مرت ثلاثة أسابيع منذ انطلاق العملية الأمنية الجديدة التي تهدف إلى تشديد الأمن في جيبوتي، تزايدت خلالها شكوك المواطنين حول فعالية بعض التدابير المعتمدة.
فبعد أول تفجير انتحاري تنفذه حركة الشباب في البلاد في 24 أيار/مايو مستهدفة مطعم لا شوميار في وسط مدينة جيبوتي ، اتخذت الأجهزة الأمنية حالة التأهب القصوى ونشرت المئات من رجال الشرطة والدرك في الشوارع والأسواق لحمايتها وتفتيش المارة والمركبات على مدار الساعة.
ووضعت نقاط تفتيش على طول جادة غولي وطريق أرتا اللذين يعدا من الطرق الرئيسية المؤدية إلى وسط مدينة جيبوتي، ومنعت العناصر الأمنية عبور السيارات التي فشل سائقوها أو ركابها من إبراز أوراقهم الثبوتية، متسببين بزحمة سير خانقة خلال ساعات الذروة.
وعززت الإجراءات الأمنية بشكل واضح في محيط المباني الحكومية والتجارية، بينها المصارف والمدارس، وفي المناطق التي تشهد حركة مرورية مرتفعة كسوق محمد حربي بلازا.
وبالإضافة إلى تكثيف وجود عناصر الشرطة، أصدرت الحكومة قرارا مثيرا للجدل يحظر على النساء تغطية وجوههم بالنقاب في الأماكن العامة.
وجاء في بيان صدر عن وزارة التربية والتعليم في جيبوتي يوم 27 أيار/مايو، قبيل بدء امتحانات شهادة الباكالوريا في 7 حزيران/يونيو، أن الوزارة لن تسمح للطلاب والمعلمين المشرفين على الأمتحانات بارتداء النقاب في أماكن إجرائها لأسباب أمنية.
وفي بيان منفصل صدر في 2 حزيران/يونيو، أوعزت قوة الشرطة الوطنية في جيبوتي إلى المؤسسات الحكومية كافة بفرض حظر على ارتداء النقاب، داعية جميع رؤساء الأقسام إلى اتخاذ الخطوات اللازمة لتنفيذ هذا الإجراء.
وحذر البيان أنه في حال عدم امتثال المؤسسات لهذا القرار، "لا تتحمل الشرطة أي مسؤولية في حال وقوع [هجوم]".
وصدر الحظر بعد أن أعلنت حركة الشباب مسؤوليتها عن الهجوم على المطعم في جيبوتي، مهددة بتنفيذ المزيد بالمستقبل.
وهددت الحركة أن "هذا الهجوم ما هو إلا البداية وبالكاد يشكل ردا أوليا سيتبعه ما هو أفظع... في حال رفضتم التراجع"، داعية جيبوتي إلى "إخراج قواتها المرتدة من الصومال فورا وطرد كل الصليبيين".
وأضافت، "إن عدم القيام بذلك من شأنه أن يكبد بلدكم تداعيات بعيدة المدى على الصعيد الأمني والإقتصادي على حد سواء".
'بلادي في خطر'
وفيما أبدى بعض السكان لصباحي بترحيبهم برد الحكومة على الهجوم، قال آخرون إن التدابير الأمنية الجديدة قد تأتي بنتائج عكسية، زارعة المزيد من الخوف بين المواطنين وكاشفة جيبوتي لهجمات أخرى.
وقالت هبة حسين، 28 عاما، وتعمل نادلة في منتجع إمبريال وفندق البحر الأحمر، إن وجود عناصر الشرطة الكثيف يشكل تذكيرا مستمرا بأن المدينة مهددة.
وقالت، "في كل مرة يسألني شرطي في وسط المدينة عن هويتي، تعود بي الذاكرة إلى الهجوم الانتحاري الذي وقع في 24 أيار/مايو وأقول لنفسي أن بلادي في خطر".
