يعتبر رجال الشرطة الكينية، ولا سيما أولئك الذين يعملون في ظروف صعبة أو خطيرة، أنه نادراً ما يحصلون على التقدير للجهود التي يبذلونها في محاربة غياب الأمن وحماية المواطنين في مختلف أنحاء البلاد.
وأوضحوا أنه غالباً جداً ما تحجب الانتقادات الموجهة إلى جهاز الشرطة، كالاتهامات بالفساد وعمليات القتل الخارجة عن القانون، عملهم الدؤوب وتفانيهم.
وقال أنطوني نغاري، 33 عاماً وهو من ضباط الشرطة في غاريسا، "نحتاج إلى حد أدنى من التقدير إذ أننا نكرّس أنفسنا لحماية المواطنين وممتلكاتهم من المجرمين والجماعات الإرهابية. فإنها لتضحية أن ننفذ عمليات أمنية للقضاء على الأشخاص الذين يهدفون إلى القتل والدمار ونزع سلاحهم".
وبحسب استطلاع لمقياس الفساد العالمي لمنظمة الشفافية الدولية، صُنفت الشرطة الكينية بالأكثر فساداً بين المؤسسات الكينية إذ أعرب 95 في المائة من المواطنين الذين شملهم الاستطلاع عام 2013 أن جهاز الشرطة فاسد.
أما بالنسبة لعمليات القتل الخارجة عن القانون، فقتلت الشرطة 143 شخصاً في عام 2013، "أُعدمت غالبيتهم من دون محاكمة"، حسبما جاء في تقرير أصدرته في 5 آذار/مارس الوحدة الطبية القانونية المستقلة وهي منظمة غير حكومية مقرها نيروبي تُعنى بحماية حقوق الإنسان والنهوض بالحوكمة السليمة.
وذكر نغاري أن العديد من رجال الشرطة يشعرون بالإحباط جراء الاتهامات المتواصلة "بكل خطيئة وجريمة تُرتكب".
وأوضح قائلاً "في غالبية الأحيان، نكون مزودين ببندقية جي.3 أو برشاش أي.كي.-47 لمواجهة مجرمين يحملون القنابل وأنواعاً أخرى من المتفجرات. ونحن أول من يصل إلى ساحة الجريمة ونتدخل في بعض الحالات في هجوم ثانوي. وغالبيتنا لا تملك أي سترات واقية كما أن مركباتنا غير مدرعة، ولكن نُضطر إلى ابتكار طرق للتعامل مع متطلبات الظروف التي نكون فيها".
الرواتب غير الكافية تقود بعض رجال الشرطة إلى الفساد
في هذا السياق، قال باتريك كيموتاي، 35 عاماً وهو من عناصر جهاز شرطة بانغاني في نيروني، إن الرواتب غير الكافية تدفع بعض رجال الشرطة إلى اللجوء إلى طرق احتيالية "لجني مبالغ إضافية والتمكن من إعالة عائلاتهم".
وأضاف أن البعض يعمد إلى ابتزاز المشتبه بهم، بما في ذلك بيع شهادات مؤقتة تُستعمل بدل بطاقات الهوية المفقودة أو اختلاق تهم ضد مدنيين أبرياء للحصول على رشاوى.
وقال كيموتاي لصباحي "في نهاية كل شهر، أحصل على راتب 17 الف و200 شلن (199 دولاراً). لدي زوجة وولدين مسجلين في المدرسة الابتدائية. من الصعب جداً تغطية التكاليف بمثل هذا المبلغ".
وأشار كيموتاي إلى أنه استأجر شقة لعائلته في إلدوريت مقابل 7000 شلن (81 دولاراً) في الشهر.
وقال "أنفق حوالي 3000 شلن (35 دولاراً) على ولدي المريض بالربو كل شهر. علي أن أسدد قروضاً بقيمة 4000 شلن (46 دولاراً). يتبقى لي مبلغ 3200 شلن (37 دولاراً) لا يكفي لشراء الطعام واللباس وتغطية أي مصاريف في حالات طارئة. وفي نهاية المطاف، لا يبقى لي أي مبلغ أحتفظ به.
من جانبه، أكد المحقق العام للشرطة، ديفيد كيمايو، في حديث لصباحي على أن الشرطة تتخذ تدابير لرفع مستوى معيشة رجال الشرطة كما تعمل لجنة جهاز الشرطة بالتعاون مع لجنة الرواتب والأجور على رفع مستوى الأجور والتعويضات الأخرى.
وحالياً، يبلغ الراتب الشهري لعريف في الشرطة 35 الف و235 شلن (407 دولاراً) وراتب الرقيب 37 الف و845 شلن (437 دولاراً)، فيما يجني المحققون في الشرطة 56 الف و450 شلن (652 دولاراً) والمفتش 77 الف و135 شلن (891 دولاراً) ومساعد المفوض 85 ألف شلن (982 دولاراً).
وقال كيموتاي إنه بالرغم من التعويضات المحدودة التي يحصل عليها رجال الشرطة، غالبيتهم ملتزمة بصدق بخدمة المجتمع.
