاً متزايداً للتوقف عن المطالبة بالعدالة لضحايا أعمال العنف التي لحقت الانتخابات، قال كيمايو إن الشرطة ستؤمن الحماية لكل الكينيين، بما في ذلك الناشطين المدنيين وعائلاتهم.
ومن جهته، أقرّ رئيس اللجنة الوطنية لجهاز الشرطة، جونستون كافولودي، بأن عملية إصلاح جهاز الشرطة تتم بشكل بطيء، ولكن شدد على ضرورة توخي الحذر.
وقال لصباحي "صحيح أن الإصلاحات متأخرة عن موعدها بعض الشيء ولكننا اليوم نعمل عليها ونسعى إلى الإسراع في تطبيقها. وقد تكون العملية بطيئة ولكننا نريد ضمان التقييم العادل لجميع الذين تم التشكيك في نزاهتهم وسجلات حقوق الإنسان المرتبطة بهم".
تشكيك في حريات الصحافة
ومن جانبه، نفى وزير الإعلام والاتصالات والتكنولوجيا، فريد ماتيانغي، صحة الادعاءات التي شملها التقرير بشأن حد الحكومة لحرية الصحافة عبر فرض "قيود صارمة على وسائل الإعلام والمنظمات غير الربحية".
وأكد على أن الحكومة لا تنوي إسكات الإعلام، ذاكراً لصباحي أن "القوانين التي وضعتها الحكومة تهدف إلى تحسين عمليات رفع التقارير الوقائعية والحد من الحقد".
وقال إن "بعض وسائل الإعلام تشوّه ما تنص عليه القوانين الجديدة لتضليل الشعب وأنا أتعجب كون منظمة رقابية [بأهمية] هيومن رايتس ووتش أطلقت كذبة أن الحكومة تهدف إلى شلّ الإعلام".
ولكن من جهة أخرى، أيّد ممثلون من وسائل الإعلام وهيئات المجتمع المدني ما جاء في تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش، معتبرين أنه يكشف حقيقة الوضع في كينيا.
وفي هذا الإطار، قال نائب رئيس نقابة المحررين في كينيا، ديفيد أوهيتو، في حديث لصباحي إن إقرار كينياتا على قوانين الإعلام الجديدة يهدد فعلاً استقلالية وحيوية الإعلام في البلاد.
وأضاف أوهيتو وهو أيضاً محرر في صحيفة ذي ستاندرد أن "تقرير هيومن رايتس ووتش أُعدّ [قبل] أن سُنّت القوانين، ولكن الحكومة نفذت تهديدها ووقّعت القانون الذي يتحكم فعلاً بوسائل الإعلام".
وتابع قائلاً إن الجهات المعنية في وسائل الإعلامية ذهبت إلى المحكمة سعياً منها إلى إلغاء قانون مجلس كينيا الإعلامي وقانون (التعديل) الكيني للإعلام والاتصالات لعام 2013 . وأشار إلى أنه في حال لم يتم إلغاء هذين القانونين، فستخضع وسائل الإعلام للرقابة وستفرض الحكومة عليها غرامات عقابية.
وبدوره، قال المصور الصحافي والناشط بونيفاس موانجي إن سجل كينيا في مجال حقوق الإنسان واحترامها لحكم القانون ومكافحتها للفساد ليس بالمستوى المطلوب.
وأوضح لصباحي "أصبح الإفلات من العقاب أمراً عادياً. وإن الضغط الذي تمارسه الحكومة الكينية لإسقاط التهم الجنائية الموجهة إلى الرئيس ونائبه يخلق سابقةً سيئة للآخرين ولا سيما لعناصر الأمن".
وقال موانجي إن أمام الرئيس فرصة إثبات براءته في المحكمة والسيطرة على المسؤولين في الحكومة الذين يمارسون الضغط لإلغاء محاكمة المحكمة الدولية.
وأضاف "إن كينيا معرضة لخطر الانضمام إلى دول لا تعتمد الضوابط والموازين. ولهذا السبب يتم الإسراع في سنّ قوانين جديدة لتقييد الحريات".
الصباحي