بقيت الرقابة على الإنترنت بتونس جاثمة على صدور المدونين والمعارضين والحقوقيين الذين يشتكون من تصاعد الانتهاكات وتشديد الحصار المفروض على مدوناتهم ومواقعهم من قبل السلطة، التي تتبرأ باستمرار من هذه الاتهامات.
ويتّهم هؤلاء النشطاء السلطة بتخريب مواقع الإنترنت وقرصنة البريد الإلكتروني وتهديد بعض المدونين، الذين يصرّون على نشر مقالات نقدية تعتبرها الحكومة مسّا بهيبتها ومصداقيتها، بزجهم في السجن.ومؤخرا، اعتقلت مدونة تدعى فاطمة الرياحي لبضعة أيام قبل أن يتم إطلاق سراحها على إثر نشرها مقالات نقدية، وهو ما اعتبره البعض شكلا من أشكال التحذير الموجه إلى بقية المدونين للعدول عن انتقاد الحكومة.
هذا وحجب موقع الجزيرة نت في تونس يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي (بعد يوم واحد من انتخابات الرئاسة) بدعوى أنه يبث أخبارا مضللة، في حين رأى مراقبون أن الموقع استهدف بسبب بث الجزيرة تقريرا عن كتاب فرنسي بعنوان "حاكمة قرطاج" يتطرق إلى نفوذ ليلى طرابلسي عقيلة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي. وحاليا، تتصدر تونس قائمة أكثر البلدان المغاربية رقابة على الإنترنت حسب تقرير لجنة حماية الصحفيين لعام 2009، كما وضعها تقرير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان حول استخدام الإنترنت على لائحة الدول الأشدّ حصارا للإنترنت.
قرصنة وتخريب
ويتهم زياد الهاني، وهو صحفي ومدوّن ناشط تعرضت مدونته الرئيسية إلى القرصنة لأكثر من 36 مرة، السلطة بتوجيه ضربة قاسمة لحرية التعبير كحق أساسي من حقوق الإنسان بقرصنتها المواقع التي تنقدها على الإنترنت. ويقول للجزيرة نت "هناك فرق شاسع بين خطاب السلطة الانفتاحي التعددي والإنجازات المزخرفة التي تتحدث عنها في مجال الحريات، وبين ممارستها الميدانية الخانقة والقامعة للرأي المخالف وحرية التعبير". ويدير الهاني عدة مدونات يطرح فيها بشكل نقدي ما يقول عنها قضايا فساد، لكن جميع هذه المدونات تواجه حملة تخريب، ناهيك عما يتعرض له شخصيا من ثلب على أعمدة بعض الصحف التونسية، على حد قوله.
لا تحترم الرأي المخالف
من جانبه، يقول عضو في الحزب الديمقراطي التقدمي المعارض أحمد بوعزّي إن "السلطة لا تحترم الرأي المخالف لذلك تقوم بغلق كل المواقع الناقدة لها، بما فيها مواقع المعارضة التي تعبر عن وجهات نظر مخالفة للحكومة". وأشار إلى أن السلطة تلجأ أيضا إلى قرصنة البريد الإلكتروني لبعض النشطاء الحقوقيين والسياسيين محولة محتوى رسائلهم الأصلية برسائل غير ذات معنى أو ذات محتوى إباحي لبث الفوضى في مراسلاتهم، على حد قوله.
ويقول للجزيرة نت "هذه جرائم مخالفة للدستور ومخلّة بضمان سرية المراسلات والمعطيات الشخصية"، معتبرا أن الحكومة تسلك طريقا خاطئة باعتبار أن هناك من الوسائل التقنية ما يكفي للالتفاف على الرقابة والحجب. من جهته، يقول الصحفي سفيان شورابي إنه يعاني هو الآخر من حظر مدونته، وإن مواقع أحزاب المعارضة والجمعيات المستقلة ومنظمات حقوق الإنسان تتعرض إلى حرب إلكترونية شعواء تهدف لمنع القراء من تصفحها والاطلاع على مواقفها.
ويعاني هذا المدوّن من قرصنة صفحته على موقع فيسبوك الاجتماعي حيث يعرض آراءه. وقد أكد أن السلطة تقوم بقرصنة حسابات شخصية لبعض الناشطين، وأنها جندت فيلقا من المهندسين في الحاسوب للدخول بأسماء مستعارة لمراقبة ما يتم نشره على الفيسبوك، على حدّ قوله.
رأي مخالف
في المقابل، تشدد مصادر رسمية على أن حرية التعبير في تونس مكفولة بالقانون وأن السلطة لا تقوم إلا بحجب المواقع التي لا تتناسب مع مقتضيات القانون والآداب العامة للدولة كالمواقع الإباحية والمواقع التي تدعو إلى الجرائم أو التي تقوم بالثلب وتجريح الناس. وسبق لوزير العدل التونسي بشير التكاري أن قال إن بلاده لا تقوم بحجب سوى المواقع التي تحرض على الإرهاب أو تشجع على الدعارة والتجارة الجنسية مع الأطفال.