يرى مراقبون أن العام الماضي لم يتخلله أي تغيير يلحظ على النظام القضائي في الصومال عازين السبب إلى فشل الحكومة في تطبيق توصيات أساسية صدرت عن مؤتمر الحوار الوطني والإصلاح القضائي الذي عقد في نيسان/أبريل من العام الماضي.
وكان المشاركون في المؤتمر، وهم ممثلون عن مختلف شرائح المجتمع الصومالي، قد أصدروا بيانا من 19 بندا حدد مدة زمنية على المسؤوليات الحكومة في إنشاء محكمة دستورية و لجنة مستقلة لحماية حقوق الانسان ولجنة لمحاربة الفساد، وتعيين قضاة ضمن المحاكم الفيدرالية للبلاد خلال خمسة أشهر، إضافة إلى بنود أخرى.
واقترح المشاركون أيضا على الحكومة العمل الفوري لإنشاء المعهد الوطني لتدريب العاملين في المجال القضائي وإعادة بناء المحاكم التي دمرت خلال الحرب الأهلية وإنشاء نظام إدارة لإدارة المحاكم.
لكن وعلى الرغم من الوعود التي أطلقها المسؤولون لم تظهر "إشارات واضحة عن إحراز أي تقدم" في تطبيق التوصيات الصادرة في المؤتمر، وفقا لما قاله رئيس هيئة الجهات الفاعلة غير الرسمية للمنطقة الجنوبية الوسطى في الصومال عبد الله محمد شيروى.
وأوضح شيروى أنه التقى بمسؤولين عن الإصلاح القضائي بينهم وزير العدل والشؤون الدستورية ورئيس المحكمة الاقليمية في بنادير ومسؤولين كبار آخرين في إطار جهود الهيئة الرامية لضمان المساءلة، لكنه لم يلمس أي جهد واضح لتطبيق حملة الإصلاح في القضاء.
حاجة لتعزيز ثقافة المساءلة
ورأى شيروى أن من بين المسائل التي تحتاج إلى اهتمام مباشر الفساد في النظام القضائي. واعتبر أن ثمة الكثير من الشكاوى بتقاضي الرشوة في مسائل تطرح أمام المحاكم، الأمر الذي يكسر رابط الثقة مع المواطنين.
وأكد "علينا أن نسأل الجميع عن الوعود التي أطلقوها سابقا وما تحقق منها. على الناس أن يحاسبوا المسؤولين ويعتمدوا ثقافة المساءلة".
واعتبرت آسلي اسماعيل دوالي، رئيسة مجموعة تعزيز تطوير المشاريع والتربية للنساء أن عدم إحراز أي تقدم من قبل الحكومة في إصلاح النظام القضائي يولد شعورا من اليأس.
وقالت لصباحي "كانت آمالنا عالية في أن تقوم الحكومة الحالية بإصلاحات ملموسة على النظام القضائي في البلاد، لكن للأسف لا يبدو أن الأمر قد تم. إن القضاء هو عماد الدولة وإصلاحه جانب أساسي في تحقيق استقرار البلاد".
وأشارت إلى أنه "لو تم تطبيق التوصيات حول إنشاء محكمة فيدرالية ومحكمة دستورية، لما كان هناك من خلاف بين المسؤولين الكبار حول واجبات الرئيس ورئيس الوزراء، وكانت الحكومة الفيدرالية ستجد الحلول لبعض المسائل المتعلقة بالخلافات حول الإدارات الإقليمية".
من جانبه اعتبر حسن علمي يحيى، 68 عاما وهو أحد الوجهاء التقليديين بمقيديشو إن التقدم البطيء للحكومة في تطبيق التوصيات انعكس شكا بين المواطنين الذين يلجأون إلى المحاكم لحل النزاعات القضائية وفضلوا أخذ الأمور بيدهم.
وأضاف "حين لم يكن هناك من حكومة كنا نلجأ إلى حل النزاعات بين الناس وفقا للقوانين التقليدية، أما اليوم فما نراه هو أن القوانين التقليدية لا فائدة حالية منها وأن المحاكم غير جاهزة للتعامل مع أي نزاع".
