كينيا

يعتقد محللون أمنيون ومسؤولون أن عملية مكافحة الإرهاب الجارية في كينيا ستثمر عن عواقب خطرة غير متعمدة، قد تضر بالتقدم المحرز على صعيد تعزيز التسامح والتعايش السلمي بين المواطنين.


فما بدأ كعملية لطرد عناصر حركة الشباب والمتعاطفين معها، إنتهى باعتقال الآلاف من الصوماليين وترحيل أخرين خلال الشهر الماضي بحجة إقامتهم في البلاد بشكل غير قانوني.

وحذر المحللون من إن النتائج غير المقصودة للعملية الأمنية دقت إسفينا بين المسيحيين والمسلمين، بات من السهل على حركة الشباب استخدامها لإثارة الفتنة الطائفية وزعزعة الأوضاع لتحقيق أهدافها العنيفة.

وفي هذا الإطار، قال الرائد المتقاعد في الجيش الكيني الرائد بونيفاس موتوكو، إن الخطة الأمنية التي اعتمدتها الحكومة غير فعالة لأنها مزجت بين مشكلتين أساسيتين تواجههما البلاد.

وأضاف موتوكو لصباحي، "لكي تنجح، يجب على الحكومة فصل مشكلة انعدام الأمن ومكافحة الإرهاب عن مسألة اللاجئين وشؤون الهجرة. إن الدمج بين مشكلتين تتطلب كل منهما مقاربة مختلفة قد يؤدي إلى خلق مشكلة أكبر".

وأوضح أنه "يوجد في البلاد بعض اللاجئين والمهاجرين الصادقين، وحتى بعض المهاجرين غير الشرعيين الذين يسعون فقط إلى تحقيق الاستقلال الاقتصادي. قد يكونوا يعلمون هوية من يعيث فسادا ويسفك الدماء في كينيا ويرغبون بالكشف عن [هذه المعلومات] للسلطات، ولكن من الممكن لعمليات كهذه أن تمنعهم من القيام بذلك".
لينكو: لن يردعنا شيء

في المقابل، أكد وزير الداخلية والتنسيق الوطني في الحكومة الكينية جوزيف أولي لينكو أن وجود اللاجئين يشكل المصدر الرئيس للعنف في البلاد.

وقال لصباحي، "إن انعدام الأمن والإرهاب ووجود اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين هي مشاكل مترابطة لا يمكن الفصل بينها. لقد اعتقل خلال الحملة الأمنية أشخاص من جنسيات أخرى ورحلوا أو أعيدوا إلى المخيمات حيث يجب أن يكونوا".

وأضاف لينكو أن قلة الموارد دفعت الحكومة إلى شن عملية واحدة لمواجهة مختلف التحديات الأمنية التي تواجه البلاد. وأوضح أنه "لا يعقل أن نلاحق المجرمين ونبحث عن الأسلحة غير الشرعية أولا، ثم نشن لاحقا حملة أمنية منفصلة لضبط اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين".

وتابع، "لن يردعنا عن مهمتنا أي صراخ مهما علا، لأنه سبق للحكومة أن حذرت منذ العام الماضي اللاجئين المقيمين في المناطق الحضرية بضرورة العودة إلى مخيمات اللاجئين طوعا، لكنهم تجاهلوا هذه [التحذيرات]. ولنثبت أننا جادون جدا بالحفاظ على أمن البلاد، سنعمد في وقت قريب جدا إلى إغلاق مخيمات اللاجئين".

من جهة أخرى، قال عضو مجلس الشيوخ في مقاطعة واجير، عبد الرحمن حسن علي، إن الحكومة هدرت الوقت والمال بترحيلها الصوماليين، وحثها بدلا من ذلك على استثمار مواردها المحدودة في تعزيز قدرات جمع المعلومات الاستخباراتية.

