قال رئيس الحكومة التونسية مهدي جمعة إن الإرهاب لن يكون له مكان في بلده وذلك في تعليق له على الأحداث الإرهابية الأخيرة التي وقعت في عدة مناطق متعددة من تونس.
وكشف مهدي جمعة في حوار تنشره جريدة الوطن القطرية الأحد وذلك بالتعاون والتنسيق مع وكالة الأنباء الالمانية أن الحكومة التونسية الحالية تعمل على محاربة الإرهاب واجتثاثه من جذوره مؤكدا أنالأجهزة الأمنية التونسية تتعامل بمنتهى اليقظة مع هذه المسألة الحيوية من اجل انجاح سير الانتخابات التي انطلقت في تونس.
وقال جمعة في هذا الإطار: “صحيح أن الامور كانت متوترة بعض الشيء في الساعات الاخيرة وهناك تهديدات إرهابية ولكن هذه الحكومة منذ تشكيلها، عملت على مكافحة الإرهاب، لأننا نعتقد أن تاريخ تونس لم يشهد العمليات الإرهابية، ولكن بعد الثورة، وضعف الدولة، والوضع الإقليمي أثر كثيرا في خلق أرضية تكونت فيها مجموعات تخريبية”.
وأضاف: “كانت لدينا سياسة واضحة، كونه لا مكان للإرهاب بيننا، وبدأنا في مواجهته وضربه وفق خطة منهجية تصاعدية، عبر تنقية المناخات الأمنية حتى نصل إلى هذه الفترة بسلام، ولذلك لو أردنا تقييم الوضع اليوم فإننا سنرى أننا قمنا بالكثير، حيث أننا انتقلنا من مرحلة رد الفعل، وجاهزية ويقظة اجهزتنا الأمنية ووحدة العمليات، إلى حالة الضربات الاستباقية، وهذا شيء مهم، وهذا ما جعلنا نطمئن على قدرتنا في إقامة هذه الانتخابات، والمرور بها بسلام”.
وتابع: “بطبيعة الحال تظل هناك تهديدات، لأن هذه التجربة الديمقراطية مستهدفة، والقوى الإرهابية ليس من مصلحتها أن تستقر الأحوال في البلاد، وللعلم حتى التي تسمى نفسها (الدولة الإسلامية) الآن، هي نقيض للإسلام، لأنها تقتل المسلمين، وبالتالي فإن مثل هذه التجربة التونسية هي معادية لتلك الفئات، مما يجعلهم يركزون عليها، لأنهم يرون في نجاحها، باعثا للأمل في المنطقة وإحياء لقدرة الشعوب، من خلال التوافق والحوار وبناء نظام سياسي، يدمج جميع مجموعاته السلمية لبناء دولة تحقق لكل فرد، ومجموعة مطالبها واحتياجاتها”.
وحول كيفية توظيف العمل الأمني لتأمين العلمية الانتخابية التي تشهدها تونس اليوم قال جمعة: “التحضير كان ممنهجا ومبرمجا والحمد لله قمنا بخطوات، واليوم وصلنا إلى العملية الانتخابية، والتي تم تدوينها على خارطة خلية الأزمة منذ شهرين، وكان هناك تحضير كبير لوجستي، أمني، وحتى الإداري، منذ ان أعلنت ذلك الهيئة العليا للانتخابات، حيث كان هناك تنسيق يومي مع جميع الإدارات، وساعد ذلك على تأمين العملية الانتخابية قبل وقوعها واليوم الذي تجري فيه، وكذلك بعدها”.
وفي خصوص حيثيات قرار الحكومة بإغلاق المعابر مع ليبيا لمدة ثلاثة أيام قال: “كما أسلفت الذكر فقد رسمنا خطة أمنية شاملة للفترة الانتخابية، والتي بدأت من قبل الانتخابات، وفي خلالها وما بعدها، ومن الأشياء التي تهيأنا لها هي عملية ضبط الحدود، حينما نرى أن هناك مخاطر، ولعله لم يعد خافيا على أحد توتر الوضع في ليبيا، مما جعلنا نقدر (ذلك الأمر) تفاديا لأي مخاطر تأتي لنا عبر حدودنا”.
وعن فرص تسييس المساجد في تونس بعد أن تحول بعضها لمنبر لبعض الأحزاب، التي استغلتها لتمرر من خلالها برامجها السياسية قال: “موقفنا كان واضحا من هذه القضية، بأن أي مساجد هي دور عبادة، وليست مقرات للأحزاب، وكنا واضحين في ذلك، وقمنا بدور كبير من أجل تحييد المساجد واسترجاع تلك التي لازالت خارجة عن القانون”.
