ليبيا

Open in new windowيهدد الوضع في ليبيا اليوم أكثر من أي وقت مضى، بتقسيم الدولة إلى دويلات متناحرة، بسبب الصراعات الداخلية، والتدخلات الدولية والإقليمية، وغياب القوة التي يمكن أن تحسم الصراع لصالح أحد الأطراف المتنازعة على الأرض.

وتأخذ فكرة تقسيم الدولة الليبية أحيانا اسما براقا هو الفيدرالية، إلا أن هذا الاسم يخفي وراءه صراعات قبلية وجهوية قديمة متجددة، فهناك قبائل وجهات كانت تحس بالتهميش إبان حكم القذافي، رأت في سقوطه فرصة للاستقلال عن الدولة المركزية، مما يمكنها من الاستئثار بموارد ضخمة، وهناك قبائل أخرى كانت مستفيدة من الحكم السابق رأت في جماعات الإسلام السياسي تهديدا لمصالحها، وكلا الطرفين يدفعان في اتجاه الانفصال، بغض النظر عن نتائجه. وبالإضافة للصراعات القبلية، هناك مؤشرات عديدة تجعل احتمال تقسيم ليبيا مرجحا على غيره من الاحتمالات، فاستحالة حسم الصراع عسكريا لصالح أي من الأطراف المتناحرة، ووجود قوى إقليمية قوية تصر على انتصار حلفائها في ليبيا حتى ولو أدى ذلك لتقسيمها، وانتشار جماعات متطرفة، لن يقبل المجتمع الدولي بسيطرتها على موارد تمكنها من مواصلة عملياتها الإرهابية، كلها عوامل تصب في خانة التقسيم. فعلى المستوى الميدان لم يستطع أي طرف تحقيق اختراق من شأنه قلب موازين القوة لصالح سيطرته على مقاليد الحكم وتسيير مؤسسات الدولة.

ففي الوقت الذي تسيطر الحكومة الشرعية المنبثقة عن البرلمان المنتخب وحلفاؤها، على بعض المناطق الشرقية، تسيطر الجماعات المتشددة وحكومتها الموازية على مناطق في الغرب، إلا أن كلا الطرفين يواجه مقاومة شرسة في مناطق سيطرته، من جيوب تابعة للطرف الآخر أو قريبة منه. وبينما تواجه الحكومة مقاومة مستميتة من طرف جماعة أنصار الشريعة المتطرفة في مدينة بنغازي، تواجه جماعات "فجر" ليبيا، مقاومة قوية من جيش القبائل وكتائب الصواعق والقعقاع، في المناطق الغربية. وعلى الصعيد السياسي لم يستطع أي طرف حسم الوضع لصالحه، ففي الوقت الذي تتمتع فيه الحكومة المنبثقة عن البرلمان باعتراف دولي وإقليمي، إلا أن الحكم الصادر مؤخرا عن المحكمة العليا هز شرعيتها في الداخل الليبي، وإن لم يقضِ عليها بشكل نهائي نظرا للظروف التي أحاطت بإصداره، بينما لم تكن الجماعات المسيطرة في الغرب تستند على أي شرعية سياسية، إلا أنها وجدت في الحكم المذكور مصدرا للشرعية على أساس العودة للمؤتمر العام منتهي الصلاحية، غير أن شرعيتها لم تكتمل لعدم تعاطي الأطراف الدولية والإقليمية بجدية مع حكم المحكمة. وفي ظل هذا "التعادل" العسكري، وعدم الحسم السياسي، تدفع أطراف إقليمية ودولية، في اتجاه تحقيق أجندة خاصة بها بشكل غير معلن، تضمن تحكم حلفائها في رسم المشهد الليبي في المرحلة القادمة. هذه الازدواجية في المواقف الإقليمية والدولية تجاه الأزمة الليبية تخفي وراءها حقيقة مقلقة، هي الأجندات الخاصة لهذه الدول، ففي حين تعلن هذه القوى تمسكها بوحدة الأراضي الليبية، إلا أن التحركات على الأرض قد لا تخدم هذا التوجه عن قصد أو غير قصد.

ويرى ومحللون أن أي تقسيم للدولة الليبية، سيتخذ بعدين رئيسيين، يمثل أحدهما محور الإسلام السياسي، مدعوما بالتوجهات الإخوانية لقطر وتركيا، ويمثل الآخر المحور المناهض له وتتقدمه مصر، دون استبعاد أطراف دولية أخرى ذات مصالح اقتصادية وسياسية في الدولة النفطية. وفي الوقت الذي يتحدث مراقبون عن دعم قطري وتركي لتيار الإخوان والمجموعات المرتبطة به بالسلاح والمال، عبر بوابة السودان، تدعم مصر سياسيا الحكومة المنتخبة، ويتحدث خصومها عن دعم عسكري سري، للجماعات التي تقاتل الإسلاميين. ويربط محللون بين الموقف المصري في ليبيا، وبين المواجهة المفتوحة التي تخوضها القاهرة مع جماعات الإسلام السياسي، منذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي. وفي ظل هذا التخندق الواضح من طرف التيار الإخواني والتيار المناهض له، تقف أطراف دولية في مقدمتها فرنسا على أهبة الاستعداد، للحيلولة دون تحول ليبيا إلى قاعدة للإرهاب، وعينها على النفط الليبي الذي لا يمكن أن يترك غنيمة للجماعات المتطرفة. السيناريو الأرجح أن التقسيم المحتمل للدولة الليبية سيحولها إلى ثلاث وحدات رئيسية، دولة في الغرب وعاصمتها طرابلس، ودولة درنة في الشرق وعاصمتها بنغازي، ودولة فزان وعاصمتها سبها جنوبا، بحسب مراقبين للشأن الليبي. ويرجح المراقبون أن يكون القاسم المشترك لهذه الدويلات، هو عدم الاستقرار السياسي، وانتشار الفوضى الأمنية، مما يجعل من ليبيا "الصومال الجديد" في الصحراء الكبرى.
ارم


