دعت الحكومة الانتقالية في ليبيا، المجتمع الدولي وخاصة بعثة الأمم المتحدة ورئيسها برنادينو ليون ومجلس الأمن إلى ضرورة اتخاذ كافة الإجراءات على مستوى مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية لمنع سيطرة الجماعات الإرهابية على الموارد النفطية للشعب الليبي.
وطالبت الحكومة التي يترأسها عبد الله الثني في بيان أصدرته أمس بإصدار مذكرات اعتقال دولية بحق قادة هذه المجموعات ومموليها وداعميها عسكريا وسياسيا وإعلاميا لردعهم عن مثل هذه الأعمال التي تهدد الأمن والسلم العالميين. كما طالبت الحكومة بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2174 بشأن ملاحقة الأفراد والكيانات التي تهدد الأمن والاستقرار والسلام في ليبيا وتعرقل نجاح التحول السياسي وتهاجم المرافق والمؤسسات الحكومية الليبية. وقالت الحكومة، التي تتخذ من مدينة البيضاء شرق البلاد مقرا مؤقتا لها، إنها تطالب أيضا بضرورة دعم وزارة الدفاع الليبية في تسريع إجراءات الموافقة على مشتريات الأسلحة والمعدات العسكرية الضرورية لضمان تسليح الجيش حتى يتمكن من اجتثاث الإرهاب. واعتبرت الحكومة أن الهجوم الذي تشنه منذ أيام ميليشيات ما يسمى بعملية «فجر ليبيا» للسيطرة على منطقة الهلال النفطي، يمثل تطورا خطيرا في طبيعة الصراع في ليبيا، مؤكدة أنه يهدد الوحدة الوطنية وقد يقود البلاد إلى حرب أهلية. وحذرت من أن «استهداف الموانئ النفطية، قد يفتح الطريق أمام سيطرة الجماعات الإرهابية على الموارد النفطية مما يعزز قدرتها على شن المزيد من الهجمات الإرهابية»، مشيرة إلى أن هذا من شأنه تهديد الأمن والسلم ليس فقط في ليبيا وإنما في بقية دول العالم خاصة دول الساحل الأفريقي ودول الجوار بما في ذلك الساحل الجنوبي لأوروبا.
إلى ذلك، استمرت الإدانات الرسمية والشعبية لعملية مقتل 14 جنديا ليبيا على أيدي مسلحين مجهولين بمحطة توليد الكهرباء غرب مدينة سرت، التي شهدت أول من أمس جنازة مهيبة لتشييع جثامين القتلى. ودخل نوري أبو سهمين رئيس المؤتمر الوطني العام (البرلمان) السابق والمنتهية ولايته، على الخط وأعلن بصفته القائد الأعلى للجيش الليبي، أنه أمر المدعي العام العسكري بمباشرة التحقيق في هذا الحادث وإظهار الحقيقة والقبض على الجناة وتقديمهم للمحاكمة. وقال أبو سهمين في بيان له إن «التاريخ سيكشف يوما الحقيقة وسيعلم الجميع حينها حجم ما خطط ودبر لليبيا، ولن يفلح الانقلابيون والإرهابيون وأصحاب النفوس الرخيصة في شق الصف أو النيل من الوطن».
لكن عمر القويري وزير الإعلام الليبي قال في المقابل لـ«الشرق الأوسط» إن ما وصفه بجريمة تصفية الجنود المكلفين بحراسة محطة الكهرباء والتابعين إلى رئاسة الأركان العامة، هي عملية منظمة مخطط لها من قبل ميليشيات خارجة على القانون تابعة لما يسمى بحكومة المؤتمر المنتهية ولايته وبصورة بشعة تفوح منها رائحة الكراهية والتشفي وانعدام الأخلاق. وأوضح القويري أن الجنود المكلفين بحراسة المحطة تعرضوا إلى عملية تصفية جماعية ليس لشيء إلا كونهم تابعين إلى الجيش الليبي الذي يسعى جاهدا إلى إعادة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة. وقال القويري «تدين الهيئة العامة للإعلام والثقافة بشدة هذه الجريمة البشعة التي تقشعر لها الأبدان، وتعتبرها وصمة عار في جبين الميليشيات التابعة للمؤتمر المنتهية ولايته والحكومة المنبثقة عنه». وتابع: «نحمل ما يعرف بالمؤتمر المنتهية ولايته والحكومة المنبثقة عنه مسؤولية ما قامت به هذه الميليشيات المجرمة من جرم تحت سمع وأنظار العالم دونما تتحرك ضمائرهم الميتة». وقال القويري إن الحادث أكد لنا بما لا يدع مجالا للشك عدم قدرة الأمم المتحدة على حماية المدنيين، وإن هذه المهمة لن يتم تحقيقها إلا بإعادة تنظيم وتكوين الجيش الوطني الليبي، ودعا الشرفاء والأحزاب السياسية وفعاليات المجتمع المدني إلى الوقوف صفا واحدا إلى جانب جيشهم الوطني الذي يسعى جاهدا إلى استقرار البلاد ومحاربة الإرهاب.
