بذل المجتمع الدولي خلال السنتين الماضيتين جهوداً جبارة للجمع بين ممثلين عن حكومة الصومال الفيدرالية وإدارة أرض الصومال الإقليمية لإجراء محادثات بشأن مستقبل علاقتهما السياسية ومجالات التعاون المحتملة بينهما.
إلا أن الجانبين يتوقعان من نتائج المفاوضات أهدافا متناقضة .
فممثلو الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود دخلوا المفاوضات بنيّة إعادة دمج أرض الصومال إلى باقي البلاد، في حين وجدت الوفود التي أرسلها رئيس أرض الصومال، أحمد محمد سيلانيو، في الحوار فرصةً لتحقيق هدف الإدارة بالاعتراف بها كدولة مستقلة.
وتركيا التي لعبت دوراً كبيراً على مستوى الجهود التنموية في مختلف أنحاء الصومال، تلعب حالياً دوراً ريادياً في تسهيل المحادثات بعد ما بذلته المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والإمارات العربية المتحدة من جهود في هذا المجال.
وكان في الماضي تطبيق الاتفاقات صعباً، لاسيما بسبب استمرار العلاقة الحادة بين الجانبين وخطورة المسائل الأمنية والسياسية التي تمت مناقشتها وغياب الآليات الفعالة لتمكين التعاون على الأرض.
وسيكون من الصعب جدا في المستقبل إرساء شراكة عملية بشأن مسائل معقدة مثل إدارة مراقبة الحركة الجوية والأمن والسياسة، دون وجود تعاون ناجح في المسائل الأقل خلافية.
وسيكون بالتالي من المفيد بالنسبة للجهات الوسيطة الدولية البحث في احتمال تطبيق تدابير لتعزيز الثقة في مجالات غير سياسية كالفنون والرياضة بهدف تقديم فرص عملية لتعزيز التعاون.
ومن الممكن أن يحسّن التطبيق الناجح لهذه الجهود العلاقة بين الإدارتين وبين المواطنين بشكل عام، إلى جانب احتمال تمكين التعاون في مسائل أكثر صعوبة في المستقبل.
التعاون من خلال الفنون
وبهدف الاستفادة من حركة النهوض التي تشهدها حاليا الفنون الصومالية، تستطيع تركيا مساعدة وفود حكومة الصومال الفيدرالية وأرض الصومال على تنظيم مهرجان فني يجمع بين فنانين من مختلف المناطق من أجل تعزيز القيم المهمة لجميع الصوماليين.
ولعب الشعر والفنون الأخرى لفترة طويلة من الزمن دوراً مهماً في تحقيق المصالحة الوطنية والمساهمة في الجهود الأخرى المبذولة لإحلال السلام حول العالم.
إضافةً إلى ذلك، أصبحت الأحداث الفنية مثل معرض الكتاب الدولي في هرجيسا ومهرجان السلام والتنمية في مجالات السينما والفن والشعر والثقافة تلقى شعبية أكبر في أرض الصومال سنة بعد سنة، في حين تشهد مقديشو نهضة فنية خاصة بها.
وسيوفر مهرجان فنون يُنظم بإدارة مشتركة تجمع بين فنانين محليين ومن الخارج، فرصة للجانبين للتعاون في العمل على مشروع لا يعرقل أهداف المفاوضات الأساسية لكل من الجانبين، كما سيقدم فوائد ملموسة للمجتمعات المحلية التي ترغب في المشاركة في الفعاليات الفنية الصومالية.
الرياضة مجال للتعاون
ويمكن أن تشكل البطولات الرياضية أيضاً مجالاً للتعاون. فنظراً إلى أن كرة القدم تُعتبر الرياضة الأكثر شعبية في الصومال ، يمكن أن تجتمع عشرات نوادي كرة القدم المحلية للمشاركة في بطولات محلية وإقليمية.
ولكن لا تُنظم حالياً أي مباريات تجمع بين فرق رياضية من كل أنحاء البلاد.
ومن الممكن أن يشكل ذلك فرصة للجهات المسهّلة للمحادثات لدعم الأطراف الصومالية في تنظيم دوري يجمع بين النوادي المحلية المتواجدة في مختلف المناطق، وذلك للتنافس على لقب أفضل نادٍ صومالي لكرة القدم.
وتشير الوقائع إلى تفاعل ممكن بين إدارات وأندية كرة القدم الصومالية. وقد تلقى في الماضي حكام من مختلف المناطق الصومالية تدريبات على يد تنظيم الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) للترويج للاحترافية الرياضية.
كذلك، تمت دعوة فريق من بونتلاند أصله من جلكاعيو هو نادي كومسيد لكرة القدم إلى مقديشو للعب في سلسلة من المباريات الودية مع ناديي علمان وديكاداها.
إن تنظيم مباريات بمشاركة فرق وحكام من المناطق كافة من شأنه أن يعزز تنمية الرياضة في جميع المناطق الصومالية، إضافة إلى تقديم فرصة جديدة لوفود الحكومة الفيدرالية وأرض الصومال للتعاون على الأرض في مسألة لا خلاف عليها بينهما.
وفي الإطار نفسه، سيقدم ذلك فرصاً لإدارات أخرى محلية وإقليمية غالباً ما تشعر أنها مهمشة في العملية التي تديرها تركيا، للمشاركة في مشروع قيّم من شأنه تحسين العلاقات بين إدارات صومالية إقليمية أخرى.
تحسين النتائج المستقبلية
ويعرقل التعاون بشأن المسائل المعقدة كالأمن والسياسة بفعل المخاطر التي تطال المصالح الأساسية لكل وفد. لكن التعاون الناجح على مشاريع لا ترتبط بها مصالح بهذه الأهمية يمكن أن يكون حافزاً للتعاون في أمور أكثر جدية.
بالتالي، في حين أن المشاريع الرياضية والفنية المنظمة بصورة مشتركة قد تبدو أقل أهمية مقارنةً بمحاربة الإرهاب والقرصنة، إلا أنها قد توفر نقطة انطلاق لبناء الثقة وإظهار أن التعاون ممكن.
وفي السياق نفسه، ستسمح مجالات التعاون هذه للمجتمعات الصومالية بالتعاون مع بعضها البعض على صعيد مصالح مشتركة مفيدة وخارجة عن نطاق الأنظمة السياسية.
الصباحي