الخبر السابق - الخبر التالي تحضير للطباعة أرسل هذا الخبر إنشاء ملفpdf من الخبر
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع

أخبار أخرى

  • 2021/12/20 10:46:03 وفد مساعدي أعضاء الكونجرس الأمريكي يشيد باجراءات الإصلاح الاقتصادي في مصر
  • 2021/12/12 6:43:20 وفد من جنوب السودان يصل إلى الخرطوم لبحث تنفيذ اتفاق البرهان وحمدوك
  • 2021/12/7 6:45:24 اليوم.. مصر تحتضن مؤتمرًا دوليًا لمواجهة التغيرات المناخية
  • 2021/12/1 10:56:01 بعد قليل.. فتح الطيران المباشر بين مصر والسعودية
  • 2021/11/30 10:50:04 برلمانية: معرض إيديكس 2021 رسالة ردع لكل من يحاول تهديد أمن مصر
  • 2021/11/30 10:47:31 عضو «السيادة السوداني» يبحث سبل حل قضية شرق السودان
  • 2021/7/18 5:24:27 «تطورات خطيرة».. السودان يكشف انخفاض مياه الأزرق لـ 50% بسبب سد النهضة
  • 2021/7/18 5:14:46 مصر سترصد الفضاء بثاني أكبر تلسكوب في العالم
  • 2021/2/13 11:24:06 إثيوبيا تمارس "الاستيطان الإسرائيلي" وينقصها الشجاعة لإعلان الحرب
  • 2021/2/13 11:20:57 مصر تنتظر توضيح مواقف إدارة بايدن من قضايا الإقليم
  • 2021/1/13 8:18:25 تصفية أشهر وأعرق شركة تأسست في عهد جمال عبد الناصر
  • 2020/12/29 4:53:31 الجيش المصري يستعد في شمال سيناء
  • 2020/12/28 9:06:31 على أعتاب الاكتفاء الذاتي في سلعة استراتيجية
  • 2020/12/27 7:21:04 السيسي: اتفاق سد النهضة يجب أن يكون ملزما ويحفظ حقوق مصر
  • 2020/12/13 8:50:00 يغلق معبر أرقين الحدودي مع مصر
  • 2020/12/12 11:18:08 715 مليون يورو تمويلات فرنسية إلى مصر.. وهذه تفاصيلها
  • 2020/12/6 6:31:09 البعثة الأممية في ليبيا تعلن نتائج التصويت على مقترحات آلية اختيار السلطة التنفيذية الموحدة
  • 2020/12/6 6:20:50 إقالات ودعوة لـ"يوم غضب" إثر مقتل طبيب بسقوط مصعد معطل
  • 2020/11/30 5:28:26 البرلمان الليبي يدعو لعقد جلسة خاصة
  • 2020/11/30 5:26:54 تسجيل 66 وفاة و1271 إصابة جديدة بفيروس كورونا
  • 2020/11/28 8:12:19 السودان تشيع جثمان زعيم حزب الأمة الصادق المهدي في جنازة مهيبة
  • 2020/11/25 10:58:44 السيسي: لقاح فيروس كورونا سيكون متوفرا في مصر منتصف العام المقبل
  • 2020/11/23 10:05:05 ماذا يعني انسحاب السودان من مفاوضات سد النهضة؟ خبراء يجيبون
  • 2020/11/18 10:11:06 رئيس وزراء السودان يؤكد الاستعداد للتعاون مع بعثة "يونتامس"
  • 2020/11/17 11:29:29 تبادل إطلاق نيران في ظل وضع ملتبس بالصحراء الغربية وتصعيد بين الجيش المغربي والبوليساري
  • 2020/11/17 11:26:22 صراع الحرب الأهلية يشتد.. محاولات وساطة لوأد النزاع في تيغراي
  • 2020/11/17 11:03:11 بريطانيا تسعى لسحب لقب أكبر مستثمر أجنبى فى مصر من الاتحاد الأوروبى
  • 2020/11/14 10:58:35 مباحثات سودانية - أمريكية في الخرطوم
  • 2020/11/11 7:57:26 إثيوبيون بينهم عسكريون يفرون من القتال في تيغراي إلى السودان
  • 2020/11/11 7:55:21 مجلس الأعمال المصرى اليونانى: استثمارات يونانية فى مصر تخطت المليار يورو