تم ترحيل مئات الصوماليين من كينيا خلال الشهرين الماضيين بعد أن عاش البعض منهم في البلاد لعشرات السنين، ويواجه هؤلاء صعوبة في العودة إلى مكان لم يعد بنظرهم وطنهم والاعتماد على أقارب يعانون أصلاً من ظروف حياتية صعبة.
وذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش يوم الجمعة، 23 أيار/مايو، الماضي أن السلطات الكينية رحّلت 359 صومالياً بينهم ثلاثة لاجئين على الأقل منذ إطلاقها للحملة الأمنية في مطلع نيسان/أبريل.
وكانت أمينة حسن، 25 عاماً وهي أم لأربعة أولاد، من الأشخاص الـ 84 الذين نقلوا جواً إلى مقديشو في 9 نيسان/أبريل.
وذكرت حسن أنها عاشت معظم حياتها في كينيا فهربت والدتها معها من الصومال عندما كانت في الخامسة من عمرها بعد أن قُتل والدها في مقديشو على يد لصوص مجهولي الهوية.
وقالت حسن إنها عاشت مع والدتها في مجمع داداب للاجئين حتى العام 2006 عندما انتقلت إلى نيروبي بعد وفاة والدتها للعيش مع أصدقاء للعائلة. واستقرت في نهاية المطاف في نيروبي حيث تزوجت في 2009.
وشرحت لصباحي "تم ترحيلنا أنا وزوجي وأولادي إلى مدينة مقديشو قسراً"، واصفةً ما حصل عندما حضرت القوات الأمنية الكينية إلى المبنى حيث تقيم العائلة في شارع جام في إيستليه. "كان الوقت متأخراً عندما قصدتنا القوات الأمنية. فقرع رجال الشرطة باب بيتنا بقوة وهم يصرخون مطالبين عناصر الشباب بالخروج".
وتابعت حسن "كنا جميعاً مذعورين. وعندما طلبوا منا إظهار الأوراق التي تثبت أننا لاجئون، قلنا لهم إننا فقدناها ولكنهم لم يتقبلوا هذا [الجواب]. و[في النهاية] انضممنا إلى مئات الصوماليين الذين نُقلوا إلى مركز شرطة بنغاني في نيروبي".
واحتُجزت العائلة في بنغاني طوال ثلاثة أيام ثم نُقلت إلى مدرج كاساراني حيث احتُجزت أيضاً لأكثر من أسبوعين.
وقالت حسن إنهم حاولوا رشوة العناصر الأمنية التي اعتقلتهم لعلهم يطلقون سراحهم، ولكن رفضت العناصر المال. وعوضاً عن ذلك استعملت مبلغ الخمسة آلاف شلن (57 دولاراً) لرشوة الجنود في مدرج كاساراني لشراء الأدوية والحاجيات الأساسية للأولادها.
ومن جهته، تحدث النائب الصومالي محمد عمر ضلحا بصراحة عن عملية الترحيل التي جرت في كينيا، مشككاً في شرعيتها.
وقال إنه من الواضح جداً أن كينيا تحركت باستعمال القوة. وأضاف لصباحي "عمدت كينيا حتى إلى سجن القنصل الصومالي في كينيا ووضعت النساء والأولاد الذين كانوا مقيمين في كينيا كلاجئين في السجن في وضح النهار من دون مراجعة منظمة اللاجئين الدولية أو الحكومة الصومالية".
وقال "إن الأشخاص الذين رحلّتهم كينيا هم مواطنون صوماليون [مرحّب بهم] وضروريون في بلادهم، ولكن لم تعاملهم القوات الأمنية الكينية معاملة حسنة [في هذه العملية] وإننا نستمر باستنكارنا لذلك".
بدء حياة جديدة
في هذا الإطار، قال ضاهر عبدي الذي رُحّل إلى مقديشو في 9 نيسان/أبريل، إن القوات الأمنية اعتقلته فيما كان متوجهاً إلى محل يديره في إيستليه.
وشرح قائلاً "عشت في كينيا لسبع سنوات ولدي بطاقة لاجئ ولكن للأسف لم تكن بحوزتي في صباح اليوم الذي اعتُقلت فيه. رفضت العناصر الأمنية طلبي بأن ترافقني إلى منزلي [لأظهر لها بطاقة التعريف] وأمرتني بالصعود على متن مركبة استُعملت لنقل الناس [إلى مركز الشرطة]".
وذكر عبدي "في ذلك الوقت لم أكن أعرف مكان تواجد زوجتي وأولادي الستة"، مضيفاً أنه اكتشف في وقت لاحق أنهم اعتُقلوا في اليوم نفسه واجتمع أفراد العائلة في مدرج كاساراني.
ولم يتمكن عبدي من الاتصال بأقربائه في نيروبي لمطالبتهم بحماية وإدارة محله إلا بعد وصوله إلى مقديشو. وقال "طلبت منهم بيع كل البضائع. والآن أريد أن أعمل في بلدي ما أن يباع محلي".
وبالرغم من شعوره بالتشاؤم حيال تمكنه مجدداً في وقت قريب من إعالة عائلته، ذكر عبدي أنه يصعب على اللاجئين العائدين أمثاله التحول إلى عبء بالنسبة لأقرابائهم في الصومال، علماً أن غالبية هؤلاء هي من الفقراء وليس لديها ما تقدمه لهم.