وتحدث جمعة عن تأثيرات المال السياسي الفاسد على مجريات الانتخابات التونسية التي تشهدها البلاد الأحد عبر شراء أصوات الناخبين وقال: “في الحقيقة، كان هناك الكثير عن المال السياسي، ونحن تابعنا ذلك على صفحات الجرائد، ولكن بصفة فعلية وواقعية، فقد تهيأنا لهذا، وكان هناك توجيه وتكليف لدائرة المحاسبات حتى تراقب هذه العملية، كما أنها مهمة الهيئة المستقلة العليا للانتخابات أيضا، وهي قامت بمجهود كبير، ونحن كأجهزة دولة مثل وزارة المالية، والبنك المركزي، وكذلك القضاء، الجميع كان ومازال على قدم وساق للمراقبة حتى نتمكن أن نحد من هذه الظاهرة .. وقلنا أنه من تبين أنه خالف القانون سيتعرض للمساءلة والمحاسبة”.
وذكر جمعة أن الهيئة المستقلة للانتخابات تتعامل مع جميع الأحزاب على نفس المسافة وتمارس عملها بكل استقلالية.
وفي خصوص موقفه في حال تكليفه مجددا بتولي تشكيل الحكومة تحت ضغوط المصلحة الوطنية، لمواصلة إدارة الملفات الدقيقة التي نجح في إدارتها واستكمال مواجهة التحديات السابقة اجاب جمعة: “اريد ان يسمعني الجميع في هذا.. لن اقبل التكليف مرتين حتى ولو تم عرض الأمر علي، وهذا خدمة للوطن، لأنى جئت بمهمة واضحة، وهي إنهاء المرحلة الانتقالية، ونفى جمعة تعرضه لأي ضغوط برفض أي تكليف مستقبلي”.
وقال: “حتى نكون واضحين لم اتعرض لأي ضغوط من أي طرف كان، وقراري بعدم خوض سباق الانتخابات الرئاسية أعلنته منذ مدة عن قناعة شخصية، وأعدت إعلانه، وأكدته في أخر تصريح أدليت به في هذا الخصوص، وأؤكد للرأي العام الداخلي والخارجي أنني لم اتلق أي مكالمة أو مقابلة من أي كان للضغط علينا”.
وحول ما تردد عن أن الأجهزة الأمنية التونسية احبطت مخططا أعدته كتيبة عقبة بن نافع التابع لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي لاغتياله رفقة وزير الداخلية أجاب جمعة: “كل الشخصيات التي يتم ضربها واستهدافها، الهدف منها أن تكون الخسائر السياسية موجعة، وتبقى في جعبتهم كثيرا من الأهداف، وبطبيعة الحال أنا واحد من المستهدفين، وبالتالي ما نفعله هو توخي مزيد من الحيطة والحماية، لأنه بطبيعة الحال استهداف رئيس وزراء في هذه المرحلة سيترتب عليه وقوع مشكلة كبيرة، كما هو الحال بالنسبة للمعارضين، وبعض الوجوه السياسية، حتى بعض الوجوه الفنية يتم استهدافها”.
وفي رده عن جديد ملف الإغتيالات السياسية التي راح ضحيتها شكري بلعيد ومحمد البراهمي وما يتردد عن وجود نوع من التعتيم الرسمي على ملف هذه القضية قال: “ليس هناك أي تعتيم رسمي، وهذه من الملفات القضائية التي صرح فيها القضاء بنتائج التحقيق، وفي نهاية المطاف كل الملفات، والرؤية واضحة والضالعين واضحين فيها وجميعهم، إما في السجن، أو قتلوا، وهناك ما بين ثلاثة إلى أربعة من الضالعين فيها هربوا إلى ليبيا”.
وعلى جانب آخر تطرق مهدي جمعة إلى مسالة فتح قنوات مع دمشق لإعادة فتح السفارة السورية في تونس لتنسيق الملفات الأمنية مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد فيما يتعلق بمواجهة عناصر تنظيم الدولة الإسلامية، حيث قال: “ما قمنا به خطوة عملية، حيث لدينا الآن مكتب إداري، ولدينا بعثة موجودة الآن في سورية، وذلك لسببين، أولهما وجود جالية تونسية وكذلك لدوافع أمنية، لأنه من غير الممكن أن نظل غائبين عن الساحة وبالتالي كان من الضروري توفير الخدمة للمواطن التونسيين هناك حيث هناك من يريد العودة، وآخرين بحاجة لوثائقهم الرسمية ولذلك هذا هو واجب الدولة، وعليها أن تصل إلى مواطنيها أينما كانوا، وكذلك بما أن هناك مقاتلين تونسيين، فبالضرورة لابد أن تكون عندنا معلومات ونكون مستعدين، وهذا تم عمله بالتنسيق مع السلطات السورية، وبدون أن تكون هناك حسابات أكثر من هذا، وبالتالي فلا مفر من التعامل بواقعية مع وضع يفرض نفسه”.