وأضافت حسين، التي ترتدي النقاب، أن فرض حظر على النقاب ليس فقط خطوة قصيرة النظر، ولكنها مثيرة للقلق لأنها من الممكن أن تستقطب مزيدا من الأعداء.
وتابعت لصباحي، "من الأن وصاعدا، ستشجع هذه التدابير جميع فصائل المتطرفين والإرهابيين على اعتبار جيبوتي هدفا أوليا"، مؤكدة عدم جواز حظر النقاب فقط لأن أحد الانتحاريين كانت امرأة محجبة.
وقالت، "إنه أمر سخيف. أنا في بلد مسلم ويجب ألا تتخذ تدابير كهذه، إذ تشكل استفزازا بكل ما في الكلمة من معنى. كل امرأة لديها الحق الحصري في تغطية جسدها كما تشاء، كما لديها الحق في الكشف عنه إذا أرادت".
أما لولا عوض، وهي مدرسة تبلغ 35 عاما، فأعربت عن تأييدها لقرار حظر النقاب.
وقالت لصباحي، "في هذه الأيام، يتعلق الأمر بالسلامة أكثر مما يتعلق بالحجاب، وعلى الشعب الجيبوتي الوقوف يد واحدة للقضاء على هذا التهديد".
وأضافت، "نحن نعرف ما يقدر عليه هؤلاء المتطرفين. لقد قدموا لنا دليلا على ذلك، وعلينا الرد عليهم بوحدتنا".
على جيبوتي 'ألا تستسلم للخوف والهستيريا"
في رده على سؤال حول وجود خطة لإقرار تشريع في الجمعية الوطنية لإنفاذ حظر النقاب على الصعيد الوطني، قال النائب في كتلة الاتحاد من أجل انتخابات رئاسية على أساس الأكثرية علي دايني، إن أعضاء حزبه يجرون مباحثات داخلية ولم يتوصلوا حتى الأن إلى توافق حول هذه المسألة.
وقال لصباحي، "على نواب الأغلبية اتخاذ موقف واحد حول فرض حظر على ارتداء النقاب في جيبوتي".
في غضون ذلك، أعلن الحزب الجيبوتي المعارض، الاتحاد من أجل لخلاص الوطني، عن نيته رفض قرار الحظر إذا عرض على التصويت.
وقال رئيس الحزب المعارض أحمد يوسف في بيان صدر في 3 حزيران/يونيو، "بدلا من توحيد الجيبوتيين، سيعمل هذا القرار على تقسيمهم، كما سيبعدنا عن جوهر مشاكلنا الحقيقية"، داعيا الحزب الحاكم إلى التركيز بدلا من ذلك على الأزمة السياسية.
ويتنازع الحزبان منذ شباط/فبراير 2013، عندما ادعى الاتحاد من أجل لخلاص الوطني فوزه في الانتخابات البرلمانية التي جرت في جيبوتي، وسط اتهام المعارضة بالتزوير على نطاق واسع.
من جانبه، قال الملازم في قوات الدرك الوطنية محمد صلاح أنه حالة التأهب الأمني ستستمر إلى أجل غير مسمى.
وقال لصباحي، "سنواصل تطبيق تدابير السلامة التي أعقبت التفجير الانتحاري في 24 أيار/مايو، حتى يتم القضاء تماما على التهديدات".
بدوره، قال مدير مطعم أو بلزير دو باليه الذي يقع في وسط المدينة بالقرب من مطعم لا شوميار هادي محمد، 32 عاما، إن التدابير الأمنية تطمئن الناس وتساعد الزبائن على استعادة ثقتهم.
وقال لصباحي، "يعود الزبائن تدريجيا بسبب وجود الشرطة الذي يشكل لهم مصدرا كبيرا للطمأنينة. حتى ولو كان الأمر مزعجا قليلا، نحن بحاجة للاستمرار في الحياة والعمل وليس للاستسلام للخوف والهستيريا".
الصباحي