أثار عجز جهاز الشرطة الكيني عن اكتشاف بان السيارة التي احتجزها في مومباسا في 11 آذار/مارس وأبقاها مركونة في موقفه مدة ستة أيام معبأة بمواد شديدة الانفجار تساؤلات حول كفاءته، وسط الحرب التي تشنها الحكومة لمكافحة الإرهاب.
وعثر داخل شاحنة التويوتا على ست مواسير ملغومة تم تلحيمها إلى مقاعدها الخلفية، فضلا عن بندقية من نوع أي كاي 47 و250 رصاصة وصواعق. ومع ذلك، لم يعثر على هذه المتفجرات إلا بعد إخضاع الشاحنة لفحص دقيق ثان في17 آذار/مارس، قامت به مفرزة مشتركة من ضباط محليين وأجانب خبراء في مكافحة الإرهاب.
وتعليقا على هذا الإغفال قال النقيب المتقاعد في البحرية الكينية كولينز وانديري، "هذا خطأ كان سيتسبب بعواقب مدمرة لو نجحت المؤامرة. على أحد ما من جهاز الشرطة أن يتحمل المسؤولية عن هذا الحادث".
ويقول محللون أمنيون إن الشرطة كان يجب أن ترتاب بالأمر فور اعتقالها المشتبه بهما عبد العزيز عبدي وإسحاق نور إبراهيم، بتهمة إدخال المركبة بصورة غير قانونية إلى البلاد وتقديمهما رخصة مزورة لها.
وأضاف وانديري لصباحي، "لقد فشلوا بالتعمق أكثر في دوافع المشتبه بهما. كان يجب أن يطرحوا عليهما أسئلة جدية كالسبب وراء رخصة تسجيلها المزورة والتي تحمل أرقاما وهمية للوحتها وهيكلها ومحركها".
ووصف الفشل الصارخ بإجراء فحص أمني سليم على السيارة بالتقصير في أداء الواجب، يعرض سلامة الكينيين للخطر في وقت تكافح فيه البلاد الهجمات الإرهابية.
وتابع وانديري، "إن تهاون الشرطة أمر محرج يدل إلى عدم جديتها، وينبغي على السلطات أن تحقق في هذا التقصير لمعرفة هل السبب يعود إلى عدم كفاءة الشرطة أو ضعف مهارات عناصرها في تفتيش السيارات أو الإهمال".
وأكد وانديري أن تعامل الشرطة مع السيارة المشبوهة بطريقة عادية، يؤشر إلى إن بعض أجهزة إنفاذ القانون لم يتم إشراكها بعد في الحرب على الإرهاب، "فبالنسبة لهم تعاطوا مع الموضوع كما يتعاطون مع أمر اعتيادي".
الحادثة شكلت جرس إنذار للشرطة
من جانبه، قال العقيد المتقاعد بالجيش الكيني ريمون كيبكورير تشيريوت، إن الامبالاة التي اتسم بها التفتيش الأولي للسيارة المفخخة تظهر الحاجة الملحة لإخضاع رجال الشرطة العاديين لتدريب متخصص في مكافحة الإرهاب.
وأوضح لصباحي، "صحيح أن لدى كينيا وحدة لامعة في الشرطة لمكافحة الإرهاب، ولكن حجمها صغير لأنها قوة متخصصة ولا يمكن لها بالتالي أن تتواجد في جميع أنحاء البلاد".
وأضاف تشيريوت الذي يملك مع شريك آخر مؤسسة مالتي سيكيوريتي كونسالتنت المحدودة في نيروبي، أنه يجب على رجال الشرطة الإداريين أو أولئك الذين يقومون بدوريات في الشوارع أن يلموا بالمفاهيم الأساسية لجمع المعلومات الاستخبارية وتحليل التهديدات، وهذا ما يبدو في الوقت الحاضر محدودا جدا.
وتابع، "بعد خطب الكراهية المتكررة التي أطلقها رجال الدين المتشددون حيث دعا بعضهم لشن هجمات على المسيحيين، أتوقع أن تكون جميع أقسام الشرطة وبخاصة الموجودة في مومباسا في حالة تأهب".
وذكر تشيريوت أن الأدلة التي جمعت من الأقراص المدمجة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة وغيرها من الوثائق إثر مداهمة الشرطة لمسجد موسى في مومباسا (الذي سمي بمسجد الشهداء) في 2 شباط/فبراير الماضي، كان يجب أن تشكل جرس إنذار للشرطة بإن هجوم إرهابي وشيك هو قيد التحضير.
وقال، "كأن [الشرطة] تعمل في خواء تام وبطريقة التفكير التي كانت سائدة قبل دخول البلاد في حرب مع حركة الشباب في الصومال. أين هي الاستراتيجية المتعلقة بسبل حماية الداخل أو [بتحديد] مستوى التهديد الارهابي الذي نتعرض له؟"
أما نيكولاس نجينجا، كبير مسؤولي الأمن في فندق ساروفا، فأيّد تشيريوت مؤكدا على ضرورة أن تضع كينيا مؤشرا وطنيا لمستوى التهديد لتتمكن من العمل بموجبه.
