رغم بعض التسريبات من هذه الجهة أو تلك، ورغم أن مصادر عديدة أعلنت عن قوائم أسماء برمتها، لا يبدو أن الحبيب الصيد المكلف برئاسة الحكومة التونسية المقبلة قد اهتدى بمعية الحزب الفائز بالمرتبة الأولى في الإنتخابات التشريعية الأخيرة، حركة نداء تونس، إلى التركيبة الحكومية «المثلى» التي تحقق التوازن المنشود وتضمن الحد الأدنى من تمثيل مختلف الشركاء السياسيين كل بحسب حجمه الإنتخابي.
لكن في المقابل يمكن التأكيد على مشاركة الأحزاب «الحليفة» للنداء في الحكومة المقبلة، وهي الأحزاب التي دعمت صراحة رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في الإنتخابات الرئاسية، مثل الإتحاد الوطني الحر الحاصل على المركز الثالث في الإنتخابات التشريعية الأخيرة، وحزب آفاق تونس الحائز على المركز الخامس. كما يمكن أن تتوسع التركيبة لتشمل أحزاب الإتحاد من أجل تونس، وهي أحزاب ساندت حركة نداء تونس في زمن كان الحصار مفروضا عليها من الترويكا الحاكمة السابقة ورابطات حماية الثورة المرتبطة بحزبي النهضة والمؤتمر، والتي منع عناصرها في وقت ما النداء من عقد اجتماعاته واعتدوا على أنصاره و «مريديه».
مشاركة حركة النهضة
ولم تتأكد بعد مشاركة حركة النهضة في الحكومة المقبلة، رغم أن مجلس شورى الحركة أعلن عن رغبتها في ذلك، ورغم أن رئيس الحكومة المكلف الحبيب الصيد زار مقرها في إطار مشاوراته قبل تشكيل الحكومة. ومن بين الشروط التي وضعتها النهضة حتى تكون طرفا حكوميا، أن يتم تحييد وزارات السيادة، وهو ما كانت ترفضه حين كانت حزب الأغلبية، وأن يتم منحها حقائب وزارية تتناسب وحجم مقاعدها في البرلمان الجديد.
لكن شقا واسعا داخل حركة النهضة يرفض رفضا قاطعا مشاركة الحركة في الحكومة على اعتبار أن نسبة هامة ممن صوتوا لحركة نداء تونس لم يكن تصويتهم اقتناعا ببرنامج النداء وإنما من أجل قطع الطريق على حركة النهضة حتى لا تتصدر مجددا المشهد السياسي. ويخشى هذا الشق، الذي وصفه أحد الإعلاميين الموالين لحركة النهضة بـ»الشق الإستئصالي» إلى أن يخسر النداء أنصاره وتصيبه ما أطلق عليه البعض تسمية «لعنة التحالف مع النهضة» والتي دفع ثمنها غاليا حزبا التكتل من أجل العمل والحريات والمؤتمر من أجل الجمهورية اللذين منيا بهزيمة نكراء في الإنتخابات التشريعية الأخيرة وذهبت أصوات جماهيرهما «الحداثية» في اتجاه النداء، في الدرجة الأولى، والجبهة الشعبية اليسارية القومية، في الدرجة الثانية.
خياران أحلاهما مر
فالنداء ورئيسه السابق الباجي قائد السبسي في وضع لا يحسدان عليه وأمامهما خياران أحلاهما مر. فإما إشراك حركة النهضة وضمان أغلبية مريحة داخل المجلس النيابي تمكنهم من تمرير مشاريع القوانين والمصادقة على مختلف المعاهدات والإتفاقيات الدولية، مع خسارة جانب هام من القواعد والأنصار، أو إبعاد حركة النهضة من أي تركيبة حكومية مقبلة والحفاظ على الرصيد الشعبي، مع تحول الحركة إلى المعارضة التي ستكون شرسة وقد لا يقوى النداء على تحملها خصوصا إذا تعلق الأمر بالجمهور المنضبط للحركة والملتزم بتعليمات الهرم القيادي.
ويبدو أن الباجي قائد السبسي، وبخلاف الجناح الرافض داخل حزبه، يميل إلى إشراك حركة النهضة في الحكومة سواء بصورة مباشرة أو من خلال مستقلين على علاقة بالحركة أو قريبين فكريا من توجهاتها. وفي هذا المجال هناك أسماء «مستقلة» عديدة قريبة من الحركة يمكن أن توفر الحل لقائد السبسي وتنقذ ماء وجهه أمام أنصاره فيبدو وكأنه لم يشرك الحركة في الحكومة.
اليسار
ويرى كثير من المحللين أن إبعاد اليسار التونسي ممثلا في الجبهة الشعبية من الحكومة سيخلق بدوره مشاكل بالجملة، فالجبهة غير راضية بالمرة على تسمية الحبيب الصيد رئيسا للحكومة، هذه التسمية التي يشاع أنها تمت بتوافق بين رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي. فاليسار التونسي وإن كان لا يتمتع بشعبية واسعة في صفوف عموم الجماهير إلا أنه نخبوي وله امتدادات في منظمات وطنية عريقة وفاعلة (الإتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والنساء الديمقراطيات وغيرها) وفي الإعلام ونجح في استقطاب الأدباء والمفكرين والفنانين والأساتذة الجامعيين.
وتعلن قوى اليسار التونسي صراحة عن عدم استعدادها للمشاركة في حكومة تضم إما رموز النظام الديكتاتوري السابق أو مكونا من مكونات الترويكا السابقة (النهضة، التكتل، المؤتمر) التي نعتها زعيم حزب العمال بـ «الفاشلة». وبالتالي فإن الحزب الفائز بالمركز الأول في الإنتخابات التشريعية لا يمكنه بأي حال من الأحوال الجمع بين الإسلاميين واليساريين في حكومة واحدة وعليه أن يختار بين الأغلبية النيابية التي سيضمنها إذا تحالف مع النهضة أو الهدنة مع مجموعات الضغط (النقابات، الإعلام، المنظمات الحقوقية) التي يسيطر عليها اليسار.
وزراء حكومة جمعة
ومن شبه المؤكد أن تضم الحكومة التونسية الجديدة بعضا من وزراء حكومة التكنوقراط الحالية التي يرأسها المهدي جمعة، فقد أثبت بعض وزرائها كفاءة عالية ونجحوا في مهامهم. كما أن الإستمرارية والبحث على نجاعة العمل الحكومي يفرضان عدم القطع تماما مع حكومة جمعة خاصة وأن وزراءها مستقلين ومن المفروض أن لا يعترض عليهم أي طرف سياسي حيث أنهم التزموا بوعودهم فتولوا تسيير الأعمال إلى حين إجراء الإنتخابات التي لم يترشحوا فيها مثلما اتفق عليه مع الرباعي الذي رعى الحوار الوطني ومع مختلف مكونات المشهد السياسي. ومن بين الأسماء التي قد تواصل مهامها، وزير العدل حافظ بن صالح ووزير الدفاع الوطني غازي الجريبي وإسمين آخرين أو ثلاثة من خارج وزارات السيادة. فالحكومة التونسية الجديدة وبالنظر إلى بعض التسريبات ستكون خليطا من ذوي الخبرة العائدين مثل رئيسها، وبين «أهل الطموح» ممن لم يشاركوا في حكومات سابقة، وبين بعض وجوه الحكومة الحالية، كما أن تمثيل المرأة سيكون لافتا فيها بخلاف حكومات ما بعد الثورة، بالإضافة إلى مراعاة التمثيل الجهوي.
القدس العربي