لا يعدّ الشيخ عباس محمود إماما عاديا يقتصر عمله على إلقاء الخطب في المسجد وإمامة الصلاة، فهو أيضا يحمل السلاح في وجه حركة الشباب إلى جانب الجيش الوطني الصومالي وقوات بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (أميصوم).
ومحمود، 55 عاما، هو إمام مسجد في بلدة راس كامبوني بمنطقة جوبا السفلى، ويقول أنه شهد على محاولات جماعات عدة لإحباط جهود تحقيق السلام والاستقرار في الصومال، إلا أن حركة الشباب هي بالنسبة له الخطر الأكبر الذي تواجهه البلاد أمام إنفاذ سيادة القانون.
وأضاف لصباحي، "حركة الشباب مختلفة عن أي جماعة أخرى لأنها تستخدم عقيدة [دينية] مشوهة لتبرير العنف العشوائي الذي تنفذه ضد المسلمين وغيرهم من الأبرياء".
وأردف محمود أنه قرر الانضمام إلى القوات المتحالفة بهدف إعادة السلام إلى الصومال ومكافحة عقيدة حركة الشباب المخادعة.
عقيدة حركة الشباب المشوهة
وأوضح أن " العقيدة المشوهة التي تروجها حركة الشباب تهدد الإسلام وإيمان المسلم ووضعت الدين الإسلامي في موقع تصادمي مع الأديان الأخرى. عليّ أن أوازن بين إمامة الصلاة وإلقاء الخطب حول الشريعة الإسلامية الحقة، ومقاتلة هؤلاء الذين يشوهون [الدين] لتحقيق مآربهم الشخصية".
وأقرّ محمود بأنه أصبح هدفا لحركة الشباب بسبب "وقوفه" إلى حانب من يصفونهم بالكفار، إلا أنه يؤكد أن ذلك لن يقف طريق عثرة أمام جهوده.
وقال، "الموت هو حق الله [علينا]. وكل من في الصومال هو هدف لهذه الجماعة. فإذا كان مقدرا لي أن أموت في ساحة المعركة، لا أستطيع تفادي هذا الأمر. لكنني أسعى للدفاع عن تعاليم الإسلام الصحيحة وعن الناس".
وذكر محمود أن تصميمه على مقاتلة حركة الشباب يحتم عليه الابتعاد عن منزله في مديرية باضعاضي.
وتابع، "ما تزال هذه المجموعة تسيطر على أجزاء من الصومال، وطالما أنا على قيد الحياة وبصحة جيدة، سأرافق الجيش الصومالي والقوات المتحالفة إلى ساحة المعركة"، مضيفا أنه تلقى تدريبا وخدم في الجيش مدة أربع سنوات قبل أن يحلّ عام 1991.
وأكد أن مشاركته في الحرب هي أكثر من رمزية، إذ يمتلك دراية واسعة بطبيعة الأرض ومعالمها في الجزء الجنوبي من المنطقة حيث تقاتل القوات المتحالفة المتشددين.
ومحمود الذي حمل السلاح منذ أن دخلت قوات الدفاع الكينية إلى الصومال عام 2001، ليس رجل الدين الوحيد الذي يشارك في المعركة.
وعن هذا الموضوع قال، "يلعب رجال الدين دورا كبيرا في صفوف الجيش الوطني الصومالي، لجهة إقناع الناس بقبوله وقوات الأميصوم كحلفاء في الحرب ضد حركة الشباب"، موضحا أن الاحترام الذي يكنه الناس للشيوخ يسمح لهم باستخدام معارفهم للحصول على معلومات حول مخابيء عناصر الشباب وأنشطتهم وخططهم.
محاربة حركة الشباب واجب ديني
بدوره، أعرب الشيخ حسن سلات، 45 عاما، المقيم في دوبلي، عن اعتقاده بان مشاركة الجيش الوطني الصومالي في محاربة حركة الشباب هو واجب ديني.
وقال لصباحي، "لن يتردد عناصر حركة الشباب في قتل الأبرياء. ولهذا، ودفاعا عن نفسي وعن الناس، أشارك مع الجيش الصومالي في الغارات السرية التي ينفذها على مخابيء هذه الجماعة، وقتلهم وأسرهم خلال هذه العمليات".
وأوضح سلات أنه انضم إلى القتال في ساحة المعركة لكي تتمكن الأجيال الصومالية المقبلة من التنعم بالسلام والطمأنينة اللذين هجرا هذه البلاد لأكثر من عقدين من الزمن.