وقال لصباحي، "لا معنى لعمليات [الترحيل] في ظل وجود ثغرات حدودية بين كينيا والصومال يسهل اختراقها وانتشار الفساد في صفوف قوات الأمن. الشخص الذي ترحله الحكومة اليوم سيعود عاجلا أم آجلا عبر الحدود المليئة بالثغرات. كيف تمكن ما يسمى بالمهاجرين غير الشرعيين أو اللاجئين من الوصول إلى نيروبي؟ حصل ذلك [بسبب] الفساد في صفوف قوات الأمن، وسيتبعون القنوات نفسها للعودة".
الحملة الأمنية توفر حججا لحركة الشباب

بدوره، قال المحلل الأمني والعقيد المتقاعد في الجيش الكيني داود الشيخ أحمد، أن الحملة تساهم في دفع جهود التجنيد التي تقوم بها حركة الشباب والمتعاطفين معها وتوفر لهم حججا لتبرير عنفهم.

وأضاف أنه عندما ذهبت قوات الدفاع الكينية إلى الصومال عام 2011، كان شعار التجنيد لدى حركة الشباب أن كينيا هي ضد الإسلام وأنها غزت بلدا مسلما. إن العملية الأمنية توفر لهذه الجماعة الذرائع لتجديد دعوتهم إلى العنف.

وتابع أحمد لصباحي، "من الممكن أن تسفر الحملة الأمنية بطريقة ما إلى جمع المعتدلين والمتطرفين [المسلمين]، في حين تدق إسفين الشك بين المسلمين والمسيحيين وتدفع قدما بالقضية التي تنادي بها حركة الشباب. ربما كانت الحكومة حسنة النوايا ولكن الخطة التي اعتمدتها مشوشة وتحتاج إلى إعادة نظر".
الحملة الأمنية تخلق مزيدا من التوتر بين الأديان

ويرى مسؤولون دينيون أن تزايد الاهتزاز الأمني في كينيا والحملة الأمنية التي أعقبته، دفع المسيحيين والمسلمين إلى تجنب التواصل اجتماعيا والتعامل مع بعضهم البعض.

وعن هذا الموضوع، قال رئيس المجلس الإسلامي الاستشاري الوطني في كينيا الشيخ جمعة نجاو، إن بعض المسلمين يعتقدون أن الحكومة اصطفت في حملتها الأخيرة إلى جانب المسيحيين إذ لم تعتقل الشرطة سوى مسلمين.

وأوضح لصباحي، "يأتي إلي بعض المؤمنين أو يتوجهون إلى زعيم مسلم أخر ليشتكوا من أن الشرطة توقفهم فقط وتترك إخوانهم المسيحيين يذهبون في حال سبيلهم دون [القبض عليهم]. وأفادنا أخرون من إنه يمنع عليهم دخول بعض الأماكن العامة والخاصة، فيما أكد البعض أنه ينظر إليهم بشك عندما يستخدمون وسائل النقل العام".

وأضاف نجاو، "ويسألنا أخرون إذا كان ينبغي عليهم الرد بعنف على المعاملة غير العادلة التي تعرض لها إخوانهم المسلمون في الحملة الأمنية وما يجري من تدنيس للمساجد خلالها".

وأكد أنه إضافة إلى هذا، يرفض بعض أصحاب العمل المسيحيين من توظيف المسلمين لديهم.

في المقابل، اعتبر رئيس مجلس الأديان في المناطق الساحلية الأب ويليبارد لاغهو، أن المسيحيين عانوا ما يكفي من استهدافهم في كنائسهم وفي المطاعم التي يرتادونها.

وقال لصباحي، "كان المسيحيون والمسلمون في المناطق الساحلية قد قطعوا شوطا كبيرا في التواصل فيما بينهم لتعزيز التسامح والوحدة. لكن الهجوم الأخير على كنيسة في ليكوني والحملة الأمنية التي أعقبته يهددان بإبطال كل المبادرات التي كانت قائمة".
التوتر ينتشر على وسائل التواصل الاجتماعي

من جانبها، أكدت مديرة لجنة التوجيه الوطني لرصد وسائل الإعلام ماري أومبارا أن توتر العلاقة بين المسيحيين والمسلمين انتشر أيضا على وسائل التواصل الاجتماعية.

