يبدو أن دارفور ستدخل مرحلة جديدة من مراحل تطور أزمتها الأمنية والسياسية قبل دخول أطرافها المتصارعة في مفاوضات ربما لن تنجح في وضع حد فاصل لها.
فبينما تمسكت كل الأطراف المعروفة من حركات مسلحة وحكومة بوقف معلن لإطلاق النار، اتجهت مجموعات أخرى لأسلوب الخطف والاغتيال الممنهج لأفراد القوات الدولية المشتركة من جهة ولبعض سياسيي الإقليم من الموالين للمؤتمر الوطني الحاكم من الجهة الأخرى بما لم يألفه الصراع القائم في الإقليم منذ تفجره قبل أكثر من ست سنوات.
وشهدت دارفور في الفترة القليلة الماضية اغتيال عدد من أفراد القوة المشتركة (يوناميد) بجانب خطف واغتيال بعض المواطنين الآخرين على رأسهم نائب البرلمان السوداني تاج الدين أحمد الحلو. ما دفع بمحللين وخبراء سياسيين للتساؤل عن دور القوات الدولية ومهامها وإمكانية حمايتها لنفسها.
فقد انتقدت الحكومة بشدة الأحداث ووصفتها بالمؤسفة، وعدتها عملا إجراميا ونشاطا إرهابيا قصد منه مدبروه الإيحاء للرأي العام العالمي بأن الأوضاع الأمنية في دارفور لم تزل مضطربة بعد أن أكد مسؤولون دوليون انتهاء حالة الحرب في الإقليم.
ودانت في بيان لوزارة خارجيتها ما سمتها بالأحداث الإجرامية، وأكدت التزامها التام بحماية أعضاء البعثة المشتركة وتوفير البيئة الملائمة لها حتى تؤدى مهمتها على أكمل وجه كما تؤكد حرصها على مواصلة الجهود للقبض على كل الذين شاركوا في هذه الجريمة النكراء وتقديمهم للعدالة.
فيما نددت البعثة المشتركة بالأحداث التي عدتها غير مبررة، وأشارت إلى أنها ستظل ملتزمة بحماية شعب دارفور. وضافت في نشرة لها أن معنويات قواتها مرتفعة رغم معاناتها من بعض الخسائر الفادحة.
حريكة: مجموعات ظهرت بعد قرار الجنائية تمارس الخطف والاغتيالات (الجزيرة نت)
موالون للحكومة
المحلل السياسي محمد موسى حريكة أكد أن هناك حركات مسلحة تعمل في الخفاء وهي وفي أغلب الأحيان تمتاز بعلاقات طيبة مع الحكومة خاصة بعد إعلان قرار المحكمة الجنائية الدولية.
وقال إن هناك جماعات ظهرت عقب أزمة السودان مع المحكمة الجنائية الدولية بتنفيذ عمليات خطف لموظفي المنظمات الدولية في الإقليم بجانب مهاجمة القوات الدولية المشتركة.
وأكد في تعليق للجزيرة نت أن هناك من يرى وجود حركات جديدة تمالئ الحكومة وتحاول إرضاءها، بينما يرى آخرون احتمال مشاركة قوات مجموعات مناوئة للحكومة في عمليات الخطف والاغتيالات لإحراج الحكومة أمام المجتمع الدولي وإحداث توتر جديد بينها وبين المنظمات الدولية الأخرى.
واعتبر أن البحث عن المستفيد الحقيقي سيوفر للجميع أضواء كاشفة على غموض عمليات الخطف والاغتيالات التي ميزت الفترة الأخيرة من عمر أزمة دارفور.
أما المحلل السياسي صالح محمود فاعتبر أن انتشار السلاح في دارفور سيمثل مهددا أمنيا خطيرا في الإقليم بعد فشل تجميعه من المواطنين رغم أن إمكانية السيطرة عليه كانت قائمة.
وقال إن هناك مجموعات فشلت في الحصول على التعويض لما فقدته في الحرب مع المتمردين "وربما انقلبت هي الآن على الجميع بما فيهم الحكومة والقوات المشتركة والقبائل"، وأشار إلى إمكانية قراءة الأحداث في إطار الصراع بين القبائل في ما بينها من جهة بجانب نشاطات الرافضين للوجود الأجنبي في الإقليم من الجهة الأخرى.
مجموعات نهب
وأكد محمود للجزيرة نت أن "المجموعات التي تمتلك السلاح في دارفور تحولت إلى مجموعات نهب حقيقية بجانب أن قوات يوناميد أصبحت غير فعالة.
وأضاف أن عدم فعالية قوات يوناميد مؤشر لدفع الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لمراجعة مهامها وإمكاناتها.
ولم يستبعد انهيار العملية السلمية في المنطقة عموما بعد إعلان عدد من الجهات عدم السماح بإجراء انتخابات في الإقليم قبل معالجة أزمته الكلية. وأشار إلى أن سياسة الخطف والاغتيالات تبدو جديدة على مجتمع دارفور"لكنها تظل الأخطر إذا ما أصبحت أداة لتحقيق الأغراض".