أصدر المستشار محمد عبد الوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة، أمس، حكماً تاريخياً يقضي بإلغاء الاحتفالات السنوية بمولد الحاخام اليهودي يعقوب أبو حصيرة نهائيا، وبذلك حسمت أشهر قضية ظلت مصدر اهتمام الصحف وأجهزة الإعلام على مدار عقدين.
وفور علم نساء القرى القريبة من ضريح أبو حصيرة بقرار النطق بالحكم أسرعن للاحتفال بالمناسبة، فيما أطلق عدد من نساء محافظة البحيرة شمال القاهرة الزغاريد ابتهاجاً بالحكم الذي تداول في المحاكم لأكثر من 13 عاما، وهتف رجال قرية دمنوه التابعة لمدينة دمنهور بمحافظة البحيرة التي يقام بها المولد «يحيا العدل.. تسقط إسرائيل»، كما علت الهتافات المنددة بالدولة الصهيونية.
وقام أهالي القرية بتوزيع المشروبات على بعضهم. ويرغب الأهالي بسرعة إخفاء كل معالم الضريح.
جدير بالذكر ان المولد كان يقام في شهر كانون الثاني/ يناير من كل عام بحضور عدد من رجال السفارة الإسرائيلية، فضلاً عن عدد من حاخامات اسرائيل وأوروبا وسياح يقدرون بالمئات. وكانت وزارة الداخلية تقوم بإجراءات أمنية مشددة تتحول فيها القرية إلى ثكنة عسكرية. وكانت محكمة القضاء الإداري في الإسكندرية برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة حكمت بإلغاء الاحتفالات السنوية نهائيا بمولد الحاخام اليهودي لمخالفتها للنظام العام والآداب، وتعارضها مع ما تدعو إليه الشعائر الدينية، حيث كان الموجودون يحيون المناسبة بالرقص واحتساء الخمور. وتوقع مراقبون أن يثير الحكم أزمة بين القاهرة وتل ابيب التي ظلت تصر على مدار الأعوام الماضية على تشجيع مواطنيها على السفر لمصر لإحياء المناسبة، كما قررت المحكمة إلغاء قرار وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني الخاص بأثريته مع إلزام وزير الآثار الحالي بشطب الضريح من سجلات الآثار المصرية، مع نشر هذا القرار في جريدة «الوقائع» المصرية الرسمية، وإبلاغ منظمة اليونسكو بالقرار من خلال إيداع الترجمة المعتمدة من الحكم الوثيقة والسند في الإبلاغ، كما رفضت المحكمة طلباً اسرائيلياً بنقل رفات الحاخام اليهودي إلى القدس الشرقية، لأن الإسلام يحترم الأديان السماوية وينبذ نبش قبور موتاهم.
جدير بالذكر أن محكمة القضاء الإداري سبق وقضت عام 2001 بأن ضريح «أبو حصيرة» والمقابر اليهودية المحيطة به ليست من الآثار التاريخية، وقضت بمنع نقل رفاته خارج مصر، كما قضت أيضا بمنع إقامة المولد الذي كان يقام سنويا في القرية التي يوجد فيها قبر «أبو حصيرة» احتفال أو مولد «أبو حصيرة» حيث يزوره المئات من اليهود الولايات المتحدة والمغرب وفرنسا وإسرائيل، كما أن الثابت تاريخيا أن الطائفة اليهودية المصرية التي كانت تقيم الاحتفال منذ اربعينيات القرن المنصرم لم يتبق أي من أفرادها على أرض مصر.. ووفقاً لمعلومات يستند إليها اليهود وإن كانت غير موثقة من قبل جهات مستقلة فإن «أبو حصيرة» هو يعقوب بن مسعود، حاخام يهودي من أصل مغربي، عاش في القرن التاسع عشر، ينتمي إلى عائلة يهودية ثرية لقبها عائلة الباز، تفرق أفرادها في بلاد شتى ما بين مصر ودول اوروبية، بينما استمر بعضهم فى المغرب على مر العصور، ويجزم عدد من اليهود أن ابوحصيرة من العباد الذين زهدوا الحياة وانقطعوا للعبادة ويقام له مقام يهودي في قرية “دميتوه” في محافظة البحيرة الحالية.ووفقاً لرواية اسرائيلية فإن يعقوب بن مسعود «أبو حصيرة» ولد في جنوب المغرب، حيث تذكر رواية شعبية يهودية أنه غادر المغرب لزيارة أماكن مقدسة في فلسطين إلا أن سفينته غرقت في البحر، وظل متعلقا بحصيرة قادته إلى سوريا ثم توجه مباشرة إلى فلسطين وبعد زيارتها غادرها متوجها إلى المغرب ومنها لدلتا مصر وتحديداً إلى دميتوه في دمنهور عاصمة محافظة البحية ودفن في القرية تلبية لوصيته حيث قضى نحبه عام 1880.
وتم الاتفاق على تحويل المقبرة إلى ضريح، حيث تشير وثائق إلى أنه وبموافقة مديرية البحيرة في ذلك الوقت تم شراء بعض الأراضي حول المقبرة لإقامة الضريح وتشييد سور حولها، وتم التبرع بالمال من قبل أثرياء يهود، وبعد توقيع معاهدة كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل العام 1979 طالب اليهود بتنظيم رحلات رسمية لهم للاحتفال بالمولد والذي يستمر أسبوعا، ويتم السماح لليهود المحتفلين بالمولد بزيارة الضريح بشكل سنوي، وبتنسيق مع سلطات الأمن المصرية.
فيما تذهب رواية أخرى تدحض تلك الرواية إلى أن ابو حصيرة كان يقوم برتق الأحذية «إسكافي» ولاعلاقة له بحياة الزهد او العبادة بل يميل لحب الحياة وملذاتها. ويشير معارضون لاتفاقية كامب ديفيد ومعارضون للتطبيع مع إسرائيل إلى أن شخصية ابو حصيرة وهمية وهي من تأليف بنات أفكار بعض اليهود الصهاينة بهدف التذرع بمنح بني إسرائيل حقا تاريخيا لهم في مصر. وأياً كانت الحقيقة فإن اهالي محافظة البحيرة قد تنفسوا الصعداء أخيرا بعد أن ظلوا على مدار سنوات حكم مبارك ينددون بالمولد الذي يحييه العديد من يهود العالم وسط حراسة أمنية مشددة . وشهدت عدة محاكم قضايا للمطالبة بمنع ذلك المولد غير أن السلطات المصرية في زمن الرئيس المخلوع ظلت تحرص على السماح لليهود بإحياء المولد. وإهالي قرية دمونه ومن حولها من القرى يتطيرون من تلك المناسبة، معبرين عن خشيتهم من ان تجلب عليهم غضب السماء. ودعا عدد من مشايخ السلفية في البحيرة ومحافظات أخرى إلى ردم ذلك الضريح تنفيذاً لأوامر نبي الإسلام، كما قال علي بن أبي طالب لرجل: ألا هل ابعثك على ما بعثني عليه النبي صلى الله عليه وسلم، قال بلى، قال لا تجد صنماً إلا طمسته ولا قبراً إلا سويته. ويقلل الكثيرون من العاملين في مجال السياحة من تأثير الغاء الاحتفال على تراجع السياحة في محافظة البحيرة، مشيرين إلى أن عدد من كان يقبل على متابعة المولد وحضوره من اليهود والاسرائيليين غير مؤثر بالمرة في النشاط السياحي، فيما كان يقاطع أهالي المحافظة المترددين على الاحتفال ويرفضون التعامل معهم او مدهم بما يحتاجون من سلع.
القدس العربي