وقالت أومبارا في مؤتمر صحافي عقد في نيروبي يوم 16 نيسان/أبريل، "منذ بداية العملية ظهرت على الفايسبوك وتوتير مدونات تنضح بالكراهية والتعصب والسخرية وتنافي مبادئ الإنصاف والموضوعية".

وأضافت أن خطاب الكراهية شهد تراجعا من 76 في المائة عام 2012 إلى 23 في المائة عام 2013، لكنه عاد وارتفع بنسبة 43 في المائة بين 1 نيسان/أبريل و 15 منه.

أما سيلاس ليني، الذي يدرس تكنولوجيا المعلومات في كلية ارجيفير للحاسبات في واجير، فقال لصباحي أنه خسر نحو 40 صديقا على الفايسبوك وتلقى سيلا من التعليقات السلبية بعد أن دعا عبر صفحته إلى دعم العمليات الأمنية.

وجاء في الدعوة التي وجهها، "يبدو أن قدر الحكومة هو الفشل سواء تحركت لكبح انعدام الأمن أو لم تتحرك. لندعم المحاولة التي تقوم بها لمواجهة التهديدات الأمنية، سواء جاءت من حركة الشباب أو من [عصابات] مونجيكي وسونغو سونغو وفتية بغداد".

وأضاف أن أحد أصدقائه الصوماليين احتج في تعليق له على دعوته قائلا، "إن الحكومة تسوق الصوماليين إلى معسكر اعتقال وتطلب منا تقديم الدعم لها؟ لا يمكن لذلك أن يحدث". فيما سأل صديق مسيحي في تعليق أخر، "هل يتوقع المجرمون الصوماليون من الحكومة أن تستضيفهم في فندق خمسة نجوم؟".

وتابع أن أصدقاء آخرون غضبوا منه وأزالوه من لائحة أصدقائهم. وقال، "كان بعضهم فظا جدا و[قال] أنه لا يريد [لكافر] مثلي أن يكون صديقا له على الفيسبوك قبل أن يمنعني من ولوج صفحته".

وأكد ليني أن بعضا من أصدقائه المسيحيين نشر أيضا رسائل استفزازية حول الصوماليين مثل هذه الرسالة من صديق له في ألدوريت، "على جميع الصوماليين حزم أمتعتهم ومغادرة كينيا لأنهم مصدرا للعنف. عندما نقتل في أماكن عبادتنا ويمطر الأطفال بالرصاص، يلتزم الصوماليون الصمت".

وقال ليني أنه أسيء فهم رسالته الأولى، مضيفا أنه لم يتغاض عن الانتهاكات التي ترتكبها الشرطة أثناء التحقيقات. وأكد أنه عمد إلى محو هذه الرسالة وحاول الاتصال ببعض أصدقائه لتوضيح وجهة نظره.

وذكر أنه في ما يتعلق بوسائل التواصل الاجتماعية، على الجميع أن يكون أكثر حذرا حول ما ينشر وأن يشجع على الحوار المثمر.

من جهتهما، أمل كل من نجاو ولاغهو بعودة المبادرات الحوارية بين الأديان في المجتمعات الأهلية على الرغم من تصاعد التوتر بين المسلمين والمسيحيين، وحثوا المواطنين على العمل معا لتعزيز الوحدة.
الصباحي


الخبر السابق - الخبر التالي تحضير للطباعة أرسل هذا الخبر إنشاء ملفpdf من الخبر
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع

أخبار أخرى

  • 2021/12/20 10:46:03 وفد مساعدي أعضاء الكونجرس الأمريكي يشيد باجراءات الإصلاح الاقتصادي في مصر
  • 2021/12/12 6:43:20 وفد من جنوب السودان يصل إلى الخرطوم لبحث تنفيذ اتفاق البرهان وحمدوك
  • 2021/12/7 6:45:24 اليوم.. مصر تحتضن مؤتمرًا دوليًا لمواجهة التغيرات المناخية
  • 2021/12/1 10:56:01 بعد قليل.. فتح الطيران المباشر بين مصر والسعودية
  • 2021/11/30 10:50:04 برلمانية: معرض إيديكس 2021 رسالة ردع لكل من يحاول تهديد أمن مصر
  • 2021/11/30 10:47:31 عضو «السيادة السوداني» يبحث سبل حل قضية شرق السودان
  • 2021/7/18 5:24:27 «تطورات خطيرة».. السودان يكشف انخفاض مياه الأزرق لـ 50% بسبب سد النهضة
  • 2021/7/18 5:14:46 مصر سترصد الفضاء بثاني أكبر تلسكوب في العالم
  • 2021/2/13 11:24:06 إثيوبيا تمارس "الاستيطان الإسرائيلي" وينقصها الشجاعة لإعلان الحرب
  • 2021/2/13 11:20:57 مصر تنتظر توضيح مواقف إدارة بايدن من قضايا الإقليم
  • 2021/1/13 8:18:25 تصفية أشهر وأعرق شركة تأسست في عهد جمال عبد الناصر
  • 2020/12/29 4:53:31 الجيش المصري يستعد في شمال سيناء
  • 2020/12/28 9:06:31 على أعتاب الاكتفاء الذاتي في سلعة استراتيجية
  • 2020/12/27 7:21:04 السيسي: اتفاق سد النهضة يجب أن يكون ملزما ويحفظ حقوق مصر
  • 2020/12/13 8:50:00 يغلق معبر أرقين الحدودي مع مصر
  • 2020/12/12 11:18:08 715 مليون يورو تمويلات فرنسية إلى مصر.. وهذه تفاصيلها
  • 2020/12/6 6:31:09 البعثة الأممية في ليبيا تعلن نتائج التصويت على مقترحات آلية اختيار السلطة التنفيذية الموحدة
  • 2020/12/6 6:20:50 إقالات ودعوة لـ"يوم غضب" إثر مقتل طبيب بسقوط مصعد معطل
  • 2020/11/30 5:28:26 البرلمان الليبي يدعو لعقد جلسة خاصة
  • 2020/11/30 5:26:54 تسجيل 66 وفاة و1271 إصابة جديدة بفيروس كورونا
  • 2020/11/28 8:12:19 السودان تشيع جثمان زعيم حزب الأمة الصادق المهدي في جنازة مهيبة
  • 2020/11/25 10:58:44 السيسي: لقاح فيروس كورونا سيكون متوفرا في مصر منتصف العام المقبل
  • 2020/11/23 10:05:05 ماذا يعني انسحاب السودان من مفاوضات سد النهضة؟ خبراء يجيبون
  • 2020/11/18 10:11:06 رئيس وزراء السودان يؤكد الاستعداد للتعاون مع بعثة "يونتامس"
  • 2020/11/17 11:29:29 تبادل إطلاق نيران في ظل وضع ملتبس بالصحراء الغربية وتصعيد بين الجيش المغربي والبوليساري
  • 2020/11/17 11:26:22 صراع الحرب الأهلية يشتد.. محاولات وساطة لوأد النزاع في تيغراي
  • 2020/11/17 11:03:11 بريطانيا تسعى لسحب لقب أكبر مستثمر أجنبى فى مصر من الاتحاد الأوروبى
  • 2020/11/14 10:58:35 مباحثات سودانية - أمريكية في الخرطوم
  • 2020/11/11 7:57:26 إثيوبيون بينهم عسكريون يفرون من القتال في تيغراي إلى السودان
  • 2020/11/11 7:55:21 مجلس الأعمال المصرى اليونانى: استثمارات يونانية فى مصر تخطت المليار يورو