وعلى صعيد آخر تطرق رئيس الحكومة التونسية إلى الملف الاقتصادي ومدى نجاح حكومته في القيام بالمهام الملقاة على عاتقه فيما يتعلق بهذه المسالة في ظل شكوى المواطنين من ارتفاع اسعار المواد الاستهلاكية وقال: “حينما اندلعت الثورة التونسية كانت هناك مجموعة من الأهداف، أولها الكرامة والحرية، ولكن فيها جانب اقتصادي واجتماعي كبير، وهو مزيد من الشغل والتوازن التنموي ما بين الجهات، ولكن السنوات الثلاث التي سبقت، والتي جاءت بعد الثورة كانت سنوات، شهدت تجاذبات أمنية، واجتماعية، واقتصادية، وبالتالي فإن الاقتصاد لم ينتفع خلال هذه السنوات بل كان منسيا، ولهذا وصلنا إلى وضع اقتصادي صعب، ولكن في نفس الوقت نرى الاقتصاد صلب، لأنه لم يسر في الركود”.
وأضاف: “نحن تحملنا المسؤولية في أننا نمشي ونعمل توصيف واضح، ودقيق، وتدقيق للحالة الاقتصادية”.
وتابع: “تحملنا المسؤولية في خارطة الطريق ولم تكن هناك التزامات اقتصادية، ولكن من باب المسؤولية، قلنا يلزمنا نبدأ الملف الاقتصادي من اليوم، وقمنا بالعديد من الإصلاحات في صندوق الدعم، وكتلة الأجور، وإصلاح القطاع البنكي، إصلاح الجباية (الضرائب)، وبدأنا في الحوافز، ومقاومة التهريب، وهذا كله جسدناه في ميزانية تكميلية وقدمناها، واحضرنا مجموعة من المشاريع الإصلاحية للمستقبل، وبمشيئة الله سنسلمها لتكون مساهمتنا في الحكومة المقبلة، حتى لا نجعلها تدخل على أرضية مجهولة”.
وفي رده عن مطالب اتحاد الشغل الذي يتمتع بتأثير قوي على الساحة التونسية برفع سقف الرواتب في القطاع العام و كيفية تعامله مع هذا المطلب في ظل الأوضاع المالية الحرجة التي تمر بها البلاد أجاب بالقول: “في السنوات الثلاث التي سبقتنا بعد الثورة، بحكم الضغوطات التي سبق وشرحتها لكم، صار هناك تضخم خاصة في أجور الموظفين، وكان هذا موضع مشكلة، وبالتالي لو استمرينا في زيادة تضخم الأجور فإن المشكلة لن تحل ونحن كنا صريحين، وتقاسمنا كل المعلومات لأول مرة مع كل الأطراف، بما فيها اتحاد الشغل و وزارة الصناعة ومنظمة الاعراف واطلعناهم على الأوضاع وأنه لم يعد بالإمكان مواصلة التضخم اللامتناهي للأجور”.
وقال: “عملنا في خطوة تكميلية منذ شهر ونصف، بالحوار والنقاش مع اتحاد الشغل، برفع أجور الموظفين، الذين لم تشملهم الاتفاقيات الخاصة، وكان هذا التزامنا منذ البداية، وكنا صريحين فيما يتعلق بإمكانيات الدولة، وعملنا مجهودا كبيرا للاستقرار، والأخذ بعين الاعتبار، وخاصة الموظفين الذين تضرروا”.
وفي سياق آخر، تطرق جمعة إلى حركة النهضة التونسية وقال: “النهضة أو غيرها في كل ممارساتها لو تبقى داخل القانون، والدستور الذي صوتت عليه، فلن يكون لدينا أي إشكالية مع اي حزب كان، وبالتالي فالمنظور ليس ايديولوجيا لأنه عندنا قانون وقواسم، ونصوص لابد ان نحترمها، وهذا كله اتفقت مجموع النخبة السياسية والطبقة السياسية، وحتى المجتمع المدني، وهذا الذي يلزم الجميع لما نبقى في نطاقه فلا يهمنا الوازع الايديولوجي والفكري، ولكن المهم في ممارسات هذا القانون”.
وفي إطار الانتخابات الرئاسية ومدى اتفاقه مع الرئيس المنصف المرزوقي في قوله أنه واثق من فوزه في الانتخابات ذكر جمعة: “أنا في هذا الموقع اركز على تهيئة الانتخابات وليس على إعطاء المقاييس، ومن سينجح أو لا ينجح، وانا اتمنى لهم جميعا كل الحظوظ الوافرة للنجاح، وهذا يعني أنه شيء يخص كل مرشح على حده، ونحن عندنا “27″ مرشحا للرئاسة، ونتمنى لهم حملة انتخابية موفقة”.
القدس العربي