وأضاف، "حين أحمل سلاحي لمقاتلة حركة الشباب، أبعث في الوقت نفسه برسالة إلى عامة الناس بأن هذه الجماعة على خطأ. من المهم أن نتوحد ضد من يقتل الأبرياء استنادا إلى عقائد مشوهة".
ومثله مثل محمود، أكد سلات أنه تلقى تهديدات من حركة الشباب لكنه لن يرتدع عن المشاركة في الحرب ضد المتطرفين.
وقال، "أدرك أنهم على درجة كبيرة من الخطورة وأنني تعرضت لمحاولات اغتيال عدة، لكنني مستعد بالتضحية بكل ما أملك وحتى بحياتي في سبيل المدنيين الذين عانوا طيلة هذه السنوات".
وأكد أن "هذه الجماعة قتلت العديد من رجال الدين الذين يعارضون علنا أنشطتها الإجرامية، لكنني لا أبالي بذلك".
وذكر سلات أنه ينظم تجمعات عامة في بلدته وحين يخرج في مهمات مع القوات المتحالفة، بهدف التواصل مع المدنيين وإقناعهم بالوقوف ضد التطرف.
وتابع، "استغل هذه التجمعات لأعظ ضد حركة الشباب وفي الوقت عينه للتعريف بمبادئ الدين الإسلامي".
من جانبه، قال السفير الكيني لدى الصومال محمد علي نور، إن العديد من رجال الدين المسلمين يقاتلون إلى جانب الجيش الصومالي والقوات المتحالفة، للقضاء على حركة الشباب المرتبطة بالقاعدة. وأضاف، "مثلهم مثل سائر الصوماليين، يتوق الأئمة والشيوخ إلى تحقيق السلام والاستقرار، ليس فقط في الصومال بل في المنطقة والعالم بأسره".
وأكد أنه "من واجب كل الصوماليين أن يتوحدوا في المعركة، إما من خلال المشاركة الفعلية في مقاتلة هذه المجموعة أو بالإبلاغ عن معلومات تسمح للحكومة الصومالية بالقضاء عليها أو بالعمل على محو عقيدتها المشوهة".
تعزيز إيمان الجنود يشدد الخناق على حركة الشباب
من ناحية أخرى، أكد الناطق باسم قوات الدفاع الكينية العقيد ويلي ويسونغا، أنه بالإضافة إلى مشاركة رجال الدين والشيوخ الصوماليين في جهود الحرب، فلدى قوات الدفاع الكينية رجال دين أيضا يخوضون المعركة إلى جانبها.
وأوضح لصباحي أن قوات الدفاع الكينية تضم في صفوفها رجال دين مسلمين ومسيحيين، يقدمون في ساحة المعركة المساندة الروحية والعاطفية لزملائهم الجنود، إلى جانب قيامهم بمهامهم العسكرية في حمل السلاح ومقاتلة العدو.
وأضاف، "يقاتل الجنود على الجبهة الأمامية ويخاطرون في حياتهم في سبيل مصلحة الصومال وكينيا والمنطقة. ومثلهم مثل سائر الجنود، فإن [رجال الدين في الجبهة الأمامية [ ملتزمون] بوضع حد لأنشطة المجموعة الإرهابية".
أما النقيب في قوات الدفاع الكينية محمد ديك ساهيد، وهو في الوقت نفسه إمام المسجد في مخيم للجيش بكينيا، فقد أكد أن رجال الدين في ساحة المعركة مصممون على الدفاع عن الصومال وكينيا.
وقال، "نحن حريصون على كلا البلدين. لا نقوم فقط بتشديد الخناق على حركة الشباب ولكن أيضا بتعزيز إيمان الجنود". وساهيد هو زعيم ديني وحاز على شهادة في الدراسات الإسلامية من جامعة مبيري قبل انضمامه إلى صفوف الجيش.
وأضاف لصباحي، "تحمل حركة الشباب راية سوداء و[تدافع] عن العنف، أما نحن، فقد تعهدنا على حماية العلم الصومالي الأزرق وتعليم الدين الإسلامي الحنيف، أي التبشير بالسلام".
وتابع، "كلما سنحت فرصة للتواصل مع الناس، نقول لهم أنه لا مكان في الإسلام للعقائد المتطرفة. هذه الحرب ليست فقط حرب مادية ولكنها أيضا حرب روحية، إذ أن [تعليم] المبادئ الإسلامية الحقة وكسب قلوب الناس وعقولهم، مهم جدا في الحرب الفكرية التي نقودها ضد حركة الشباب".
الصباحي