من جهته، زعم ما يسمى بالمجلس الأعلى للدفاع بالحكومة التي تسيطر على العاصمة طرابلس، «إنه بناء على المعلومات الواردة اتضح جليا أن هناك أيادي سوداء تحاول العبث بهذا الوطن وزرع البلبلة في صفوف المواطنين وتمزيق النسيج الاجتماعي في المدن الآمنة». واستغرب المجلس تزامن هذه الجريمة مع بدء المرحلة الثانية من عملية تحرير الموانئ النفطية، متهما أتباعا للفريق أول خليفة حفتر، قائد عملية الكرامة التي يشنها الجيش ضد المتطرفين في البلاد، بتنفيذ الجريمة. إلى ذلك، ظهرت جثة فتاة مصرية اختطفت قبل يومين بعد أن قتل مسلحون مجهولون والديها بمقر إقامتهم بمستوصف صحي بمنطقة جارف غرب سرت التي تبعد نحو 500 كيلومتر شرق طرابلس. وقال الدكتور محمد السريتي المتحدث الإعلامي باسم مستشفى ابن سينا بسرت إن جثة كاثرين مجدي صبحي توفيق (13) عاما، عثر عليها بمنطقة الكيلومتر (17) غرب سرت بعد ورود بلاغ من أحد المواطنين. وقال الفريق أول خليفة حفتر في تغريدة له عبر موقعه الرسمي على موقع «توتير» للتواصل الاجتماعي «نعزي أنفسنا ونعزي ذوي الأسرة المصرية القبطية التي طالتها يد الإرهاب في سرت ونذكر العالم أن الإرهاب لا يفرق بين ضحاياه وأنه لا دين له». وفي وقت سابق من يوم الثلاثاء الماضي قتل مسلحون مجهولون الطبيب المصري المسيحي وزوجته واقتادوا ابنتهما إلى مكان مجهول، فيما تركوا طفلتين صغيرتين للقتيلين في المنزل الذي كان مسرحا للجريمة.
وقالت مصادر طبية وأمنية بأن الطبيب وجد مكبل اليدين ومقتولا هو وزوجته، لافتا إلى أن «مبلغ 6 آلاف دينار ليبي تخص القتيل وجدت على طاولة قرب مسرح الجريمة، إضافة إلى أن مجوهرات زوجته لم تمس». ويعمل القتيل في مركز جارف الصحي بسرت منذ نحو 15 عاما ولم يغادر خلالها المنطقة إلا في إجازات قصيرة بحسب السكان الذين قالوا: إنهم يعرفونه ويعرفهم جميعا، وإنه لم يتركهم حتى في فترة الحرب على معمر القذافي في العام 2011. وشهد شرق البلاد أعمال قتل مماثلة لأقباط مصريين إضافة إلى أجانب يعتنقون الديانة المسيحية خلال الفترة الماضية. وفي 24 فبراير (شباط) الماضي، عثرت السلطات الأمنية الليبية على جثث 7 مصريين مسيحيين ملقاة في ضواحي مدينة بنغازي شرق البلاد وعليها آثار الرصاص. وتسيطر على مدينة سرت ميليشيات إسلامية على رأسها جماعة أنصار الشريعة التي وضعها مجلس الأمن الدولي على لائحته السوداء الخاصة بالإرهاب.
الشرق الأوسط