وأوضح "يتم تدريبنا في كلية تدريب عناصر الشرطة على استعمال الأسلحة وعلى فهم حقوق الإنسان ومختلف القوانين، ولكن بعضنا يمشي عكس ما تعلمناه بسبب الإحباط الذي يصاب به". وشدد على أهمية أن يقرّ الشعب والحكومة بضرورة دفع تعويضات أفضل للشرطة مقابل المهام الهامة التي تنجزها.
عناصر تعمل بعيداً عن مناطقها وفي ظروف خطيرة
ذكر وينسلي ماسيزي، وهو شرطي في جهاز شرطة مانديرا، أن أحد أسباب الإحباط في صفوف العناصر المنتشرة في المناطق الشمالية الشرقية والمناطق الشرقية والشمالية غربية يتمثل في الفترات الطويلة التي يمضونها في الخدمة بعيداً عن ديارهم.
وقال ماسيزي الذي يعمل في مانديرا منذ 10 سنوات "ثمة بند في نظامنا الداخلي بجهاز الشرطة يحدد فترة بقاء رجال الشرطة في المركز نفسه بثلاث سنوات، ولكن لا يُطبق هذا البند أبداً".
وشرح لصباحي "إن بقاءنا بعيداً عن المنزل لهذه الفترة الطويلة يؤثر سلباً على علاقاتنا العائلية"، مضيفاً أن زوجته طلّقته عام 2008 بعد 12 عاما من الزواج، محتفظة بحق الوصاية على أطفالهم الثلاثة نظراً لبقائه في الخدمة لفترة طويلة.
وقال ماسيزي وأصله من مقاطعة نياميرا، إنه خلال فترات انعدام الأمن، لا يحصل رجال الشرطة حتى على فرص لزيارة عائلاتهم فتُلغى العطل ويتم استدعاء من هم في عطلة.
وأشار إلى أن غالبية العناصر في هذه المنطقة لم تنعم بعطل منذ العام 2011 عندما كثّفت حركة الشباب هجماتها في البلاد. وأضاف "في شهري أيار/مايو وحزيران/يونيو 2013، كنا نعمل بدوامات متتالية لاحتواء أعمال العنف بين قبيلتي ديغوديا وغاري.
وذكر أن فترات الانتشار الطويلة هذه من دون أي علاوة لتمويل عمليات نقل عائلات العناصر الأمنية دفعت بعض هؤلاء الرجال إلى التورط في علاقات ذات منفعة متبادلة مع مجرمين أو جماعات إرهابية وإلى التراخي في أداء مهامهم.
وبدوره، قال سايرس موتاي، 35 عاماً وهو عريف في شرطة مقاطعة واجير، في حديث لصباحي إنه تم نقل بعض رجال الشرطة المتمركزين في المناطق الشمالية إلى تلك المناطق بالذات لأسباب تأديبية نظراً لظروفها المناخية الأقسى وللوضع الأمني الصعب.
ولكن مثل هذه الممارسات غير فعالة وتزيد الوضع الأمني في البلاد سوءاً، حسبما شرح موتاي.
وأوضح "يجب تعيين العناصر في تلك المناطق القاحلة ولا سيما في المنطقة الشمالية الشرقية بنية صادقة. إذا كان الحقد أو الانتقام هو دافع نشرهم في تلك المناطق، فما من شيء سيردع تلك العناصر من السماح للأسلحة الفتاكة والمشتبه بهم [بعبور الحدود].
الشرطة أقسمت بخدمة الشعب عند الحاجة
أقرّ قائد شرطة مقاطعة مانديرا، نوا مويفاندا، بأن المناطق القاحلة تُتخذ عادةً وجهة لرجال الأمن وعناصر الخدمة المدنية الفاسدين.
وأضاف لصباحي "كان يشكل ذلك ضعف بصيرة من قبل القادة الذين يأمرون بهذه التعيينات. ولكن الوضع تغيّر اليوم بعد أن تبيّن أن مناطق مثل المنطقة الشمالية الشرقية والمنطقة الساحلية الأساسية في الحرب ضد الشباب، تتطلب رجال شرطة ملتزمين وسليمين من الناحية النفسية".
وقال إنه لم يعد يتم اليوم تعيين رجال الشرطة الفاسدين في المناطق القاحلة كتدبير تأديبي. ويتم عوضاً عن ذلك تعليق مهامهم أو صرفهم من الخدمة.
ودافع مويفاندا أيضاً عن قرار إبقاء عناصر الشرطة في الخدمة لفترات مطولة من دون السماح لهم بأخذ عطل في بعض حالات الطوارئ. ولكنه نفى وجود قرار دائم بمنع الإجازات.
وشرح قائلاً "قرار الإلغاء طال الحالات التي يكون فيها العديد من رجال الشرطة في إجازة في الوقت نفسه. ونسمح حالياً لعنصرين أو ثلاثة عناصر [بأخذ إجازة] في فترة معينة، فيتمكن آخرون من أخذ إجازة بعد عودتهم، ويتوقف ذلك على الوضع الأمني السائد".
وقال "إن البلاد في حالة تأهب قصوى وعلى رجال الشرطة المعدودين والمتوفرين العمل لاحتواء التهديدات الأمنية الخارجية والداخلية"، مضيفاُ أن الشرطة أقسمت بالتدخل كلما دعت الحاجة إلى ذلك.
الصباحي