الإصلاح القضائي أساس الاستقرار
من ناحيته أشار شفيق إسحق، 28 عاما وهو طالب بجامعة مقديشو في كلية العلوم السياسية والإعلام، إلى أن تحسين النظام القضائي يجب أن يكون من أولويات الحكومة.
وقال في حديث لصباحي "حين انهارت الحكومة العسكرية، كنت في الرابعة من العمر ولم أكن قد اختبرت ما هو القانون والنظام سوى من الأفكار التي تعلمتها في المدرسة".
وتابع القول "لذا تخيل شخصا في سني لم يكن قد ذهب إلى المدرسة وكبر في بيئة لا حكم للقانون فيها، هذا الشخص لا يمكنه أن يميز بين مسؤولياته وحقوقه وفقا للقانون"، مضيفا أن إضافة نظام قضائي متين يجب أن يكون أساسا في خطة فرض الاستقرار في الصومال.
ووفقا للمحامي ضاهر محمد علي، أمين عام اتحاد المحامين الصوماليين والأستاذ في جامعة مقديشو، فان بعد أكثر من 20 عاما من الدمار وغياب حكم القانون تواجه الحكومة مهمة صعبة وستحتاج إلى المزيد من الوقت لتطبيق الإصلاحات القضائية.
واعتبر علي أن البنية السابقة للقضاء والقوانين التي اعتمدت قبل الحرب الأهلية تحتاج إلى المراجعة حتى يصير إلى تطبيقها في النظام الفيدرالي في الصومال، مؤكدا على ضرورة "إنشاء المحاكم الفيدرالية والإقليمية حتى تتمكن كل منطقة من النظر في القضايا التي تسلم لها".
وأضاف لصباحي أن معالجة غياب الثقة في النظام القضائي تتطلب من الحكومة توظيف أفراد أكفاء وصرف الموظفين الذين تلطخت سمعتهم باتهامات بسوء السلوك والفساد. وقال "إن هؤلاء الموظفين ما زالوا في وظائفهم منذ الإدارات الانتقالية الضعيفة ولم يخضعوا للمساءلة".
وأوضح أن من أكثر المسائل الملحة هي توجيه اهتمام الدولة إلى الخلافات على الملكية.
وذكر علي "يمكننا أن نجد [قطعة أرض] يدعي عدد من الأشخاص ملكيتها ولهم مستندات قانونية تزعم ذلك هذا لأن الحكومة السابقة ألغت تلك المستندات وما عادت موجودة لفقدان الأرشيف الذي يبين ذلك".
وأكد "على الحكومة أن تضع سياسة واضحة لتوزيع الأراضي لأن بعض الناس لديهم مساحات شاسعة يدعون أنهم ورثوها لرعاية الماشية، بينما لا يملك آخرون أي قطعة أرض يسكنوها".
وأردف قائلا "على الحكومة أن تنشئ لجنة تشمل مهندسين وخبراء عقاريين ومحامين من الحكومات المحلية [لحل تلك المسائل]".
وإن عدم التحرك في المسائل الهامة، قال علي، قد يؤدي إلى عدم استقرار أكبر.
وزير العدل: الحكومة تحرز تقدما
أما وزير العدل والشؤون الدستورية فارح شيخ عبد القادر محمد، فقد صرف الاتهامات حول بطء الحكومة في إجراء الاصلاحات وقال إن عليها أن تفرض سيطرتها على الوضع الأمني قبل التركيز على مسائل أخرى.
ورأى أنه "من غير الصحيح القول إن الحكومة قد فشلت في إنجاز ما هو متوقع منها. فالحكومة قد عملت على أداء المهام المتوقعة منها، أبرزها تعزيز السلام والاستقرار في البلاد".
وأشار محمد إلى أن الحكومة كانت لا تزال تبذل جهودا مستمرة في إصلاح القضاء.
وصرح لصباحي "لقد انتهينا مؤخرا من وضع مسودة لقانون إنشاء اللجنة القضائية وسيتم مناقشته والموافقة عليه في البرلمان قريبا"، مؤكدا أن ثمة المزيد من القوانين المعلقة في البرلمان وبينها قانون المحكمة الدستورية وقانون لجنة حقوق الانسان.
الصباحي