واصلت السلطات السنغالية والسلطات العسكرية الفرنسية المقيمة في قاعدة داكار وكذلك السلطات المالية، أمس التحقيقات في قضية سفينة الأسلحة الغامضة «سي سيول 1» التي ضبطتها البحرية السنغالية بينما كان سماسرة مهربون يحاولون باستخدام الرشاوى، تفريغ حمولتها وشحن محتوياتها إلى مالي.
وتحمل السفينة التي يقودها طاقم مصري من ستة عشر عضوا، على متنها أربعين حاوية مشحونة بأسلحة متنوعة من ضمنها 30 مليون رصاصة و10 آلاف بندقية كلاشنكوف، وكمية معتبرة من القنابل اليدوية وآلاف اسطوانات الألغام.
واهتمت موريتانيا بحكم جوارها لمالي بقضية هذه السفينة، وخصص أحد الكتاب المعروفين بدفاعهم عن النظام، مقالا ربط فيه ربطا غير مفهوم، بين قضية هذا السفينة وتصريحات أخيرة ضمنها الرئيس الموريتاني الأسبق علي ولد محمد فال تهديدات لنظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
وكان مؤجرو هذه السفينة ومهربو الأسلحة التي على متنها، قد سجلوا حمولتها لدى جمارك السنغال على أساس أنها «أسلحة صيد ومعدات لمواطن مالي».
وعندما قامت البحرية السنغالية بمعاينة السفينة، اشتبهت في حمولتها حيث أبلغت جمارك السنغال التي بدأت تحرياتها حول الموضوع.
غير أن ربان السفينة انتهز غفلة وكلاء الجمارك الذين كانوا يترددون بين موقع السفينة ومكاتبهم في الميناء، فأغرق السفينة في عمق المياه السنغالية على ساحل جزيرة غوري.
وبعد ليلة من عملية الإغراق عثر على حاويتين من حاويات السفينة وهما مفتوحتان، وذلك في منطقة رأس هان جنوب غرب مدينة داكار.
وقد سبح عدد من السكان السنغاليين القريبين من موقع الحاويتين إليهما لنهب ما فيهما حيث كانوا يعتقدون أنهما محملتان بمواد غذائية.
وقد قامت فرقة من البحرية الفرنسية بضبط الحاويتين وسلمتهما للدرك السنغالي، حسب آخر المعلومات الواردة من داكار.
وبدأت السلطات السنغالية ضمن تحقيقاتها أمس استجواب مهرب أسلحة مالي الجنسية مشهور بهذا النشاط، ولم تصدر السلطات حتى الآن أية بيانات عن ملابسات هذه الحادثة.
أما السلطات المالية فإن اهتمامها بهذا الموضوع ينصب حول مصدر الأسلحة والجهة التي كانت ستهرب إليها هذه الأسلحة، وطرحت الصحافة المالية تساؤلات عن هذه الجهة: فهل هي حركات الطوارق الانفصالية؟ أم هي تنظيم القاعدة؟
ولم تسترع هذه الحادثة التي مرت عليها أيام عديدة اهتمام الإعلام الدولي رغم أن قضية هذه السفينة ذات أهمية كبيرة حيث أن ثمة احتمالا كبيرا بأن يكون مصدر هذه الأسلحة هو الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» وأن تكون وجهتها هي الفروع الجاري تأسيسها لما يسمى «خلافة داعش الإسلامية» في منطقة الساحل وبالتحديد شمال مالي.
وتساءلت صحيفة «السراج» الموريتانية المستقلة المحسوبة على الإخوان عن أسباب إهمال الصحف السنغالية والصحافة الدولية لقضية هذا الزورق. وأضافت «..المفترض هو أن يثير هذا الحدث المياه الراكدة إن لم يكن بين أمواج المحيط فعلى صفحات المواقع وفي أمواج السياسة، لكن شيئا من ذلك لم يقع مما يطرح السؤال أيضا: هل غرقت شحنة أسلحة أم أن الأمر مجرد شائعة لإغراق المشهد السياسي في دول الجوار؟».
وتابعت «السراج» «..على الضفة الأخرى (موريتانيا) سرب مصدر عسكري رفيع لبعض الإعلاميين خبر غرق السفينة المذكورة، مؤكدا أن الخبر محصور في رئيس الجمهورية وقائد الأركان وبعض المصالح الفرنسية المهتمة بالموضوع، قبل أن يبدأ إعلاميون مقربون جدا من السلطة اتهام الرئيس السابق اعل ولد محمد فال بالمسؤولية عن تلك السفينة وإغراقها، ضمن اتهامات واسعة له بزعزعة أمن البلاد».
ونقلت صحيفة «السراج» عن مصادر قريبة من السلطة تأكيدها «أن السفينة تعود لنائب من الأغلبية الرئاسية الحاكمة في موريتانيا يتاجر منذ فترة في الأسلحة لصالح الجيش الموريتاني وبعض الفصائل المقاتلة في أزواد».
وضمن تحليل للاحتمالات أشارت السراج إلى «إمكانية أن يكون الأمن الفرنسي بشكل خاص قد اشتبه في حمولة السفينة المذكورة وقام بإغراقها وذلك قطعا للطريق أمام وصولها للجهة المستوردة».
وخلصت الصحيفة إلى أن الموضوع قد يكون بجملته مفبركا ولم يقع أصلا والهدف منه توريط القوى السياسية الأكثر فعالية في مواجهة نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز وخصوصا الرئيس السابق اعل ولد محمد فال الذي تصاعدت حدة خطابه السياسي خلال الأشهر القليلة المنصرمة، كما تصاعدت حدة التوتر بينه وبين الرئيس محمد ولد عبد العزيز».
ومهما قيل حول هذه الحادثة فإنها تؤكد وجود نشاط جديد لتهريب الأسلحة للمجموعات المسلحة الناشطة في الساحل الإفريقي عموما وفي شمال مالي خاصة، وذلك عبر ميناء داكار الذي هو المتنفس الوحيد لجمهورية مالي التي لا تتوفر على منفذ بحري.
وينتهز المهربون وجود نشاط شحن كبير بين ميناء داكار وجمهورية مالي لإخفاء مهرباتهم، كما أنهم يستغلون انتشار الرشوة داخل جمارك السنغال للوصول إلى ما يريدونه بسهولة بالغة.
يذكر أن المجموعات المسلحة الناشطة في الساحل الإفريقي، تتوفر على عدة مصادر لتوفير حاجاتها من السلاح أهمها النافذة الليبية ومن بينها خط تهريب الأسلحة بين غامبيا والسنغال وموريتانيا وخط التهريب النشط بين المناطق التي تسيطر عليها جبهة بوليساريو والمناطق الشمالية الشرقية لموريتانيا.
القدس العربي