وتابع قائلاً "عندما [تعذر] على عائلتي إيجاد محل إقامة، أجبرنا على أن نكون عبءاً على عائلة شقيقي"، مضيفاً أن شقيقه يواجه أصلاً صعوبات في تلبية حاجات عائلته اليومية.
وذكر عبدي أن اللاجئين العائدين لاقوا ترحيباً حاراً من الحكومة الصومالية عند وصولهم إلى المطار، إلا أنهم لم يحصلوا على أي دعم آخر في إعادة توطينهم.
وقال "أطلب من الحكومة الصومالية مساعدتنا على إعادة الاستيطان في بلدنا وحتى إيجاد قطعة أرض متوفرة لنا لبناء ما يمكننا بناؤه إلى حين أن يتغير وضعنا".
الحكومة الصومالية غير محضّرة لاستقبال العائدين
وأشار أحمد عبد الكريم نور، رئيس لجنة اللاجئين والنازحين ومقرها مقديشو، إلى أن الحكومة لا تستطيع تكبد كلفة توطين اللاجئن العائدين في الوقت الراهن.
وذكر أن منظمته تعمل حالياً بدعم من المنظمة الدولية على مساعدة العائدين عبر تأمين تذاكر سفر لمن يرغب بالانتقال إلى مناطق أخرى من الصومال.
وأوضح لصباحي "يأتي الصوماليون من مناطق متفرقة في محافظات البلاد، ولكن تتم إعادة توطين هؤلاء الأشخاص فقط إلى مقديشو. بالتالي، إننا نسعى لتأمين إقامة في الفنادق لمدة ثلاثة أيام للأشخاص الذين يريدون الذهاب إلى مناطق أخرى، كما نغطي مصاريفهم ونؤمن لهم تذاكر سفر في غضون ثلاثة أيام ليتمكن الجميع من الوصول إلى المناطق المقصودة".
ولكن هذا الدعم لم يكن كافياً بالنسبة لأشخاص مثل زهرة روبلي، 21 عاماً، التي كانت مع زوجها وولديها من بين اللاجئين الـ 95 الذين تم ترحيلهم من كينيا في 20 نيسان/أبريل.
وعند وصولهم إلى مقديشو، أقامت العائلة في مخيم تارابونكا للنازحين مع والدة روبلي التي تعيش في المخيم منذ سنوات عدة. وقالت "في النهاية ساعدنا الأشخاص المقيمون في المخيم على بناء خيمة مؤقتة [خاصة بنا] مصنوعة من أكياس البلاستك والملابس".
وأوضحت روبلي لصباحي أنها عاشت مع زوجها في كينيا بصورة غير شرعية لمدة خمس سنوات وكانت تعمل في أحد مطاعم إيستليه. "عندما كنا في نيروبي، كانت لزوجي وظيفة كافية لإعالتنا ولكنه عاطل عن العمل الآن ونحن نعتمد على دخل والدتي التي تملك كشكاً صغيراً لبيع [الخضار]".
وتابعت "لم أكن أريد العودة إلى الصومال وكان يزيد خوفي من العودة كلما سمعت نبأ عن انفجار وقع فيه. ولكن عندما رأيت طريقة تعامل كينيا معنا، أدركت أن ما من مكان أفضل من بلدنا الخاص".
مع ذلك، انتقدت روبلي الحكومة الصومالية كونها لم تساعدهم عند وصولهم إلى مقديشو.
وأضافت "لم تساعدنا الحكومة ولم تسأل عن مصير الأشخاص المرحّلين من كينيا. لا أعتقد أن ثمة في الصومال حكومة يعرف قادتها كيفية مساعدة الشعب. فكل شخص يملأ جيوبه بالمبالغ الصغيرة التي يجنيها نيابةً عن الحكومة. الشعب محروم من موارد البلاد وإننا لا نعتمد إلا على الله".
خطر تأثر الشبان المحبطين بحركة الشباب
كذلك، ثمة مخاوف من تأثر اللاجئين العائدين إلى بلدهم الأم بحركة الشباب، لعدم حصولهم على الدعم اللازم من الصومال.
وبحسب ما نقلته إذاعة الشباب في باراوي، فتحت الحركة الإرهابية معسكراً تدريبياً في منطقة باي لتدريب 20 شاباً صومالياً رُحّلوا مؤخراً من كينيا.
وقال علي محمود، 32 عاماً وهو من سكان حي حمر جاجاب في مقديشو، "إن انضمام الشبان الذين أعيد توطينهم من كينيا إلى حركة الشباب ليس بالخبر السار".
وأضاف "نظراً إلى طريقة معاملة الحكومة الكينية للمواطنين [الذين أعيد توطينهم] وغالبيتهم من الفئة الشبابية، من المتوقع أن يدفع الغضب [البعض] إلى الانضمام إلى حركة الشباب". واعتبر أن الوضع الحالي قد يؤدي إلى تسلل اللاجئين المرحّلين إلى كينيا في مهمات تخطط لها الحركة.
وتابع "على كينيا اعتماد استراتيجية أفضل من عملية إعادة التوطين القسرية التي تنفذها حالياً".
الصباحي