وقال لصباحي، "سيظهر المؤشر حجم الخطورة التي نتعرض لها لكل من الأجهزة الأمنية والمواطنين، وسيمكن جميع الأجهزة من القراءة في كتاب واحد وإدراك حجم المشكلة التي يتعاملون معها".
المتحدثة باسم الشرطة تعترف بالحاجة إلى إجراء تحسينات
وفي دفاعها عن آداء الشرطة حيال التهديد الإرهابي الأخير في مومباسا، قالت المتحدثة باسم الشرطة الكينية زيبوراه غاتيريا مبوروكي إن الحصول على أدلة أولية حول الأنشطة الإرهابية المحتملة ليس بالأمر اليسير.
وأوضحت لصباحي، "نعتمد في الغالب على معلومات من الناس لأن الإرهابيين المحتملين ليسوا أجانب بل أشخاص يتعاملون معهم".
على الرغم من ذلك، اعترفت مبوروكي بحاجة جميع رجال الشرطة إلى تحسين آدائهم في تحديد وتحليل وتفتيش الأشخاص والمركبات.
وقالت، "إن الكشف عن الأسلحة والعبوات [المتفجرة] الخطرة قبل أن تتسبب بخسائر في الأرواح والممتلكات، يعتمد على تخطيطنا الفعال وإدارة عمليات البحث والتطبيق المنهجي لإجراءات تفتيش مشددة. ولقد قمنا بموجب ذلك بمراجعة الإجراءات اللازمة ومبادئ العمل التوجيهية".
ولكن بالنسبة إلى سائق الماتاتو والمقيم في مومباسا عمر بكاري، 47 عاما، فالهجمات الإرهابية المتكررة تشير إلى إن الاستراتيجيات التي تعتمدها الشرطة لا تؤدي إلى النتائج المرجوة ويجب تعديلها.
وقال، "إما أن الاعتداءات المتكررة ... تظهر ثقة الإرهابيين من تسديد ضربتهم حين تكون الشرطة غافلة عنهم، وإما أن تكون الوسائل التي تعتمدها الشرطة قد عفا عليها الزمن".
وأضاف لصباحي أنه يجب إعادة تدريب جميع رجال الشرطة بحيث يكونوا "قادرين على الاستجابة للحوادث اليومية التي تخرج عن نطاق الخبرة والمهارة المطلوبة في عمل الشرطة العادي". وتابع، "لا ينبغي أن يكون الإلمام بسبل مكافحة الارهاب والقدرة على إجراء عمليات البحث الخطرة محصور فقط بالقوات الخاصة".
كينياتا يتعهد بإجراء إصلاحات جذرية في جهاز الشرطة
وفي خطابه عن حالة الأمة الذي ألقاه أمام البرلمان يوم الخميس، 27 آذار/مارس، وعد الرئيس الكيني أوهورو كينياتا بإجراء إصلاح جذري لجهاز الشرطة المعروف في البلاد بعدم فعاليته وفساده، متعهدا بتحسين الرواتب والظروف بهدف محاولة تطهير هذه القوة.
وقال، "لقد كان تعاون نظامنا القضائي الجنائي، من أجهزة إنفاذ القانون إلى النيابة العامة والقضاء وهيئات التقويم، ضعيف وغير فعال".
وأكد كينياتا وجود "نقص غير مقبول في التنسيق بطريقة تعاملنا مع الجريمة"، وأن "الإحباط العام والغضب" حيال عمل الشرطة السيئ "تحول في بعض الأحيان إلى ممارسة الظلم الجماعي".
وأضاف، "على الرغم من انخفاض حوادث جرائم العنف بنسبة 8 في المائة عام 2013، فهذا لا يكفي إطلاقا"، متعهدا بإرسال المزيد من رجال الشرطة إلى الشارع ومنحهم رواتب أفضل وسكن وتأمين صحي.
وأوضح أن الحكومة ستزود جهاز الشرطة بما لا يقل عن 1200 مركبة جديدة ومعدات للمراقبة حديثة.
ووفقا لوكالة الصحافة الفرنسية، يتقاضى حاليا الأدنى رتبة بين الشرطيين 17 ألف و300 شلن (200 دولار) في الشهر، ويجدون صعوبة في تحمل تكاليف السكن بعد أن يؤمنوا لأسرهم الغذاء ولأطفالهم التعليم.
وغالبا ما يضطر رجال الشرطة وأسرهم على مشاركة أخرين في مساكن مكتظة ومتداعية بمراكز الشرطة، ولا يفصلهم عن العائلات الأخرى في كثير من الأحيان سوى فاصل بسيط.
وتقول مصادر المجتمع المدني إن الظروف المعيشية السيئة تدفع بعض عناصر الشرطة للانخراط في الجريمة أو غض الطرف عنها بدلا من محاربتها.
فيما أكد كينياتا أن الوضع الحالي هو "نتيجة مباشرة لنقص الاستثمارات على مدى العقود الثلاثة الماضية".
الصباحي